تسود أجواء من الترقب على الساحة الفرنسية قبل أيام قليلة من انطلاق الانتخابات البلدية، والمقرر عقد الدورة الأولى منها يوم الأحد المقبل، حيث تشكل اختبارا مهما للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومكانة حزبه الحاكم "الجمهورية إلى الأمام" داخل المشهد السياسي الفرنسي.

ويتوقع المراقبون، أنه على الرغم من الأهمية القصوى التي تحظى بها هذه الانتخابات لدى الفرنسيين، إلا أنها على الأرجح ستشهد نسب مشاركة محدودة بسبب انتشار فيروس كورونا، حيث شهدت فرنسا في الأيام الأخيرة جدلا حول تأجيل الاستحقاق الانتخابي في ضوء تفشي الفيروس، ودعا الرئيس ماكرون الأحد الماضي إلى اجتماع طارئ لمجلس الدفاع الأعلى لدراسة الإجراءات والتدابير الضرورية، ولكن السلطات الفرنسية تؤكد أن "التأجيل ليس مطروحاً على جدول الأعمال"، مشددة على العمل على تزويد مداخل مراكز الاقتراع بكافة الإجراءات الوقائية اللازمة، وعلى رأسها مطهرات الأيدي وأقنعة الحماية.

في هذا السياق، ذكرت دراسة، أجراها معهد "إيفوب" الفرنسي ونشرت أول أمس، أن 28% من الفرنسيين يعتزمون عدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع الأحد القادم بسبب فيروس كورونا، وهي نسبة تعادل 3 من كل 10 ناخبين، ووفقا لهذه الدراسة، فإن من 6 إلى 8 ملايين ناخب من بين 44.3 إجمالي عدد الناخبين، قد يمتنعون عن المشاركة في الاقتراع الانتخابي، وهو ما سيؤثر بالسلب على معدلات المشاركة.

وأثًر انتشار فيروس كورونا بقوة على الحملة الانتخابية للمرشحين في الانتخابات البلدية، خاصة في الأيام الأخيرة بعد تفشي الفيروس في البلاد، نتيجة الحظر المفروض على التجمعات لأكثر من ألف شخص وتم إلغاء العديد من التجمعات العامة في مدن تولوز وليون وسانت اتيان.

وتحظى هذه الانتخابات بأهمية ملحوظة في المشهد السياسي الفرنسي إذ يسعى ماكرون وحزبه للخروج من هذا الاستحقاق الانتخابي بأفضل نتائج ممكنة حيث ستعكس هذه النتائج شعبية الحزب الحاكم في الشارع الفرنسي وقدرته على التوغل على المستوى المحلي والوصول لمختلف طبقات المجتمع، وهو ما سيعتبر مؤشرا مهما لقدرة الحزب على التنافس في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة وأهمها الانتخابات الرئاسية 2022.

لذلك يعول الحزب على الحصول على أصوات كثيرة محليا، إلى جانب الفوز بالمدن الكبرى على غرار ليون، ستراسبورغ أو حتى باريس والتي ازدادت المنافسة فيها صعوبة بعد انسحاب مرشح الحزب الحاكم بنجامين غريفو، المقرب من ماكرون، في منتصف فبراير الماضي وهو ما أحدث ضجة كبيرة داخل الحزب ليتم استبداله بوزيرة الصحة أنييس بوزان. 

ولكن يبدو أن استطلاعات الرأي تظهر أن فرص مرشحة الحزب الحاكم ليست قوية حيث أنها تأتي في المرتبة الثالثة بنسبة 19% بعد مرشحة "الجمهوريين" رشيدة داتي التي تحظى بنسبة تأييد 22%، وعمدة باريس الحالية الاشتراكية آن هيدالغو التي تحظى بنسبة 24%.

يشارك في هذه الانتخابات 10 وزراء من الحكومة الفرنسية بقيادة إدوار فيليب، وهو ما يشكل عبئا إضافيا على ماكرون وحزبه، حيث أن عدم تحقيق هؤلاء الوزراء لنتائج إيجابية في مدنهم لا يصب في مصلحة المستقبل السياسي للحكومة ولا الرئيس الفرنسي في الاستحقاقات المقبلة.

تأتي هذه الانتخابات في ظل سياق اجتماعي صعب يشوبه التوتر منذ أشهر بعد أزمة السترات الصفراء التي شهدها الشارع الفرنسي لأكثر من عام والتي أثرت سلبا على شعبية الرئيس ماكرون وحكومته، كما تأتي في أعقاب الاحتجاجات المناهضة لإصلاح نظام التقاعد والذي لا يزال قيد المناقشة في البرلمان الفرنسي ويحظى بمعارضة شعبية واسعة أدت إلى إضرابات في مختلف القطاعات وشلل حركة النقل في البلاد لأسابيع طويلة.

ووفقا للمراقبين، فإن هذه الانتخابات تشكل اختبارا مهما للرئيس ماكرون وحزبه في ظل السياق الاجتماعي الصعب الذي تشهده فرنسا، حيث يرى هؤلاء أن الاقتراع سيشكّل مؤشراً حاسما لمعرفة مدى تغلغل النظام الحالي برئاسة ماكرون على الصعيد المحلي، خاصة أن الانتخابات المحلية دائما تعكس ردود أفعال المواطنين تجاه السياسات العامة لذلك يتوقع أن تعكس هذه الانتخابات انطباعات الفرنسيين ورؤيتهم لسياسات ماكرون منذ وصوله إلى الإليزيه في مايو 2017، كما أن قدرة الحزب الحاكم على الفوز في مدن كبرى مثل باريس وستراسبورغ وليون من شأنها أن تعطي زخما كبيرا للرئيس وتعزز من مكانته على الساحة السياسية وتمهد إمكانية ترشحه لولاية رئاسية جديدة في 2022.