تعد ألمانيا ثاني أكبر بلد مضيف للقوات الأمريكية في العالم بعد اليابان، وعلى أراضيها كانت تتمركز النسبة العظمى من 300 ألف جندي أمريكي يتواجدون في أوروبا الغربية إبان ذروة التصعيد في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق والذي أدى انهياره لاحقا الى خفض عدد القوات الأمريكية العاملة على الأراضي الأوروبية وفق الترتيبات الدفاعية المقررة لحلف شمال الأطلنطي "ناتو"، فضلا عن ذلك تستضيف مدينة شتوتجارت الألمانية مقر القيادة الأفريقية للقوات المسلحة الأمريكية ، حيث لا تزال تلك هي القيادة الامريكية الوحيدة التي تعنى بإقليم معين في العالم ولا تتواجد على أراضي احدى بلدانه.

وبرغم ان عدد القوات الامريكية المتمركزة في ألمانيا لا يتعدى 35 الفا في الوقت الراهن، فقد اظهر استطلاع للرأي اجرته احدى أكبر المؤسسات الاعلامية الالمانية / المؤسسة الالمانية للأنباء / ان 42 في المائة ممن شملهم الاستطلاع يرغب في رؤية القوات الامريكية خارج الأراضي الألمانية في مقابل موافقة 37 في المائة على بقاء تلك القوات، فيما لم يقرر 21 في المائة موقفا حاسما تجاه هذا الأمر.

وأشار استطلاع الرأي الى ان نسبة 75 في المائة من العينة التي تم سؤالها من الالمان رفضت الانصياع لرغبة ادارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشركاء واشنطن في حلف شمال الأطلنطي / ناتو / بزيادة انفاقهم الدفاعي في موازنات دولهم الى ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي الناتج المحلى الإجمالي لكل بلد عضو في الناتو وبما يخفف فاتورة الاعتماد الأوروبي على الولايات المتحدة في الانفاق الدفاعي للحلف بشكل عام. 

كما رفض 35 في المائة من الألمان ممن شملهم الاستطلاع قيام ألمانيا بزيادة اعتمادات الانفاق الدفاعي الى نسبة 5ر1 في المائة من الناتج المحلى الإجمالي وهي النسبة التي تسعى الحكومة الألمانية للوصول اليها بحلول العام 2025.

وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد انتقد مواقف ألمانيا وغيرها من حلفاء الأطلنطي لرفضهم الاستجابة لطلبه بزيادة استثماراتهم وانفاقهم الدفاعي في المستقبل، وجاءت انتقادات ترامب لشركائه في الناتو خلال قمتهم الاخيرة التي استضافتها بروكسل نهاية العام الماضي وهي القمة التي كشف الرئيس الأمريكي خلالها بوضوح عن انزعاجه من إلقاء الاوروبيين اعباء التمويل الدفاعي الاكبر لحلف الناتو على كاهل دافع الضرائب الأمريكي وحده.

وفى مطلع العام الجاري، نشرت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية – التي يعتبرها المراقبون لسان حال الادارة الامريكية – سلسلة من التقارير الإخبارية حول توجه ادارة ترامب للقيام بعملية انسحاب جريء وواسع النطاق للجزء الاكبر من القوات الامريكية المتواجدة على الأراضي الألمانية ضمن ترتيبات الدفاع لحلف شمال الأطلنطي ونقل بعض من تلك القوات الى مراكز جديدة في بولندا ، وفى المقابل ترى وزارة الدفاع الامريكية ان استمرار بقاء القوات الأمريكية وفق تمركزاتها الحالية في ألمانيا هو أمر ضروري برغم ارتفاع كلفته حيث تخدم هذه القوات عمليات النقل الخاص بعمليات القوات الامريكية في افريقيا والشرق الأوسط وتشكل محورا عملياتيا ولوجيستيا لا غنى عنه .

من جانبه، يرى نيك ويتني المدير السابق لوكالة دفاع الاتحاد الأوروبي انه من المتوقع استمرار ضغوط الرئيس الأمريكي على قادة الدول الشريكة للولايات المتحدة في حلف شمال الأطلنطي لحملهم على زيادة انفاقهم الدفاعي.

ويقول ويتني ان استمرار هذا المسلك الأمريكي الضاغط قد يدفع حلفاء الناتو الأوروبيين الى تعزيز روابطهم الدفاعية الجماعية في إطار الاتحاد الأوروبي بصورة تفوق روابطهم الدفاعية التي لا تزال قاصرة وبصورة حصرية في الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة. مشيرا الى انه في حالة اتجاه قادة بلدان اوروبا صوب هذا المنحى، فإن الولايات المتحدة ستكون هي الخاسر الأكبر لصفقات بيع السلاح لحلفاء واشنطن على الشاطئ الآخر للأطلسي.