كثّفت القوات المسلحة المصرية عملياتها النوعية خلال الأيام الماضية، للتصدي للتغير التكتيكي في أساليب الجماعات الإرهابية في سيناء وقطع طرق إمدادات السلاح والمتطرفين الأجانب ومحاصرة العناصر الهاربة وسط السكان والدروب الجبلية، بعد أن تأكدت أن الإرهابيين يتخذون سكانا محليين كدروع بشرية تقيهم من ضربات الأمن.

وبدأت قوات الجيش المصري الأربعاء الماضي، إخلاء الشريط الحدودي بين رفح وقطاع غزة، والذي يمتد بطول 14 كيلومترا، تبدأ من ساحل البحر الأبيض المتوسط شرقا، وحتى معبر كرم أبو سالم غربا، وبعمق حوالي 500 متر، وهو العمق الذي تقع داخله بعض المنشآت العمرانية، تليها مساحات جبلية تمثل مراعي أغنام للسكان البدو، بعمق يصل إلى 50 كيلومترا حتى بداية العمران، بمدينة الشيخ زويد والقرى المحيطة بها، التي شهدت في الآونة الأخيرة اشتباكات عنيفة.

الإخلاء يرمي إلى إزالة المنازل والمزارع بالشريط الحدودي، للحيلولة دون إخفاء فتحات الأنفاق التي تربط قطاع غزة بالأنفاق التي يستخدمها مهربو السلع والسلاح والأشخاص، لتصبح منطقة منبسطة، تسهل السيطرة عليها ورصد أي هدف متحرك.

الكثافة السكانية في المنطقة الحدودية، من الساحل ومرورا ببوابة صلاح الدين وحتى معبر رفح الحدودي بعرض كيلومترين، يقطن بها قرابة 1200 نسمة، في نحو 850 منزلا، بينها عدد متعدد الطوابق، ويعتمد سكان تلك المنطقة على التجارة المحيطة بالمعبر.

الأمن وشيوخ القبائل

خلال عملية الإخلاء قام الجيش بتدمير منازل ملاصقة للحدود، وكان بعضها شهد انهيارات أرضية بسبب هدم الأنفاق، بالقرب من بوابة صلاح الدين. وقال مصدر بدوي من قاطني المنطقة الحدودية لـ”العرب” إن “السلطات المصرية شكّلت لجنة، لتوفير مساكن بديلة بمدينة العريش وصرف تعويضات مالية مناسبة".

أوضح المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، “ليس لأهالي سيناء أي علاقة بالعملية الإرهابية الأخيرة التي أودت بحياة 33 شهيدا من رجال القوات المسلحة، ولم يتورط أحد من أهالي رفح والشيخ زويد في الجريمة”، مضيفا: “كان هناك تقصير أمني، بدليل استهداف كمين الريسة 36 مرة، دون القبض على الجناة، الذين جاء أغلبهم من محافظات الوادي، وعناصر أجنبية دخلت سيناء، وعدد منهم جاء من أفغانستان وباكستان”.

واستطرد المصدر البدوي، قائلا: “هدم الأنفاق، وإخلاء المنطقة الحدودية، جزء من الحل لتأمين الحدود، لكنه ليس العلاج الكلي، فطرق التهريب التي يأتي منها أفارقة، يباعون ويشترون، ويدخل بعضهم إسرائيل، نفسها الطرق التي تنجح قيادات إرهابية أجنبية في الدخول عبرها لسيناء، إلى جانب ما يمكن أن يهرب من غزة وإليها عبر بعض الإنفاق”.

وحذر المصدر من خطورة إخلاء المنطقة الحدودية بشكل دائم مطالبا أن يكون الإخلاء بصورة مؤقتة لحين القضاء على الإرهاب، حتى لا تنفّذ مصر بيدها مخططا تريده إسرائيل والمخابرات الأميركية، حيث سعت عدة جهات مرارا وتكرارا لتتخذ حماس من جزء من سيناء بديلا، إلى جانب مصلحتها في إخلاء المنطقة الحدودية لتكون مكشوفة، في وقت يمكن أن يكون غرس شجرة على الحدود، أهم من وضع الدبابة، لخلق مقاومة شعبية متقدمة في حال محاولة الاعتداء على الأرض المصرية، منوها إلى أن هدف بعض القوى الإقليمية زعزعة الاستقرار في سيناء لمنع التنمية، وتهجير سكانها.

خبراء عسكريون ومتهمون

سامح سيف اليزل، رئيس مركز الجمهورية للدراسات السياسية والإستراتيجية، قال لـ”العرب” إن “الحكومة لن تمرر استشهاد جنود الوطن في سيناء دون عقاب رادع للجناة والممولين في تلك العملية الإرهابية البشعة التي وقعت مؤخرا في سيناء”. وأضاف أن القيادة السياسية تحافظ وتحمي الشعب والوطن، مشيرا إلى أنه سيتم إنشاء سور في شمال سيناء بمواصفات خاصة ضمن خطة القضاء على الإرهاب.

وأوضح سيف اليزل أن الجيش المصري يستطيع التخلص من تلك الجماعات، لكن العائق الوحيد أمام جنود القوات المسلحة الذي يجعلهم لا يستطيعون التعامل مع الإرهابيين بالشكل المناسب أنهم يختبئون وسط الأهالي، والجيش يحاول الحفاظ على أرواح الأبرياء في سيناء، متهما جماعة الإخوان المسلمين بأنها تقف وراء معظم العمليات الإرهابية التي تحدث في مصر منذ 30 يونيو 2013، قائلا: “إنهم يحتفلون بسقوط شهداء الواجب الوطني في سيناء، وينتظرون سقوط مصر”. وأوضح أن هناك دولا وجماعات وأفرادا من الخارج تمول الإرهابيين بأموال طائلة.

في ذات السياق، قال حسن نجيب، الأمين العام لجمعية مستثمري سيناء، وأحد سكان مدينة العريش، إن “الجميع متفهم طبيعة المعركة مع الإرهاب، ونتحمل نحن أهالي سيناء الإجراءات الاستثنائية من أجل الوطن، لكن ما يشعرنا بالألم، حديث بعض ممن يطلقون على أنفسهم خبراء عسكريين واستراتيجيين، ويطل معظمهم علينا عبر “برامج التولك شو” في الفضائيات، موجهين لأهالي سيناء اتهامات تشي بالتعاون مع الإرهاب، وبعضهم قال لأهالي رفح والشيخ زويد “ارحلوا”، وجرى توجيه اتهامات لكل من يتمسك بأرضه أو يبحث عن حل مرض، بأنه من مهربي الأنفاق والسلاح”.

وأوضح المهندس حسن نجيب أن الأهالي في رفح استسلموا للأمر والواقع، وبدأت العائلات تخلي منازلها، وقال إنه تحدث مع أصدقاء له بقرية المهدية والشيخ زويد، وهي المناطق الأكثر سخونة في الاشتباكات، وطرح عليهم سؤالا لماذا لا ترحلون من منازلكم لأماكن أكثر أمنا في العريش؟ فكان ردهم، أن منهم من يملك 50 رأس ماشية وأرضا زراعية ومزارع زيتون، كيف له وهو البدوي الذي اعتاد الحياة في الأرض الرحبة، أن يهجر ويعيش بين أربعة جدران في شقة بإحدى عمارات العريش، وأين يضع رؤوس ماشيته، ومن أين يقتات من كان يمتهن الزراعة والتجارة؟

وحول إمكانية توفير أراض بديلة، قال نجيب: “الطبيعة البدوية في سيناء تجعل من كل قبيلة ذات سيطرة على نطاق جغرافي، وهناك مساحات شاسعة من الصحراء تمثل مراع خاصة بها، ودخول أبناء قبيلة أخرى في نطاق مراعيها قد يفضى إلى صراع قبلي يؤثر مستقبلا على النسيج المجتمعي، ومن ثمة المواطن السيناوي بالشيخ زويد يخشى إخلاء منزله ومزرعته دون وعد من الحكومة بمدى زمني للعودة، ويخشى أن يهجر ويمنع من العودة لأرضه بعد أن تهدأ الأوضاع، لذلك على الحكومة أن تحدد مدى زمنيا لعودة الأهالي وأن توفر لهم استضافة لدى القبائل الأخرى وأن تمنحهم مرتبات شهرية، تمكنهم من الإيفاء باحتياجاتهم المعيشية”.

هدم الأنفاق وإخلاء المنطقة الحدودية جزء من الحل لتأمين الحدود وليس العلاج الكلي

حلول متكاملة

شدد المهندس نجيب على أن مواطني العريش سارعوا إلى دعم الجيش، ووقف الأهالي في طوابير أمام المستشفى العام للتبرع بالدماء، لكن المواطن البسيط يشعر بالأسى، وبدأ يتأقلم مع الوضع الجديد والإجراءات الاستثنائية، داعيا أن تتولى مهمة مواجهة الإرهاب في سيناء قوات من الصاعقة والمظلات والرجال المدربين على المهام الخاصة، وليس مجندين عاديين.

نوه نجيب إلى أهمية تعاون أهالي سيناء وشيوخ القبائل مع قوات الجيش والشرطة، بكل ما يملكون، لدرجة أن حوالي 63 شيخ قبيلة اضطروا إلى هجر سيناء، بعد أن نشر إرهابيون قائمة بأسمائهم، وهددوا بقتلهم لتعاونهم مع أجهزة الدولة.

وعن متطلبات المواجهة، قال: “تجفيف منابع الاستقطاب يكون بتوفير فرص عمل للشباب وحياة كريمة ومياه لري الأراضي وبنية أساسية للتنمية وسرعة احتواء المواطنين الذين تضرروا من الاستهداف الخاطئ خلال مكافحة الإرهاب، كمن يهدم منزله بسبب هدم الأنفاق، أو يقتل أحد أفراد أسرته بالخطأ، وهناك نسبة خطأ معروفة في أي عمل بشري، رغم مراعاة الجيش للدقة، لتفادي إصابة أبرياء، والتباطؤ في علاج تلك الحالات قد يسمح للمتطرفين باستغلالها، واستقطاب الأهالي فكريا، وإثارة غضبهم ضد الدولة”.

بخصوص هذا الموضوع، قال فؤاد علام، رئيس جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق، إن هناك مقترحا تقدمت به للحكومة المصرية لتأمين الحدود مع غزة، يراه الأفضل والأقل تكلفة دون إثارة مشكلات اجتماعية في سيناء بالتهجير، بأن تحفر قناة بالجانب المصري ملتصقة بالحدود مع رفح، بعمق 12 مترا وعرض 5 أمتار فقط، وتغمر بالمياه من البحر الأبيض المتوسط ومثل هذه القناة في أرض رملية ستعوق بناء أي أنفاق من غزة لمصر وتكلفتها لا تتجاوز ثمن مدرعة من تلك التي استهدفها الإرهابيون، وبالتالي لن يتطلب الأمر إخلاء المنطقة لأكثر من 200 متر، بمحيط القناة، وبطول الـ14 كيلومترا الحدودية”.

*نقلا عن العرب اللندنية