لا يزال الجدل على أشده في الشارع الليبي بعد حوالي أسبوع من تصريحات المتهم الساعدي القذافي ، التي كشف فيها عن اتصالات سرية جرت بين رئيس ما يسمى بالمكتب السياسي لإقليم برقة الذي يسيطر مع جماعات مسلحة على ثلاثة مرافئ لتصدير الخام الليبي شرق البلاد منذ يوليو 2013 ، ابراهيم الجضران وعدد من رموز النظام السابق. وقد رُصدت ردود فعل متباينة بين المواطنين الليبيين إزاء هذه التصريحات سواء بالنسبة لتوقيتها أو الأهداف غير المعلنة من ورائها. وكان تلفزيون “الرسمية” الليبي بث، الاثنين الماضي، شريط فيديو كشف فيه المتهم الساعدي القذافي عن علاقاته مع إبراهيم الجضران، بقصد إقامة حلف لبيع النفط وشراء الأسلحة لمواجهة ثورة 17 فبراير. وذكر المتهم الساعدي في هذا الشريط وهو الثاني منذ تسليمه من النيجر في 6 مارس الماضي، أسماء من بينها الجنرال المتقاعد، خليفة حفتر، صاحب الانقلاب الألكتروني في فبراير الماضي، غير أن العديد من الأسماء حُذفت من الشريط بأمر من النائب العام. يشار إلى أن قناة “الرسمية” نوهت إلى أن النائب العام الذي أعطى الأمر ببث الشريط بعد أن قام بمنعه في المرة الأولى ، طلب حذف بعض الأسماء لدواعي أمنية تتعلق بسير عملية التحقيق.  

وقال الأستاذ الجامعي أبو القاسم عمر إن “اعترافات المتهم الساعدي القذافي خطيرة جدا تستوجب إجراء تحقيق شامل ونزيه والاستماع إلى كافة الأطراف للتحقق من صدقيتها وإطلاع الرأي العام الليبي بكل شفافية”. من جهته أكد الناشط السياسي محمد إبراهيم أن اعترافات المتهم الساعدي القذافي تكشف أن ثورة 17 فبراير لم تحصًن نفسها أمنيا وبينت أن ليبيا مخترقة. واعتبر هذا الناشط أن الذين كانوا وراء بث هذا الفيديو قد يكونوا سقطوا من حيث لا يعلمون في فخ محكم نصبه المتهم الساعدي حيث مكنوا له من الدعاية لما يسمى “الجبهة الوطنية” وتسويق أهدافها لليبيين. ويرى الصحفي الليبي محمد عبد السلام أن البلاد دخلت في لعبة عبثية هي حرب “الفيديوهات” وهي لعبة تمس بالأمن القومي الليبي معربا عن اعتقاده بأن النائب العام الذي منح الإذن ببث الفيديو لا يملك هذه الصلاحية.  

وقال إن هذه القضية ليست قضية جنائية بل هي قضية تتعلق بأمن ليبيا والليبيين وتشكل خطرا على الأمن القومي الليبي وبالتالي ليس من الجائز بثها على شاشات التلفزيونات مثلها مثل أي قضية جنائية. وفي هذا الصدد يشكك العديد من النشطاء الحقوقيين الليبيين في الشرعية القانونية لهذا التسجيل باعتبار أنه صادرعن سجين متهم خاصة وأنه كشف عن معلومات متعلقة بقضية مطروحة أمام القضاء. ويعتقد المحامي والناشط الحقوقي الطاهر الناجح أنه بالرغم من تصريح المدعي العام ببث الفيديو إلا أن ذلك لا يعني انتفاء الشبهة حول وجود دافع لتسييس القضاء معتبرا أن ذلك أخطر بكثير من اعترافات المتهم الساعدي . غير أن المراقبين المتتبعين للشأن الليبي يستغربون من الضجة التي أثارتها تصريحات المتهم الساعدي القذافي ، مؤكدين أنه لم يأت بأي جديد على الإطلاق حيث سبقه للكشف عن هذه الاتصالات ومنذ يناير الماضي رئيس المجلس المحلي طبرق فرج ياسين في مقابلة مع جريدة ليبيا الإخبارية. وكان ياسين كشف عن وجود اتصالات بين ابراهيم الجضران زعيم الميليشيا المتمردة التي تغلق مرافئ تصدير الخام الليبي (شرق البلاد) منذ يوليو 2013 وشخوص من النظام السابق من بينهم ، أحمد قذاف الدم، منسق العلاقات الليبية المصرية السابق وابن عم القذافي المطلوب للعدالة الليبية، وعمران بوكراع ، أحد ابرز قيادات اللجان الثورية والذي تولى عدة مناصب في نظام القذافي من بينها الشركة العامة الكهرباء قبل أن يهرب إلى مصر عند تداعي النظام السابق. وأوضح رئيس المجلس المحلي طبرق في هذه المقابلة أن لديه معلومات مؤكدة عن اتصالات تمت بين الجضران وأحمد قذاف الدم حيث طلب الجضران دعما ماليا لصمود حركته إلا أن قذاف الدم أبلغه بأنه لا يستطيع تلبية طلبه في الوقت الحالي نظرا لوجود كل أمواله تحت أعين السلطات المصرية وأشار عليه أن يتصل بعمران بوكراع الذي ربط له قناة اتصال مع شخص يدعى علي الورفلي الأحول في تونس وبحث معه كيفية تمويل حركته للاستمرار في غلق المرافئ النفطية.  

وأكد ياسين أن اسم بشير صالح ، مدير مكتب القذافي السابق تردد خلال هذه الاتصالات لتمويل الجضران مقابل قيام هذا الأخير بتسليح قبائل القذاذفة وقبائل موالية لها للسيطرة على المنطقة الغربية من ليبيا. وقال فرج ياسين في نفس المقابلة إن “غلق الموانئ النفطية في شرق البلاد تحركها أيادي خارجية وشخصيات لا تزال موالية للقذافي” ودعا الحكومة وقتذاك إلى ضرورة وقف كافة الاتصالات مع “هؤلاء المتمردين الخارجين عن القانون” واستخدام القوة ضدهم إذا لزم الأمر. وتكشف هذه المقابلة التي نشرتها جريدة ليبية أولا أن اعترافات المتهم الساعدي القذافي متأخرة جدا ولم تأت بأي جديدة وثانيا أن المسؤولين في السلطة الليبية الجديدة لا يقرأون جيدا ما يدور في المشهد الإعلامي الليبي حيث يصبون كل اهتماماتهم على الصراع والتناحر من أجل السلطة وتحقيق مكاسب حزبية أو مناطقية أو جهوية أو عرقية تحت تهديد السلاح والركون إلى الجماعات المسلحة ، على حساب أمن ليبيا والليبيين ووحدتهم الوطنية.