البيان الذي أصدرته سفارات غربية حول تونس يوم الجمعة، كانت فيه رسائل سياسية واضحة تعبر عن القلق من الوضع السياسي الذي لا أفق واضحا لحله في الوقت الراهن، وقد حاول الرئيس التونسي قيس سعيّد الردّ عليه بطريقته في الخطاب الأخير عندما تحدّث عن سيادة بلاده التي لا مساومة فيها. لكن البيان الذي صاغته دول الولايات المتحدة وفرنسا وكندا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة ، كان إشارة للحالة الاقتصادية التي تعيشها البلاد منذ سنوات، وزادت تعقيدا مع الأزمة السياسية وتهرب المانحين الدوليين من أي وعود قد تخفف من حدتها خاصة أن البلاد أمام ميزانية جديدة تحتاج تعبئة شاملة في ظل النقص الذي يقارب 5 مليار  دولار.
لم يعد خاف على المتابع أن تونس تعيش هذه الفترة على وقع أزمة اقتصادية غير مسبوقة. قد يكون تجنيا ربط الأزمة مع الإجراءات التي اتخذها الرئيس سعيّد في 25 يوليو الماضي، لأن الحكومة التي سبقت كانت بدورها في حالة عجز أمام المؤشرات السلبية التي تصدر داخليا وخارجيا، وعجزت معها على التعامل مع الوضعية في علاقة بالمانحين الدوليين، الذين أصبحوا يتعاملون مع تونس بطريقة فيها الكثير من الحذر وخاصة الكثير من الشروط التي لم تقدر الدولة على تلبيتها. لكن الثابت أن الأشهر الأخيرة، بما فيها التي سبقت يوليو، تعتبر حرجة في ظل تواصل ارتفاع نسبة التضخم والمديونية والبطالة في مقابل طلبات تحتاج توفير اعتمادات لا يُعرف من أين ستتصرف الدولة في توفيرها.
وفي تقرير لموقع "دوتش فيلي" الألماني تمت الإشارة إلى أن حجم الديون وصل درجة أصبحت الدولة معها عاجزة عن "دفع الأقساط والفوائد دون الحصول على قروض جديدة من صندوق النقد الدولي.... ويتعين على البلاد هذه السنة تسديد ما يزيد على 4.5 مليار دولار لخدمة الديون والحصول على نحو 6 مليارات دولار أخرى لتمويل الموازنة وسد العجز فيها".
التقرير أشار إلى أن الدين الخارجي وصل "نحو 30 مليار يورو أي ما يزيد على 100 بالمائة من الناتج المحلي"، ما يهدد الدولة بالإفلاس، الأمر الذي يعقّد إمكانيات التفاوض مع صندوق النقد الدولي، الذي أصبحت تونس في العشرية الأخيرة أكثر الدول طرقا لأبوابه. وإن تعامل بليونة في السنوات الأولى التي أعقبت العام 2010، لكنها بعد ذلك أصبح يفرض شروطا في علاقة بالتوظيف في الوظائف الحكومية وتحديد سقف الرواتب وهو ما لم تف به كل الحكومات المتعاقبة التي وجدت نفسها في مواجهة فشلها السياسي وضغط النقابات العمالية وضغط الشارع، حيث كانت أغلب الجهات ساحات للاحتجاج والغضب على عدم توفر موطن شغل خاصة من خريجي الجامعات الذي تتجاوز سنوات بطالتهم العشر سنوات.
مظهر آخر من مظاهر الأزمة الاقتصادية في تونس، هو الأنباء عن طباعة الأوراق النقدية لأجل توفير مرتبات موظفي الدولة، وهذه أخطر عملية تهدد الاقتصاد باعتبار تأثيراتها على قيمة العملة وعلى ارتفاع تكلفة العيش لدى المواطنين. وعلى الرغم من أن المركزي التونسي نفى القيام بهذا الإجراء، معتبرا أن توفر السيولة كان عبر عمليات خلاص تقوم بها وزارة المالية بصفة دورية، وأبرزها تسديد رقاع الخزينة التي حلت اجالها، إلا أن الخبير الاقتصادي التونسي عزالدين سعيدان قال في تصريحات محلية إنه تمت طباعة الأوراق النقدية لأجور الوظيفة العمومية لأشهر جويلية وأوت وسبتمبر، “مشيرا إلى أنه "في حال كانت كمية النقود أكبر من حجم الاقتصاد سينتج ... تضخم يصل ليكون جامحا، وفي حال كانت كمية النقود أقل من الاقتصاد سينتج ... ركود”.
ووسط الحديث عن الأزمة الاقتصادية  تبقى حاجة تونس للاقتراض الخارجي ثابتة ولا بديل عنها لتغطية العديد من الاحتياجات. وقد بدأ المسؤولون التونسيون منذ أشهر في التفاوض مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض بقيمة كبرى، لكن في ظل الأزمة السياسية وضبابيتها، وعدم وجود ضمانات اقتصادية، أصبح المانحون يتهربون من التجاوب مع الطلبات التونسية، فاقتصر الأمر على مساعدات شكلية من دول وهيئات، ودعوات داخلية خاصة للمؤسسات المالية الكبرى من أجل توفير سيولة تغطي جزءا من النقص الكبير في احتياجات الدولة.
والمؤسسات المالية الدولية المقرضة، حتى لو تجاوبت فإن ذلك يكون عبر شروط، وقد عددها صندون النقد الدولي منذ سنوات، وهي أن تبدأ الحكومة في إصلاحات عميقة تشمل "تقليص دعم السلع الأساسية وتخفيض الإنفاق على الأجور في القطاع الحكومي وبيع أسهم وحصص الدولة في مؤسسات القطاع العام وإعادة هيكلة هذا الأخير"، بما معناه التوجه نحو الخوصصة والتخلي عن بعض المؤسسات الحكومية الكبرى لفائدة القطاع الخاص الذي يبقى دائما الرابح الأكبر من أزمات القطاع العام.
ووسط كل هذا الحديث يبقى التساؤل قائما لدى التونسيين عن قدرة المسؤولين؛ أولا عن توزيع أي قرض مستقبلي بشكل يوفر لها حلولا تغطي المصاريف وخاصة ميزانية الدولة، وثانيا قدرتهم على الإيفاء بالشروط التي تفرضها الجهات المقرضة خاصة صندوق النقد الدولي الذي يبقى الشر الذي لا مهرب منه، بسبب فرض الشروط على الدول المقترضة، وتعامله الصعب مع الطلبات المقدّمة.