تمكنت ليبيا خلال فترة الثمانينات وعقب انتهاء فترة الحصار الاقتصادي الذي فرض عليها من توفير مبالغ مالية ضخمة تقدر بمليارات الدولارات، في عدة دول كاستثمارات وودائع نقدية، كانت تدر عوائد مالية سنوية كبيرة تساهم في تمويل الميزانية العامة للدولة، إضافة لتنمية نشاطات المؤسسات المشرفة على هذه الأموال والأصول، إلا أن هذه الأموال كانت الهدف الأول الذي طالته قرارات مجلس الأمن 1970،1973 في مارس 2011 عقب اندلاع أحداث فبراير، حيث تم تجميدها تحت ذريعة أنها تعود للنظام، بل تم تمرير مصطلح "أموال القذافي" إشارة إلى الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، لتبرير قرار تجميدها في صورة فرض عقوبات دولية، على الرغم من أن هذه الأموال ملك للشعب الليبي وتديرها مؤسسات الدولة الليبية المتخصصة مثل مؤسسة الاستثمارات الخارجية وما يتبعها من شركات ومؤسسات تنتشر في كل قارات العالم، والودائع النقدية في كبرى المصارف الدولية.

ماهية الأموال المجمدة

وعن حجم الاستثمارات والأموال الليبية بالخارج يقول الاقتصادي الليبي سليمان الشحومي،  "الغطاء الذي يجمع جميع الاستثمارات الليبية بالخارج والداخل هي المؤسسة الليبية للاستثمار والتي تسمي (LAI) والتي تقدر قيمة اصولها بمبلغ 64 مليار دولار ويتبعها حوالي 550 شركة وتشمل أرصدة نقدية مجمدة تشكل حوالي 50% من قيمة الأصول والباقي موجود في شكل استثمارات طويلة الأمد في عدد من المؤسسات الليبية ويأتي 50% من هذه الاستثمارات في شكل صناديق ومحافظ استثمارية تابعة للشركة الليبية للاستثمارات الخارجية (LAFICO) والتي تقوم بالاستثمار في مختلف المجالات وهي أقدم المؤسسات الاستثمارية خارج ليبيا، والمحفظة الاستثمارية الليبية الأفريقية (LAP)، والمحفظة الاستثمارية طويلة المد  (LTP)، وشركة الاستثمارات النقطية (OilInvest)، والصندوق الليبي للاستثمار الداخلي والتطوير (LLIDF) ، ام النصف الاخر فتديره المؤسسة بنفسها وهو عبارة عن ارصدة نقدية و ودائع لدي بنوك اجنبية واستثمارات في سندات وأدوات استثمارية ذات عوائد ثابتة، والذي تواجه المؤسسة الليبية للاستثمار صعوبات في إدارة هذه الأرصدة بسب استمرار الحظر الدولي عليها. 

وتشمل الاحتياطيات والأصول بالخارج مخزونات المصرف الليبي الخارجي وتقدر بنحو 22.5 مليار دولار، وبحساب بسيط فان ليبيا لديها استثمارات واحتياطيات تقدر بحوالي 170 مليار دولاربنهاية عام 2014 والتي كانت تقدر بحوالي 197 مليار في نهاية عام 2013 ."

على الرغم من أن لجنة العقوبات الدولية المختصة بليبيا أصرت على استمرار العقوبات وتجديد قرار تجميد الأموال الليبية إلا أنها لم تسلم من التصرف فيها وفقا لتقارير، واعترافات بعض الدول التي أقرت بتحويل مبالغ كبيرة من فوائد الأصول المجمدة معتمدة في ذلك على الاختلاف في تفسير بنود قرارات العقوبات، حيث اتجهت إلى السماح بالتصرف في عوائد الأموال المجمدة والإبقاء على المبالغ الأصلية تحت طائلة العقوبات، ولعل ما أقرت به الحكوم البلجيكية أخيرا واعترافها بتحويل أموال من عوائد الأموال الليبية المجمدة في بنوكها، ولعل ما أثار موجة من الجدل هو المصير المجهول لتلك الأموال المحولة والجهات المستفيدة منها، والاشتباه في ان تكون صرفت لمصلحة مجموعات مسلحة وفقا لتقارير متطابقة.

الأخطار المحدقة داخليا وخارجيا

في ظل الوضع السياسي الهش، وضعف قدرة الأجهزة الرقابية، أصبحت الأموال الليبية المجمدة في الخارج عرضة للتلاعب والاستهلاك نتيجة استهداف من عدة أطراف محلية وخارجية، جعل مصيرها مجهول، حيث كشف تقرير لجنة مجلس الأمن الدولي المعنية بالشأن الليبي، عن تفاصيل تؤكد أن هذه الأموال تعرضت لحالة تأكل وإضمحلال دون معرفة المسؤولين عن التصرف فيها، حيث وأوضح التقرير أن الرئيس التنفيذي للمؤسسة الليبية للاستثمار الأسبق حسن بوهادي، أعلن أن للمؤسسة أصولا مجمدة تبلغ قيمتها 65 مليار دولار، إلا أن الفريق تأكد إثر المشاورات التي أجراها مع عدد من الدول الأعضاء، ومديري الأموال، والموظفين السابقين في المؤسسة الليبية للاستثمار ورئيسها التنفيذي الحالي من أن مبلغ 67 مليار دولار يمثل مجموع أصول المؤسسة، بما في ذلك أصول الشركات التابعة لها، ويقر رئيس مجلس إدارة المؤسسة بأن هذا المبلغ جرى تقييمه في عام 2012، وأنه من الصعب تقييمه في الحالة الراهنة، وفي الواقع كان الفريق قد أفاد بأن مجموع الأصول كان يبلغ 56 بليون دولار، فيما أقرت المؤسسة الليبية للاستثمار، أخيرا  للفريق بأن الأصول المجمدة لا تتجاوز 43 مليار دولار، ويثير تضارب قيم هذه الأموال شكوك حول مصيرها وحقيقة التصرف فيها بالمخالفة للعقوبات الدولية.

وكانت الأصوال والأموال الليبية في الخارج تعرضت للتصرف فيها من قبل أشخاص غير مخولين بذلك خلال سنة 2012 ‘ عندما قامت السلطات المؤقتة بتشكيل لجان بحجة البحث عن الأموال الليبية بالخارج وتحصيلها مقابل عمولات، بدعوى أنها أموال مهربة،وهو ما ترتب عليه بيع العديد من الأصول الثابتة والمنقولة بأسعار تقل بشكل كبير عن قيمها السوقية الحقيقية في عدة دول لا سيما الدول الأفريقية.

ونشرت وكالة رويترز الإخبارية تقريرا بعنوا حقائق الأموال الليبية المجمدة والمفرج عنها، فصلت فيه المبالغ التي قدرتها بنحو 150 مليار دولار، والتي تم التصرف فيها من قبل بعض الدول، خلال فترة الأحداث التي شهدتها ليبيا سنة 2011 على الرغم من قرار التجميد، حيث أوضح التقرير أن:

- وزارة الخارجية الامريكية أعلنت أن مبلغ 1.5 مليار دولار أفرج عنه لسداد قيمة المساعدات الانسانية التي قدمتها وكالات الأمم المتحدة وللاستخدامات المدنية للطاقة والصحة والتعليم والغذاء.

- بريطانيا أعلنت في أواخر أغسطس 2011 أن الأمم المتحدة وافقت على طلبها الافراج عن 1.55 مليار دولار من الأموال الليبية المجمدة لديها.

- أفرجت ايطاليا عن 350 مليون يورو من الاموال الليبية المجمدة في البنوك الايطالية، وكانت خطوة أولى لحقت بها خطوات أخرى.

على الرغم من غياب الدقة في تقديرات الأصول والأموال الليبية بالخارج، وما أكتنف التعامل معها من شكوك يبقى الثابت أن ما تتعرض له هذه الأموال لا يمكن إلا أن يكون تهديد حقيقي لمصيرها المجهول، ومؤشر كاشف للأهداف الحقيقية التي دعت لتجميدها.