مازالت ملامح الغزو التركي السافر تلقي بظلالها البغيضة على الساحة الليبية، فبعد أن كشفت معركة تحرير طرابلس التي أطلقها الجيش الوطني الليبي منذ الرابع من أبريل الماضي، عن حجم انخراط أنقرة في الصراع وذلك من خلال دعمها للمليشيات المسلحة الموالية لها، تزايدت المحاولات من طرف حكومة الوفاق وتيار الاسلام السياسي المسيطر عليها لشرعنة الغزو التركي على حساب دماء الليبيين.

ففي مشهد جديد ومكرر في الآن ذاته، استهدف وابل من القذائف منطقة شارع الزاوية ومحيط مستشفى طرابلس المركزي ومنطقة طريق السور وشارع الجمهورية والمناطق المجاورة، ما أدي إلى سقوط عدد من الضحايا في صفوف المدنيين، وفق ما أوردت تقارير اعلامية نقلا عن مصادر طبية في العاصمة الليبية.

وكالعادة سارعت حكومة الوفاق لتوجيه أصابع الاتهام للجيش الليبي، عقب الحادث مباشرة دون تحقيقات وكان الاتهام جاهز منذ البداية.وزعم وزير داخلية الوفاق فتحي باشاغا، في بيان، أن الجيش الليبي، قام بقصف عشوائي استهدف مستشفى طرابلس المركزي بشارع الزاوية، وهو ما أدى إلى تضرر مباني بالمستشفى، لافتا إلى أن هذا القصف تعرض لمنطقة سيدي خليفة وطريق السور مخلفًا عدد من الإصابات بين المدنيين وتضرر منزل عائلة الهوني بطريق السور، على حد زعمه.



وواصل باشاغا في بيانه، مدينًا ما أسماه "جرائم" في حق سكان طرابلس، من خلال استهداف الأحياء السكنية والمرافق العامة، معتبرًا أن ذلك الأمر دليلًا على "وحشية" قوات الجيش وتدمير البنية التحتية للعاصمة طرابلس، مؤكدًا على أن هذه الأفعال "الإجرامية" جاءت بحسب زعمه نتيجة للهزائم التي تعرضت لها بمحاور القتال، التي جعلتها تقوم بما اسماه "العمليات الإنتقامية" من سكان طرابلس، بحسب ادعائه.

وفي المقابل،نفى المتحدث الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الليبي، اللواء أحمد المسماري، في تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، تنفيذ الجيش لأي عمليات قصف في منطقة شارع الزاوية ‏ومحيط مستشفى طرابلس المركزي ومنطقة طريق السور وشارع الجمهورية ‏والمناطق المجاورة وفق ما تم تداوله في بعض وسائل الإعلام".

وشدد على أن "هدف ‏هذه السياسة القذرة التي باتت تنتهجها المليشيات مؤخرا بالتنسيق مع المخابرات ‏التركية من خلال تعمد استهداف المدنيين في مناطق مدنية مأهولة وبعيدة عن أي ‏مرافق عسكرية باتت مفضوحة لاستجداء تدخل عسكري أكبر من سيدهم ‏(الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان ومنحه مبررا للتدخل بحجة حماية المدنيين"، وفق قوله.

وأكد المتحدث باسم القيادة العامة للجيش الليبي،"الهدف من هذه العمليات أيضا محاولة تأليب الشارع ‏في طرابلس ضد الجيش الوطني الليبي، واستقطاب عدد أكبر من ‏المقاتلين بسبب عزوف شباب العاصمة عن القتال مع المليشيات وفرار وموت عدد ‏كبير من المليشيات السورية وامتناع عدد آخر عن التوجه من شمال سوريا إلى ليبيا.

وبين اتهام الوفاق ونفي الجيش الليبي،يمكن ملاحظة نقاط بارزة في الحادث.فحديث باشاغا عن هزائم الجيش الوطني الليبي لا تبدو منطقية فعلى الأرض يبدو الوضع مختلفا تماما فقوات الوفاق بدعم من مرتزقة تركيا وضباطها وطائراتها المسيرة تحطمت أكثر من مرة على أسوار قاعدة عقبة ابن نافع العسكرية وقبل ذلك تلقت صفعات متتالية على أطراف مدينة ترهونة كما أنها تعاني في أغلب المحاور في العاصمة حيث يتقدم الجيش الليبي يوميا مخلفا خسائر كبيرة في صفوف المليشيات والمرتزقة.

النقطة الثانية أن اتهام الجيش الليبي للمليشيات باستهداف المدنيين لتأليب الرأي العام على الجيش وتشويهه ليس بجديد،فللمليشيات تاريخ كبير في استهداف المدنيين منذ سنوات حيث ارتكبت مجازر عدة في حق المواطنين، لعل أشهرها مجزرة غرغور التي ارتكبتها مليشيات مصراتة ضد أهالي طرابلس يوم 15 نوفمبر2013 وراح ضحيتها 49 شهيدا وأكثر من 450 جريحا.

النقطة الثالثة أن عمليات استهداف المدنيين يعقبها دائما تجند سريع لوسائل الاعلام الموالية لحكومة الوفاق والتابعة لجماعة "الاخوان" حيث تسارع الى نقل الأحداث والتقارير وتلفيقها على غرار نقل قناة الجزيرة الذراع الاعلامي للمحور التركي القطري،ما قالت انه سقوط 14 قتيلا في القصف الأخير في حين أن صحة الوفاق تحدثت عن 14 جريحا. 

وتذكر هذه الحادثة بحوادث سابقة على غرار استهداف الكلية الحربية في العاصمة الليبية طرابلس،في يناير الماضي،ما أسفر عن سقوط عدد من الضحايا من طلبة الكلية العسكرية بين قتيل وجريح،واتهمت  حينها حكومة الوفاق وحليفها تركيا الجيش الليبي بالعملية الذي طالب حينها بتحقيق دولي لكشف ملابسات الحادث فسكتت حكومة السراج وحلفائها وبدا واضحا من يقف خلف الهجوم.

وتزداد الصورة وضوحا مع التصريحات التي أعقبت الحادث والتي تشير الى المخطط التركي بتواطئ من حكومة الوفاق.فالمحلل السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو،المقرب من حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم،أكد أن الحكومة التركية عازمة على إنشاء قاعدة عسكرية تركية في ليبيا، وإذا ما اضطر الأمر سيكون هناك دعم مطلق ومفاجأت من العيار الثقيل، بحسب كلامه.

من جهة أخرى بدأت تركيا خطواتها لتوسيع مصالحها تحت عباءة الوفاق حيث قدمت شركة البترول التركية "تباو"، طلبا إلى حكومة فايز السراج في العاصمة الليبية طرابلس وذلك للحصول على إذن بالتنقيب في شرق البحر المتوسط، وفق ما ذكرت وكالة أنباء الأناضول التركية.ونقلت الوكالة عن وزير الطاقة التركي فاتح دونماز قوله، إن أعمال الاستكشاف ستبدأ "فور الانتهاء من العملية.

والاثنين الماضي أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أغرق ليبيا بالسلاح وآلاف المرتزقة من الفصائل السورية الموالية لتركيا، أن بلاده ستواصل "الدفاع بكل حزم عن حقوقها ومصالحها في شرق المتوسط وقبرص وبحر إيجة".وكان أردوغان يشير إلى عمليات الاستكشافات النفطية والغازية المثيرة للجدل والتي ندد بها الاتحاد الأوروبي ودول عربية.

ويتخذ أردوغان من حكومة الوفاق ستارا لتحركاته في المنطقة وسط رفض وغضب اقليمي كبير،وأدانت كل من الإمارات ومصر واليونان وقبرص وفرنسا بشدة التدخل العسكري التركي في ليبيا، ودعت في بيان مشترك منذ أيام تركيا إلى احترام القرار الأممي الذي يحظر السلاح على ليبيا. وطالبت أيضا أنقرة بوقف إرسال المقاتلين الأجانب (المرتزقة) من سوريا إلى ليبيا، معتبرة أن ذلك يشكل تهديدا لاستقرار دول الجوار الليبي في أفريقيا وأيضا في أوروبا.

وعبرت تلك الدول عن قلقها العميق من استمرار التصعيد العسكري في ليبيا، وشددت على أن مذكرة التفاهم الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني المتعلقة بترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط تنتهك الحقوق السيادية للدول المعنية ولا تتفق مع قانون البحار ولا يمكن أن تترتب عليها أي آثار قانونية تخص الدول الثالث.كما نددت الدول الخمس بالتحركات التركية غير القانونية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لجمهورية قبرص ومياهها الإقليمية باعتبارها انتهاكا صريحا للقانون الدولي.

ونجح الرئيس التركي في تطويع حكومة الوفاق الغاضعة لجماعة الإخوان وباتت هذه الحكومة رهينة للنظام التركي الذي أصبح الحاكم الفعلي في طرابلس.ولا تملك حكومة السراج أن ترفض عدم الترخيص لشركة تباو التركية خشية أن تفقد الدعم العسكري على الرغم من وجود قناعة بأن الاتفاقات التي وقعتها مع أردوغان تخدم مصالح تركيا أكثر مما تخدم مصالح ليبيا.

تشير الكثير من التطورات على الأرض أن حكومة الوفاق وحلفائها يحاولون المتاجرة بدماء الليبيين ففي الوقت الذي يتباكون على ما يدعون انه استهداف من قبل الجيش الليبي للمواطنين الأبرياء،يصمتون أو يبررون جرائم الطيران المسير التركي في حق المدنيين آخرها استهداف عربة زراعية لأحد المواطنين بالقرب من منطقة الشويرف، وقُتل على إثرها مدنيان اثنان كانا ينقلان المواشي،وفق ما نقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن الضابط في الجيش الليبي عبدالسلام الرابطي.


يركز الطيران المسير التركي في غاراته المتكررة، على الأهداف المدنية بشكل كبير، وذلك باستهداف سيارات ومنازل ومحطات الوقود وشحنات المساعدات الانسانية.وأعلنت منظمة الصحة العالمية في ليبيا،الثلاثاء، عن تعرض شحنات إمدادات طبية لمدينة ترهونة وبني وليد الشهر الماضي للقصف من قبل طائرات مسيرة تركية.

والأسبوع الماضي، قتلت الطائرات التركية المسيرة 4 أشقاء من عائلة واحدة (شغيلة) بمنطقة سوق الجمعة بترهونة بعد استهداف منزلهم.واستهدفت الطائرات التركية المسيرة، مطلع أبريل/نيسان الماضي داخل مدينة ترهونة، شحنات طبية لمواجهة فيروس كورونا كانت موجهة لها من شرق ليبيا.

كما استهدف الطيران التركي المسير منزل أحد المواطنين الليبيين المدنيين بمنطقة اشميخ وسط البلاد في الطريق المؤدي إلى ترهونة وبني وليد.وتحاول المليشيات الإرهابية تركيع وعقاب ترهونة المؤيدة للجيش الوطني الليبي، وذلك بقطع المياه والكهرباء ومنع وصول الدعم الطبي والغذائي لها واستهداف المدنيين ومنازل السكان.

وارتكبت تركيا جملة من الجرائم منذ تدخلها في المعركة في طرابلس خاصة على يد الطيران التركي المسير والمرتزقة السوريي، راح ضحيتها عدد من المواطنين المدنيين، في قصف المدنيين في ترهونة وبني وليد قصر بن غشير، وضرب قوافل السلع الغذائية في مدينة الإصابعة وبني وليد، وقوافل الوقود المتجهة إلى المواطنين المدنيين.كل هذا تحت أعين حكومة الوفاق التي باتت تدار من أسطنبول.