استطاعت التنظيمات الإرهابية، استغلال الانقسامات والفوضى لتأسيس موطئ قدم لها فى ليبيا،وحولت البلاد إلى بؤرة توتر متصاعد.ومثل وجودها خطرا إقليميا ودوليا وهو ما إتخذته القوى الدولية ذريعة للتدخل في ليبيا عبر تنفيذ غارات جوية متكررة تستهدف القيادات والعناصر الإرهابية في محاولة لمنعها من تحويل البلاد الى قاعدة جديدة تنطلق عبرها لشن هجمات ارهابية هنا وهناك.
وفي تواصل لمسلسل التدخل الأمريكي في الساحة الليبية تحت ذريعة محاربة هذا الخطر الذي يتعدى حدود ليبيا ليشمل دول المنطقة والعالم،أعلنت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم" عن قصف مواقع لعناصر "داعش" في محيط بلدة مرزق جنوبي ليبيا.وقالت أفريكوم في بيان صدر،الجمعة، إنها قتلت بضربة جوية شنت مساء الخميس ثمانية من مقاتلي ومسؤولي تنظيم "داعش"، الفرع الليبي.
وقال الجنرال ستيفن تاونسيند، قائد القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)،"أجرت قيادة أفريقيا الأميركية هذه الضربة الجوية للقضاء على القادة والمقاتلين الإرهابيين وتعطيل النشاط الإرهابي. لن نسمح لهم باستخدام النزاع الحالي في ليبيا كحماية لهم. بالتعاون مع شركائنا الليبيين، سنستمر في حرمان الإرهابيين من الملاذ الآمن في ليبيا".
وأشار بيان أفريكوم إلى أنه يجري في الوقت الحالي تقييم الضربة الجوية، مشيرة إلى عدم قتل أو إصابة مدنيين نتيجة لهذه الغارة الجوية. وأكد أن القيادة العسكرية الأمريكية في شمال أفريقيا تواصل دعم الجهود الدبلوماسية الرامية إلى استقرار الوضع السياسي في ليبيا وتعطيل المنظمات الإرهابية التي تهدد الاستقرار الإقليمي.
ويأتي بيان أفريكوم بتبني الهجوم ردا على وسائل إعلام محسوبة على تيار الإسلام السياسي،والتي شنت هجوما على الجيش وكالت اتهامات للدول الداعمة له، بتنفيذ الضربة التي قالت إنها "استهدفت مدنيين".
وكان الناطق الرسمي باسم الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، اللواء أحمد المسماري،قال إن قواته الجوية لم تشارك في شن أي غارات على منطقة مرزق خلال الساعات الماضية.وشدد المسماري في إفادة بصفحته الرسمية على "فيسبوك"، على أنه "لا صحة للأخبار التي تتحدث عن شن مقاتلاتنا غارات جوية على مواقع معادية في المنطقة المذكورة أو في محيطها.
وبعد بيان أفريكوم سارع المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني،للتأكيد على أن الغارة الجوية التي نفذتها القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)،الخميس، بمحيط مدينة مرزق جنوب غرب البلاد، وأسفرت عن مقتل 8 عناصر من تنظيم "داعش" تأتي "في إطار التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة".وأضاف المجلس "في هذا الإطار فإن حكومة الوفاق الوطني ومن خلال التعاون الاستراتيجي مع حلفائها، ستستمر في مكافحة الإرهاب والقضاء عليه أينما كان وعلى الرغم من كل التحديات".
ويبدو الارتباك واضحا في تصريحات المسؤولين في طرابلس،فبعد أن ندد تيار الاسلام السياسي المسيطر على حكومة الوفاق بالغارة الجوية على مرزق مدعيا سقوط مدنيين ومتهما الجيش الليبي بارتكابها،تعود حكومة الوفاق لتؤكد تنسيقها مع أفريكوم لشن الغارة ضد العناصر الارهابية المتواجدة في المنطقة.
ونفذت قيادة أفريكوم الكثير من العمليات العسكرية في ليبيا، تحت عنوان استهداف مُسلحي التنظيمات الإرهابية منها القاعدة وداعش. وشهدت تلك الغارات جدلا كبيرا حول مدى دقتها وصحة أهدافها، كما ألقت الضوء على مدى جدية التنسيق بين حكومة الوفاق وأفريكوم، والذي يرى كثير من المتابعين للشأن الليبي بأنه شكلي حيث أثبتت الغارات الماضية أن الحكومة الليبية لا تعلم بتفاصيلها إلا بعد وقوعها.
فرضية زاد تأكيدها في أعقاب نفي القوات القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، تنفيذها لغارة جوية في منطقة أوباري بجنوب ليبيا، في فبراير الماضي، وهو النفي الذي أحرج بشدة حكومة الوفاق التي أعلنت عبر محمد السلاك الناطق الرسمي باسم رئيس المجلس الرئاسي، إن القصف الجوي الأميركي لضواحي مدينة أوباري كان في إطار التنسيق المستمر، والعلاقة الاستراتيجية بين ليبيا وأميركا في حربهما على الإرهاب.
من جهة أخرى،ألقى قصف أفريكوم للارهابيين في مرزق الضوء على حقيقة الوضع في المدينة،حيث تشهد منذ مطلع شهر أغسطس الماضي توترا أمنيا بسبب هجمات متكررة لميليشيا "قوة حماية الجنوب" المتكونة من بقايا المجموعات الإرهابية التي طردها الجيش من بنغازي ودرنة إضافة إلى عناصر موالية لآمر حرس المنشآت النفطية السابق إبراهيم الجضران.
ويثبت تواجد الارهابيين في مرزق صحة الاتهامات الموجهة لحكومة الوفاق بالتحالف مع عناصر ارهابية ومرتزقة في الجنوب.وفي هذا السياق،أكد عضو مجلس النواب سعيد امغيب في تدوينة له عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الإجتماعي"تويتر"، إن "هذه المجموعات التي اتضح الآن إنها إرهابية وتابعة لداعش متحالفة مع المعارضة التشادية و بعض الكتائب المسلحة التي تنتمي لقبيلة التبو والتي سيطرة بقوة السلاح على مرزق وهجرت أهلها الداعمين للجيش واحرقت بيوتهم و كل ممتلكاتهم".
وأعرب عن تعجبه من إعلان حكومة الوفاق في وقت سابق أن هذه المجموعات تتبعها تحت مسمى قوة حماية الجنوب.ويرى أن الإعلان عن هذه الضربة من قبل الأفريكوم في هذا الوقت بالتحديد رسالة واضحة لكل الدول الداعمة لحكومة الوفاق وفي نفس الوقت للمليشيات المسيطرة على العاصمة طرابلس ولكل المدن التي تدعمهم.
ويشهد الجنوب الليبي في هذه الآونة حالة من زعزعة الاستقرار، سببها التنظيمات الإرهابية وبعض الجماعات المسلحة والعصابات الأجنبية المتحالفة مع حكومة الوفاق، وأبرزها "قوة حماية الجنوب"، وهي مليشيا قوامها الرئيسي مقاتلين من قبائل التبو الليبية ومرتزقة من تشاد ودول أفريقية أخرى مثل نيجيريا، تقاتل تحت إمرة حسن موسى التباوي،والتي سيطرت في 19 أغسطس الماضي،على مدينة مرزق التي كانت تحت سيطرة الجيش.
وارتكبت "مليشيات حماية الجنوب" عددا من الجرائم المسلحة في مدينة "مرزق" و"سبها" و"غدوة" وغيرها من المدن منذ إعلان الجيش الليبي إطلاق عملية "طوفان الكرامة" لتحرير العاصمة طرابلس في 4 أبريل/نيسان الماضي من المليشيات كنوع من تخفيف الضغط على المليشيات المتحالفة معها بعد اشتداد ضربات الجيش الليبي.
وتتحالف هذه الميليشيا مع عصابات المعارضة التشادية التي تعمل على تغيير الخارطة الديموغرافية للجنوب بالتعاون مع التبو الليبيين.وكانت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الليبي،أكدت في وقت سابق في بيان لها أن "التصرفات غير المسؤولة لحكومة الوفاق ومن ذلك استعانتها بمجموعات مسلحة من خارج ليبيا أفعالًا تهدد النسيج الاجتماعي في مدينة مرزق وتنذر بانفجار الأوضاع في الجنوب بصفة عامة".
ومدينة مرزق التي يقطنها 50 ألف ساكن أغلبهم من التبو تشتهر بقلعتها التاريخية التي شيدت قبل أكثر من سبعة قرون، وهي عبارة عن واحة في جنوب غرب ليبيا تبعد نحو 900 كلم جنوب طرابلس. وتقع المدينة في موقع جغرافي هام، مما جعلها موطن التقاء القوافل التجارية القادمة من أفريقيا حتى سواحل البحر المتوسط قديما، وأيضا نقطة وصل بين الغرب والشرق في شمال أفريقيا، كما ازدهرت الحضارة في مرزق بسبب كثرة مياهها الجوفية.
ونفذ تنظيم داعش في مايو الماضي هجوما على معسكر تدريب تابع للجيش في مدينة سبها جنوب البلاد.ووجه الجيش الليبي حينئذ اتهامات لحسن موسى الذي يسيطر حاليا على مدينة مرزق بتنفيذ الهجوم مدعوما بالمعارضة التشادية ووصفه هو ومقاتليه بالإرهابيين.وسارع حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لتنظيم الإخوان المسلمين في ليبيا حينئذ إلى توظيف هجوم داعش لفتح جبهة جديدة في الجنوب. ودعا الحزب المجلس الرئاسي إلى الإسراع في بسط سيطرته على المنطقة الجنوبية، على خلفية هجوم لتنظيم داعش الإرهابي، في ما بدا تحريضا على شن حرب ضد الجيش في الجنوب.
واعتبرت الحكومة المؤقتة حينئذ أن "الهجوم الغادر والجبان أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الحشد الميليشياوي الإرهابي الذي تقاتله القوات المسلحة الآن في طرابلس وضواحيها يضم في صفوفه عناصر تنظيم داعش الإرهابي وما إشادة عدد من الميليشيات وقادتها بهذا الهجوم إلا خير دليل على ذلك".
ودأبت العصابات التشادية منذ سنوات على شن هجمات جنوبي ليبيا، في ظل الانفلات الأمني وعدم ضبط الحدود منذ عام 2011. وعقدت هذه العصابات تحالفات مع تنظيم القاعدة الإرهابي وجماعات تهريب البشر في الجنوب الليبي، وشاركت في الهجوم على الحقول والموانئ النفطية.وتؤوي ليبيا كثيراً من الفصائل التشادية المتمردة التي تمارس الخطف والنهب والتهريب. وحذرت تقارير سابقة من أن مئات المقاتلين من تشاد وإقليم دارفور السوداني يؤججون الاضطرابات في ليبيا ويحاربون لحساب فصائل متناحرة ويسعون إلى تشكيل حركات تمرد ويمارسون قطع الطرق وتهريب السلاح.
وشن الجيش الليبي منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي عمليات عسكرية لتحرير العاصمة الليبية،والتي تأتي بحسب مراقبين بسبب استمرار مشهد الانفلات الامني وسيطرة الميليشيات المسلحة على مؤسسات الدولة، وضعف حكومة الوفاق وتعويلها على هذه الميليشيات.ويأمل االليبيون في انتهاء نفوذ المجموعات المسلحة وارساء سلطة موحدة في البلاد قادرة على مواجهة التحديات القائمة أمنيا واقتصاديا.