أتيح لي قراءة كتاب مهم يتناول حياة وجهاد مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر، كتاب ثري جدا بالمعلومات ومزدان بالكثير من الصوّر والخرائط، يحمل عنوان: "عبد القادر الكفاح والتسامح"؛ استطاع مؤلفه يحيى بلعسكري، الوصول إلى الأرشيف الفرنسي، والاطلاع على عدد معتبر من الكتب التي تناولت حياة الأمير؛ وهو ما يوضحه في مقدمة الكتاب: "حاولت في هذا الكتاب أن أقدم قراءة ذاتية ، تستند على حقائق تاريخية مؤكدة ومسجلة ويمكن التحقق منها. من خلال بحثي و تنقيبي في الأرشيف المتواجد في Château de Vincennes و Aix-en-Provence ، واطلاعي على عدد معتبر من الكتب والوثائق المذكورة في الملحق".

للإشارة الكاتب والإعلامي يحيى بلعسكري وهو من مواليد مدينة وهران سنة 1952، يقيم حاليا في فرنسا، عمل في كبرى المحطات الإذاعية الفرنسية، وكتب عددا من الأعمال الروائية والمجموعات القصصية توّج بعضها بجوائز أدبية. ورغم مكانته الأدبية وقيمة أعماله ، لكنه يبدو مجهولا في الوسط الأدبي الجزائري.

اختار كعتبة نصية، اقتباسا قاله الأمير يحمل الكثير من المعاني والدلالات: "لا تسأل أبدا عن أصل إنسان ما، بل اسأل عن حياته، عن أعماله، عن شجاعته، عن أخلاقه، ستعرف من هو على حقيقته، إذا كان الماء الذي يسيل في النهر صافيا نقيا وعذبا فاعلم أنه ينبع من عين صافية".

يقول يحيى بلعسكري "في الواقع لم يكن الأمير مهيّئا لخوض الحرب، ولم يكن يعرف سوى تعاليم الزاوية، وكانت هوايته الوحيدة هي ركوب الخيل؛ سرعان ما أصبح سلطانًا يحكم سكان جزء من التراب الجزائري. كان رجلا تقيا، كذلك كان والده، صار قائد حرب متمرّس، استخدم كل مكونات حرب العصابات قبل أن يتم تنظيرها، استطاع أن يضع أسس إدارة وجيش، كما عمل على توحيد كل القبائل الجزائرية وقيادتها إلى الحرية. كما تمكن بفضل بصيرته وذكائه، من وضع هياكل - ما نسميه اليوم مؤسسات - ليمنح نفسه كل سمات السيادة. هكذا أنشأ ورشات لتصنيع الأسلحة النارية والبارود في معسكر ومليانة وتلمسان. كما قام بصك النقود - المحمدية – وكانت متداولة في كل مكان بما في ذلك المملكة المغربية. أصبح جيشه منظما، في منح الرتب والشارات والمكافآت والعقوبات. في المناطق التي كان يسيطر عليها ، كان خلفاؤه (القادة العسكريون) يسيّرون شؤون السكان وينظمون المقاومة.

كان ثاقب البصيرة ومستنيرًا ، فقد أقام علاقات دبلوماسية مع الإنجليز والإسبان ، وأرسل ممثلين وقناصل في كل مكان لشرح حربه ضد فرنسا. جذبت كاريزمته العديد من الأوروبيين والفرنسيين والإسبان. البعض عمل لديه، والبعض الآخر اهتم بتعليمه ، وجميعهم كانوا يكنّون له التقدير والاحترام