تعيش العاصمة الليبية طرابلس حالة من عدم الاستقرار، حيث تدور بين الحين والآخر أعمال عنف واشتباكات بين المليشيات من أجل السيطرة على الأرض أو تحقيق بعض المكاسب الاقتصادية والعسكرية وهو المناخ المناسب الذي تحبذه كل التنظيمات المتطرفة لأنه يساعدها على البقاء والنشاط بعيدا عن أي مراقبة.

ويؤكد الكثيرون أن العناصر الإرهابية تستغل حالة اللصراع المسلح في العاصمة الليبية طرابلس وتجدد الاشتباكات الدامية بين الميليشيات،للتغلغل في مناطق وأحياء من العاصمة،بهدف البحث عن الفرصة المناسبة لتنفيذ عمليات إرهابية تستهدف منشآت حيوية وتوقع خسائر كبيرة وتبث البلبلة في البلاد بما يحقق مكاسب هامة للتنظيمات الإرهابية.


** هجوم جديد

إلى ذلك،تعرض مقر المؤسسة الوطنية للنفط بالعاصمة الليبية طرابلس، لهجوم مسلح، أسفر عن وقوع عدد من الضحايا، وذكرت مصادر أمنية ليبية، أن قوات الأمن حاصرت المقر الذي تعرض لبعض الأضرار جراء الهجوم، فيما أفاد مصدر من هيئة السلامة الوطنية الليبية، بأن فرقًا من الهيئة توجهت إلى المكان لإخماد الحريق الذي شب في جزء من المقر.

وذكرت مصادر أمنية بوزارة الداخلية لوكالة الأنباء الليبية، أن قوات الأمن تبادلت إطلاق النار مع المهاجمين الذين أطلقوا أعيرة نارية ومتفجرات وقنابل يدوية في محيط مقر المؤسسة.وقال موظف في المؤسسة لرويترز، بعد أن قفز من نافذة للفرار، إن ثلاثة أو خمسة مسلحين كانوا يطلقون النار داخل المبنى وإن عددا من الأشخاص أصيبوا بطلقات نارية.

وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط،في بيان لها،أن مسلحين مجهولون هاجوا "مقر المؤسسة الوطنية بطرابلس حوالي الساعة 9 صباح يوم الاثنين الموافق 10 سبتمبر 2018" الأمر الذي أدى إلى وقوع "عدد من الانفجارات داخل المبنى وإطلاق نار كثيف، كما تم احتجاز عدد من الموظفين مؤقتا كرهائن إلى حين وصول قوات الأمن لتحرر من كان في الداخل".وأوضحت المؤسسة أن الهجوم أدى إلى مقتل شخصين اثنين من موظفي المؤسسة كما جرح 10 أفراد وتم نقلهم للمستشفيات لتلقي العلاج.

وكان رئيس المؤسسة الليبية للنفط، مصطفى صنع الله، قد أعلن أنه تم تحرير كافة المحتجزين، وهو من ضمنهم، من مقر المؤسسة بطرابلس بعد هجوم مسلح خلف قتلى وجرحى.ونقلت مصادر اعلامية عن صنع الله قوله: "كنت داخل المؤسسة وسمعت دوي انفجارين"، واصفا الهجوم بأنه كان عنيفا وخلف عددا من القتلى والجرحى.كما ذكر صنع الله أنه "تم إجلاء جميع موظفي المؤسسة الوطنية من المبنى".


** داعش يخترق الهدنة

ويأتي هذا الهجوم بعد أيام قليلة من هدنة طرابلس لوقف إطلاق النار المبرمة في 4 من سبتمبر الجاري، حيث عقد غسان سلامة رئيس البعثة الأممية اجتماعًا، في مدينة الزاوية غرب العاصمة طرابلس، مع ممثلين عن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، التي يترأسها فائز السراج، ووزير الداخلية وضباط عسكريين وقادة المجموعات المسلحة المختلفة الموجودة في طرابلس وما حولها لمناقشة الوضع الأمني في العاصمة.

وتتجه أصابع الإتهام نحو تنظيم "داعش"،بتنفيذ الهجوم الإرهابي على مقر المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس،وهو ما أكدته قوة "الردع" الخاصة، الموجودة في طرابلس،التي قالت في منشور عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك": "هجوم إرهابي من داعش يستهدف المؤسسة الوطنية للنفط".وأضافت: "العثور على أشلاء الانتحاريين، بعضهم سمر البشرة حتى اللحظة"، مشيرة إلى "إخلاء مبنى المؤسسة من الموظفين والمدنيين".

ومن جهته، قال زير الداخلية المفوض، العميد عبدالسلام عاشور،في تصريح إلى عدد من وسائل الإعلام، إن المؤشرات الأولية تفيد بأن المجموعة المسلحة التي اقتحمت مقر مؤسسة النفط تنتمي لتنظيم "داعش"، مشيرًا إلى أن "عددهم ستة أشخاص من ذوي البشرة السمراء".حسب ما نشرت الصفحة الرسمية للوزارة على فيسبوك.

وشهدت العاصمة الليبية خلال الأيام الماضية،توترا أمنيا في ظل الإشتباكات العنيفة بين الميليشيات المسلحة،ورغم التوصل لإتفاق وقف إطلاق النار،فإن الأوضاع الأمنية في طرابلس مازالت متردية،ولم يخفي الكثيرون خشيتهم من إمكانية تغلغل التنظيمات الإرهابية داخل المدينة واستئناف عملياتها القتالية.

وفي هذا السياق،قال المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في بيان له،أن "الإرهابيين وجدوا في ما شهدته العاصمة طرابلس من اشتباكات واقتتال بين الأخوة الفرصة المواتية، للتسلل وتنفيذ جريمتهم، في وقت كان علينا توحيد صفوفنا؛ لضرب واقتلاع هذا السرطان من أرضنا".مؤكدا أن الأجهزة الأمنية المختصة بدأت تحقيقاتها المكثفة، لمعرفة أبعاد وهوية المنفذين والواقفين وراء الاعتداء.

وكان المبعوث الأممي إلى ليبيا الدكتور غسان سلامة،حذر في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي بخصوص الأوضاع في ليبيا،من "الخطر الحقيقي" من أن يسمح استمرار "الفوضى الأمنية" في العاصمة بتحوّل ليبيا إلى "ملاذ للإرهابيين".وأقّر سلامة بأن بعثة الأمم المتحدة توسطت لوقف النار بين الأطراف الرئيسية في النزاع، وهو ما ساهم في استعادة بعض النظام في المدينة، إلا أنه شدد على أن "هناك حاجة مُلّحة إلى إنشاء مؤسسات مدنية وعسكرية قوية وموحدة، تعمل لصالح جميع المواطنين من أجل استعادة الاستقرار في ليبيا.


** ليست الأولى

ويعتبر هذا الهجوم الإرهابي على مؤسسة النفط،مماثلا لهجوم شنه "داعش"،على مقر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بغوط الشعال،بالعاصمة الليبية طرابلس، مطلع مايو الماضي،وذلك في أعقاب الاتفاق على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية منتصف ديسمبر المقبل.

وجاء في تقرير وزعته وكالة أنباء "أعماق" التابعة للتنظيم الإرهابي:"هاجم أبو أيوب وأبو توفيق مقر المفوضية العليا للانتخابات الليبية في طرابلس، ونجحا في تفجير حزامين ناسفين ارتدياه داخله".فيما أعلن مسؤولون أمنيون أن الانتحارييْن أرديا بالرصاص عنصرَي أمن عند بوابة المقر، ثم اقتحماه وهما يصيحان "الله أكبر"، وفجرا نفسيهما داخله، ما أدى إلى اندلاع حريق في جزء من مكاتبه استغرق إخماده ساعات.

وأسفر الهجوم حينها عن سقوط عدد كبير من الضحايا بين قتيل وجريح وتسبب في إحداث دمار كبير في مقر المفوضية بحسب ما نقلت وسائل الإعلام.وتعهد فائز السراج رئيس حكومة الوفاق في طرابلس بأن المتورطين في الهجوم الإرهابي "لن يفلتوا من العقاب ولن يجدوا مكانا آمنا في ليبيا"، معتبرا أن "هذه العملية الإرهابية محاولة يائسة لتعطيل المسار الديمقراطي وإجهاض التجربة في مهدها".

وفي أغسطس الماضي،تبنى تنظيم داعش،الهجوم الانتحاري الذي استهدف، بوابة وادي كعام الفاصلة بين مدينتي زليتن والخمس شرق العاصمة الليبية طرابلس.ووصف تنظيم داعش، في بيان له نشره عبر وكالة "أعماق" الذراع الإعلامية للتنظيم، جنود البوابة الأمنية بـ"الطواغيت التابعين لحكومة الوفاق المرتدة"، مشيرًا إلى أنه أدى إلى مقتل سبعة منهم وجرح عشرة آخرين، حسب تعبيره.

وجاء تبني "داعش" للهجوم، بعد إعلان وزير الداخلية بحكومة الوفاق الوطني الليبية، العميد عبدالسلام عاشور،أن الأجهزة الأمنية قبضت على كل منفذي هجوم بوابة وادي كعام، مؤكدًا أنهم سيحالون إلى النائب العام وستعلن ملابسات القضية فور الانتهاء من التحقيقات معهم.

ويربط الكثير من المراقبين بين الهجمات الإرهابية الأخيرة وبين الظهور الأخير لزعيم تنظيم داعش أبوبكر البغدادي،والذي دعا خلاله عناصر التنظيم إلى هجمات مضاعفة في ليبيا ودول أخرى.ودعا مقاتلي التنظيم وأنصارَه إلى الاستمرار في القتال، في الوقت الذي يعيش فيه داعش أسوأ أيامه مع تقلص مناطق احتلاله في سوريا والعراق.

وفقد تنظيم داعش العديد من عناصره وخاصة قياداته خلال معاركه في سرت  ضد قوات "البنيان المرصوص" التي استمرت حوالي سبعة أشهر،ومعاركه في بنغازي ودرنة ومناطق أخرى ضد الجيش الوطني الليبي،لكنه مع ذلك لم يعلن عن استسلامه، ومن خلال تصريحات زعمائه يبدو أن هذا التنظيم لا يزال موجودا بقوة في ليبيا ويريد إلى الواجهة.