على وقع تصاعد وتيرة التوتر واستمرار مسلسل الخلافات بين الاطراف السياسية ما جعل الشارع الليبي يتحرك في احتجاجات عارمة تنديدا بالاوضاع الصعبة التي يعيشها المواطن منذ سنوات،طفت على السطح مبادرات من عدة أطراف في محاولة لاختراق جدار الازمة والخروج من مازق الانسداد السياسي الذي جعل البلاد على صفيح ساخن.

إلى ذلك،تقدم سيف الإسلام القذافي، المرشح للانتخابات الرئاسية الليبية،الثلاثاء الماضي، بمبادرة ترمي إلى كسر الجمود حول الانتخابات المتعثرة منذ اشهر.ودعا سيف الإسلام في ثاني مبادرة يقدمها لحل الأزمة، الشخصيات الليبية إلى الانسحاب من الساحة السياسية الليبية، بمن فيهم هو نفسه.

وتتألف مبادرة القذافي الإبن،من خيارين أولها وضع جهة محايدة لعمل ترتيبات انتخابات بلا إقصاء وتشير إلى أن هذا الخيار بعيد الاحتمال حاليا.والخيار الثاني عن طريق تأجيل الانتخابات الرئاسية وإجراء الانتخابات البرلمانية بدون تأخير، ودعوة جميع المرشحين وهو أولهم إلى الانسحاب من الترشح والتوافق على شخصية وطنية تقود البلاد في الفترة الانتقالية.

وأكد سيف الاسلام، بأن ليبيا في حالة استثنائية حرجة ويجب أن تتم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وهذا هو الحل الأخير لحقن الدماء.واتهم جهات وصفها بالخارجية بالعمل على تعطيل العملية السياسية في ليبيا قائلا:"تم وأد هذا الحل السلمي بتدخلات خارجية وداخليّة كما هو معروف للجميع وتم إجهاض العملية الانتخابية برمتها الأمر الذي أدى إلى تدهور أوضاع البلاد والعباد حتى وصلت الأمور لما هي عليه الآن وهو أمر لا يخفى عن العيان".

وأشاد عضو المجلس الأعلى للدولة،بلقاسم قزيط،بمبادرة سيف الاسلام، واصفا اياها بأنها "مبادرة  تستحق التقدير وتنم عن روح  وطنية ورغبة صادقة في عبور  ليبيا أزمتها".وأضاف قزيط في تصريح لـ"بوابة أفريقيا الإخبارية"، قائلاً "ونتمنى أن  تحتذى (هذه المبادرة) من قبل باقي المرشحين الجدليين الذين  عطلوا مسيرة الانتخابات" وفق تعبيره.

 وتأتي مبادرة سيف الاسلام تزامنا مع مبادرة أخرى أعلن عنها المجلس الرئاسي الليبي،الذي أعلن،الثلاثاء، عن خطة لمعالجة حالة الانسداد السياسي في البلاد، قال إنها "تتوافق مع المطالب الشعبية" وتقوم على إنهاء المراحل الانتقالية عبر إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.وأوضح في بيان له أنه "أجرى عدداً من الاجتماعات بين أعضائه بالخصوص وخلصت إلى التوافق حول إطار عام لخطة عمل تعالج الانسداد السياسي في البلاد.

وأشار المجلس الى أنه "تم تكليف عبدالله اللافي النائب بالمجلس الرئاسي بإجراء المشاورات العاجلة مع الأطراف السياسية لتحقيق التوافق على تفاصيل الخطة الجديدة وإطلاقها فيما بعد في شكل خارطة طريق واضحة المسارات والمعالم، تُنهي المراحل الانتقالية، عبر الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في إطار زمني محدد، وتدفع في اتجاه توافق وطني حول مشروع التغيير، الذي يعزز الثقة بين الأطراف السياسية كافةً".

المبادرات السياسية تأتي على وقع استياء شعبي غير مسبوق حيث تشهد ليبيا احتجاجات في أغلب المدن وذلك عقب فشل اجتماع بين رئيس البرلمان عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري في جنيف السويسرية في وقت سابق برعاية أممية في التوصل لتفاهمات حول القاعدة الدستورية التي ستجرى على أساسها الانتخابات الليبية.

وتفاقم الانقسام في ليبيا مع وجود حكومتين متنافستين، الأولى في طرابلس وجاءت وفق اتفاق سياسي قبل عام ونصف العام برئاسة عبدالحميد الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة إلا إلى حكومة منتخبة، والثانية برئاسة فتحي باشاغا عينها البرلمان في فبراير/شباط الماضي ومنحها الثقة في الشهر التالي (مارس)، وتتخذ من سرت في وسط البلاد مقرا مؤقتا لها، بعد منعها من دخول طرابلس رغم محاولتها ذلك.

وتعاني ليبيا من ترد كبير على مستوى الخدمات، على رأسها قطاع الكهرباء التي تفاقمت منذ أسبوعين بعد دخول فصل الصيف وانقطاع التيار الكهربائي على المواطنين، لمدة وصلت لأكثر من 12 ساعة يوميًا.وأقر رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبد الحميد الدبيبة،بفشل حكومته في معالجة أزمة الكهرباء وقال إنها اتخذت قرارات خاطئة في إدارة الأزمة، معتبرا أنّ المشكلة تحتاج وقتا أكثر مما كان يعتقد.

كما تعاني ليبيا من أزمات في الغذاء والسيولة وارتفاع الاسعار وتضخم ناجم عن عوامل عدة أهمها الانقسام السياسي والفساد،ناهيك عن انتشار المليشيات واستمرار التدخلات الخارجية وعلى راسها التدخل التركي الذي مازال يصر على تأزيم الاوضاع في البلاد حيث مدد البرلمان التركي منذ أسابيع قليلة مهام القوات التركية في ليبيا 18 شهرا،ضاربا عرض الحائط الدعوات المحلية والدولية لانهاء الوجود الاجنبي في البلاد.

وتعكس الاحتجاجات الشعبية في ليبيا، الإحباط المتزايد لدى الليبيين من الفصائل التي يدور بينها الاقتتال منذ سنوات في شرق البلاد وغربها، فضلا عن الانقسام السياسي الذي تجدد قبل أشهر، وقسم السلطة إلى حكومتين متنافستين، لاسيما بعد انهيار الانتخابات الليبية التي كانت مقررة في ديسمبر الماضي.

عاشت ليبيا منذ العام 2011،وضعا صعبا على جميع الأصعدة سياسيا وعسكريا واقتصاديا،ورغم التطورات التي شهدتها في الفترة الماضية والتوافقات التي حصلت فان الخلافات السياسية مازالت تعيق الحل الشامل.ويرى مراقبون،أن نجاح المبادرات السياسية رهين توافق الاطراف وقبولهم بنتائجها كما أن انهاء التدخلات الخارجية بات ضروريا لاخراج من البلاد من أزماتها وتحقيق مطالب المواطنين واحتواء الغضب الشعبي المتزايد.