مع الثورة الرقمية التي شهدها العالم أثبتت الأبحاث أن الإنسان يمضي أكثر من سبع ساعات في تصفّح المواقع الرقميّة ووسائل التواصل الاجتماعي خلال اليوم، ما جعل الإعلام الرقمي بجميع أشكاله يمثل أهمية "قصوى" في حياة الفرد والمجتمع، وفي حياة المنتج للمادة الرقمية والمتلقي لها. فهذه البيانات الرقمية في الأساس باتت جزءا لا يتجزأ ليس فقط من الإعلام وتداول المعلومة بل من المجتمع في حدّ ذاته حيث يمكن للجميع أن يمارس هذا النمط الإعلامي الجديد لكن يبقى المستخدم الأكاديمي أكثر مصداقية وتمكنا من تداول المعلومة ونشرها.

سيطر الإعلام الرقمي بقوة على السوق الإعلامية ما ساهم في  تحوّل معظم الصحف العالمية من صحف ورقية إلى صحف الكترونية كما باتت معظم المحطات التلفزية والمحطات الإذاعية بل وأغلبها في مختلف دول العالم تعتمد على مواقع إلكترونية وصفحات رسمية بمواقع التواصل الاجتماعي بصورة غير مسبوقة لم تستثنى منها الدول المغاربية التي ما فتئت تواكب التطورات الرقمية رغم ضعف الإمكانيات وبات الإعلام الرقمي مادة تدرس في الجامعات العالمية وبعض الجامعات العربية وباتت الدورات التكوينية في هذا المجال متاحة بمقابل ومجانا على الانترنت .

كما في دول العالم يلعب الإعلام الرقمي في الدول المغاربية دورا مهما في طرح القضايا على الرأي العام الذي بات يستطيع النفاذ إلى المعلومة في كل وقت وفي أي مكان من خلال جهازه المحمول سواء كان حاسوبا أو هاتفا جوالا فلم تعد المعلومة تتطلب ذلك المجهود الكبير من السعي خلفها بل أصبحت متاحة بقرصة زرّ. فحسب المحللين لم يتأخر المغرب العربي عن مواكبة التطورات الرقمية الإلكترونية المتسارعة رغم بعض العقبات.


أكدت شبكة الصحفيين الدوليين"ijnet  " أن الشباب المغاربي كان سبّاقا وعلى قدر رهانات التطور التكنولوجي والرقمي  حيث واكب منذ انتشار الموجة الرقمية كل التطورات ووضع بصمته في الإعلام الرقمي القائم أساسا على سرعة تداول الخبر من خلال شبكات التواصل الاجتماعي العديدة وحسن صياغتها استجابة لشفرات الشبكة العنكبوتية معتمدين في ذلك على أسسها من صوت وصورة وبيانات.

تقول شبكة الصحفيين الدوليين في هذا السياق  أن الإعلام الرقمي لعب دورا أساسيا في الدول العربية التي خاضت الثورات والإنتكاسات خاصة في دول المغرب العربي. حيث تميز الشباب المغاربي  الذي قدم العديد من المبادرات في مجال الإعلام الرقمي  وتوصل للفوز في أكثر من مسابقة دولية، واليوم تجذب هذه المنصات أو المحطات مئات وبعضها الآخر آلاف من المتابعين يوميا. بل واقتحم الصحفي وصانع المحتوى المغاربي المجال الرقمي بقوة من خلال المنصات والصفحات والمواقع الإعلامية والإذاعات وكل أشكال الإعلام الرقمي.

فقد أصبح الإعلام الرقمي وسيلة جديدة تستهوي الشباب المغاربي لما توفره من فرص في حرية التعبير والقدرة على التواصل والانتشار عالميا دون مقابل فقط بتقديم محتوى ناجح ومطلوب من مستخدمي الشبكة العنكبوتية فخرج الشباب بذلك المشهد الإعلامي الذي تحتكر فيه الدولة وسائل الإعلام المرئية والإذاعية وتستغل فيه وسائل الإعلام الخاصة عنصر الربح التجاري لفرض رؤيتها وتصوراتها.

إنتشرت الإذاعات الرقمية الخاصة والفردية حتى في الدول المغاربية بكثرة وانطلقت المبادرات الشبابية لتحتل مكانة بارزة في العالم العربي والعالمي كذلك صناعة المحتوى وتطوير الصورة والفيديوهات وهو ما دفع وسائل الإعلام الكبرى إلى الإستعانة بهذه الكفاءات للانتشار ونشر المعلومة ليصبح الفضاء الرقمي أكثر مردودية حيث يحقق منه الكثيرون أرباحا طائلة.

الإعلام الرقمي في دول المغرب العربي الوسيلة الأولى للتعبير عن الحريات |  شبكة الصحفيين الدوليين

من جهة أخرى يفيد الخبراء والمراقبون أن العقبة الأكثر تأثيرا على التطور الرقمي ومزيد تكوين خبرات في هذا المجال مغاربيّا هو الدعم الحكومي والإمكانيات المالية المحدودة المرصودة لهذا المجال في معظم دول المغرب العربي رغم كونه رهانا عالميا يتصل بكل أسس التنمية الاقتصادية والمجتمعية. كما يرجع الخبراء التأخر النسبي للإعلام الرقمي بالبلدان العربية عامة والمغاربية خاصة إلى الرقابة الإلكترونية التي تفرضها بعض الوكالات الحكومية على المواقع أو الصفحات وتساهم في حجبها وتعطيلها أحيانا حيث لم يخرج الإعلام الرقمي كما الإعلام التقليدي إلى حد الآن من جلباب المراقبة والتدخلات الحكومية في البلدان المغاربية حسب الخبراء والمحللين.

بحسب دراسة لمجموعة العمل الإقليمية الخاصة بالاعلام الرقمي بالاتحاد الدولي للصحفيين 2020 تناولت الإطار التشريعي والتنظيمي قطاع الاعلام الرقمي في العالم العربي والشرق الأوسط، فقد أحدثت الثورة التكنولوجية طفرة نوعية في المغرب ،وأظهرت إحصاءات أجريت في 2019 أن 22 مليون مغربي يستخدمون الشبكة العنكبوتية ،وقد يكون هذا العدد قد وصل اليوم الى 25 مليونا ينشطون يوميا على صفحات المواقع الالكترونية، وعليه تشهد السوق المغربية انفتاحا واضحا في توسع الإعلام الرقمي ،بحيث يعمل نحو 900 مشروع صحفي مرخص بحسب وزارة الاتصال  .

على صعيد التشريعات ليس في المغرب قانون خاص يحكم الإعلام الرقمي ،إنما يخضع هذا القطاع لقانون الإعلام الصادر عام 2016 المتعلق بالصحافة والنشر بشكل عام. وتنص المادة 21 منه على التصريح بالنشر لأي صحيفة الكترونية قبل 30 يوما من انطلاقها ووفق آلية محددة .ويعاقب القانون بغرامة تتراوح بين الفين وعشرة آلاف درهم على أي موقع يصدر من دون ترخيص وفقا للمادة 24 من القانون. وبالنسبة لحرية الرأي والتعبير احتل المغرب الموقع 135 من أصل 180 في مؤشر حرية الصحافة بحسب منظمة "مراسلون بلا حدود". ويتولى المجلس الوطني للصحافة مهمة التنظيم الذاتي للمهنة بشكل عام. يبقى أن الاعلام الرقمي في المغرب يواجه تحديات عدة منها التكنولوجي وتطوير المحتوى واستجلاب المعلنين فضلا عن ضرورة التأهيل المستمر لتطوير هذا القطاع.

  أما في تونس وحسب ذات الدراسة فإثر الثورة التونسية في العام 2011 ، شهد الإعلام في تونس تغييرات جذريّة،حيث غاب المحتوى الذي . وظهرت للغاية، ويحاكي خط الدولة، وأصبح يقدم إنتاجا متنّوعا كان في السابق على نسق واحد، ومقيدا كما تحولت وسائل الإعلام التونسية من مواقع إخبارية الى مواقع الالكترونية للإعلام التقليدي بجميع قطاعاته المرئية والمسموعة والمكتوبة. لكن التحول الرقمي لم ينتج قانونا خاصا بالإعلام الرقمي الذي ما زال يخضع لمقتضيات المرسوم 115 الذي ينظم مهنة الصحافة في تونس .

   وتسعى النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين إلى تطوير المرسوم 115، وجعله قانونا أساسيا ينظم مهنة الصحافة في تونس وتلافي النقص التشريعي الخاص بالإعلام الرقمي.

 أما  في موريتانيا فيحكم قانون النشر، الاعلام الرقمي والمواقع الالكترونية ،فيما استحدث في العام 2020، قانون عرف بقانون "التلاعب بالمعلومات لمكافحة الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي". ويطبق هذا القانون على وسائل التواصل الاجتماعي أيضا، و قد صدرت قبل أشهرأحكام على المدونين بالسجن ما اعتبره الصحفيون حدا من حرية التعبير. بالنسبة لقانون النشر فقد رحبت به جميع النقابات والهيئات الصحفية حيث يلغي سجن الصحفيين.

وتسمح نقابة الصحافيين في موريتانيا للعاملين في الإعلام الرقمي بالانتساب اليها،وتعتبرهم جزءا لا يتجزأ من القطاع الصحفي. وعليه تتولى النقابة والهيئات الصحفية الدفاع عن الناشطين و الصحفيين المعروفين ،وكثيرا ما تصدر بيانات للتنديد بتوقيف الصحفيين، وأحيانا تدخل في وساطات لحل الإشكالات التي تهدد الصحفيين.

ويحظى الاعلام الرقمي في موريتانيا بحضور بارز ،حيث يسيطر على الساحة الإعلامية ،وبات لكل وكالة أو صحيفة موقعا الكترونيا ومنصات على وسائل التواصل الاجتماعي ،بحيث باتت هذه الوسائل المزود الأساسي لوسائل الاعلام التقليدية بالأخبار . هذا الواقع أدى الى استحداث وتوفير فرص عمل مهمة للمصورين و الفنيين ،بينما حّول بعض الصحفيين أنفسهم إلى منتجين للأخبار بهذه الطريقة.  

  وشأن معظم الدول انعكس الإعلام الرقمي سلبا على الصحافة المكتوبة، وقد أدى التطور التكنولوجي والانتشار الكبير لمواقع التواصل الاجتماعي إلى غلق العديد من الصحف المكتوبة التي توقفت عن الصدور نظرا لارتفاع تكلفة الانتاج مقارنة بالإعلام الرقمي ،وغياب الدعم المالي وتوجه المستثمرين نحو الوسائل الالكترونية التي تضمن الوصول إلى أكثر عدد ممكن من الجماهير.

لكن الإعلام الرقمي ساهم في خلق وظائف جديدة على غرار صناع المحتوى والمحررين لمواقع الويب التابعة للإذاعات والتلفزات الخاصة والعمومية ، وبعض الصحف المكتوبة التي تحولت الكترونية ورقمية خاصة ،وللصحفيين العاملين في مجال صحافة التحري عبر المنصات المتعددة إضافة إلى خلق مواطن شغل للمصورين الصحفيين.

يقف الإعلام الرقمي المغاربي على أعتاب ثورة حقيقية في المعايير وإيلاء هذا المجال الأهمية التي يستحقها برصد ميزانيات هامة لدعمه وتطويره وتكوين مختصين فيه لما أصبح يحتله في العالم الذي بات يصير نحو رقمنة كل المعاملات اليومية حتى البسيطة منها فعلى سبيل المثال مازالت الدول المغاربية عاجزة عن التواصل مع الأسواق الرقمية وتطوير المعاملات بالعملات الرقمية وهو ما يطرح تساؤولات كثيرة في زمن التكنولوجيا والرقميات.لذلك بات من الضروري تحقيق صحوة نوعية في الإعلام الرقمي المغاربي لمساهمته الهامة والفعالة في كل مجالات التنمية والتطور الاقتصادي والمجتمعي والتواصل والتفاعل الدولي.