في الوقت الذي تتواصل فيه الجهود المحلية والدولية للتوصل الى تسوية شاملة في ليبيا تنهي سنوات من الصراعات والانقسامات التي وصلت بالبلاد الى منعطفات خطيرة،فان هذه المساعي تصطدم  بالأوضاع الأمنية المتردية وخاصة في المنطقة الغربية حيث تسيطر المليشيات المسلحة على العاصمة وتهدد بافشال أي جهود لارساء سلطة موحدة تنهي الفوضي.
تعيش العاصمة الليبية منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي على وقع اشتباكات عنيفة بين الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق وذلك في أعقاب اطلاق الأول لعملية عسكرية بهدف انهاء نفوذ المليشيات المسلحة واستعادة مؤسسات الدولة.واستمر القتال طيلة الأشهر الماضية دون حسم من الطرفين الى حين التوصل الى هدنة هشة أعقبها اجتماع برلين الذي دعا الى ضرورة وقف التدخلات الخارجية التي تؤجج الصراع في البلاد.
ولئن مثلت الجهود الولية الأخيرة بحسب الكثيرين نقطة يمكن البناء عليها لانهاء الصراع الليبي،فان وجود المليشيات المسلحة مازال يمثل عقبة أمام الالتزام بأي مسارات للحل في البلاد.وفي هذا السياق،أكد وزير خارجية الحكومة الليبية عبد الهادي الحويج، اليوم الإثنين، أن "أي حل للأزمة الليبية يجب أن يقوم على تفكيك المليشيات"، مشيرا إلى أن الأزمة الليبية أمنية وليست سياسية.
ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن الحويج قوله،"رأينا لقاء باريس 1 وباريس2، ولقاء أبوظبي، والصخيرات وباليرمو، هذه اللقاءات لم تنجح والأزمة مستمرة، لأنها لم تعالج المشكلة الأساسية المشكلة ليست سياسية وإنما أمنية، المشكلة ليست من يحكم، المشكلة في تفكيك المليشيات وعدم التوزيع العادل للثورة، إذا حللنا هذه المسائل يمكن أن نذهب إلى حوار وطني شامل وحكومة وحدة وطنية وتوحيد المؤسسات، وتكون ليبيا لكل الليبيين".
وكان البرلمان الليبي،اشترط الأحد، انسحاب المليشيات المسلحة من طرابلس الليبية لتنفيذ ما جاء بقرار مجلس الأمن رقم 2510. وقال النائب يوسف العقوري، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الليبي إن اللجنة ترحب بقرار مجلس الأمن رقم 2510 الذي صادق على نتائج مؤتمر برلين وتعتبر اللجنة القرار دفعة قوية للمؤتمر.وأشار العقوري في بيان صدر ليل الأحد إلى أن نتائج مؤتمر برلين يمكن الانطلاق منها للوصول لتحقيق تطلعات الشعب الليبي إلى السلام و الاستقرار.
واعتبر أن هذا يتطلب تقديم مجلس الأمن الدعم الكافي لبعثة الأمم المتحدة لأداء مهامها، ويشترط خروج الميليشيات من مدينة طرابلس وفقا لترتيبات زمنية محددة وضمانات كافية، والوقوف بحزم ضد التدخلات الأجنبية في ليبيا.وحث على دعم الحوار الاقتصادي للوصول لآليات حقيقية لإنفاق عائدات البلاد بعدالة وشفافية وضمان المساواة في التنمية المكانية لجميع مناطق ليبيا.


وأصدر مجلس الأمن قرارا يوم الأربعاء الماضي بموافقة 14 عضوا،ينص على وقف إطلاق النار في ليبيا دون شروط مسبقة، والالتزام بسيادة واستقلال وسلامة ووحدة الأراضي الليبية كما يؤكد الدعم القوي للجهود التي يقودها غسان سلامة، المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا، لإنهاء الأزمة بين الأطراف المتحاربة.
وتعد مشكلة انتشار الميليشيات المسلحة من أبرز المشكلات التى تعانى منها الدولة الليبية، وتمارس هذه التشكيلات جرائم لا تغتفر فى حق الشعب الليبى منها حرق مطار طرابلس الدولى عام 2014 فى حرب فجر ليبيا، وسيطرة قادة الميليشيات على المؤسسات المالية والمصرفية التى تنتشر فى العاصمة طرابلس.وتتهم حكومة الوفاق الليبية فى طرابلس بتمويل الميليشيات المسلحة، ما دفع الأخيرة إلى التغول على مؤسسات الدولة ونهب موارد البلاد.
واعترفت حكومة الوفاق فى عدة مناسبات بسيطرة ميليشيات مسلحة إجرامية على مفاصل العاصمة طرابلس وعدم قدرتها على مجابهتها، إلا أن تحرك الجيش الليبى إلى طرابلس دفع رئيس المجلس الرئاسى فائز السراج إلى التحالف مع تلك التشكيلات لصد هجوم القوات المسلحة الليبية التى تسعى لتحرير العاصمة وحل الميليشيات ونزع أسلحتها.
ومازالت الأوضاع في ليبيا متوترة في ظل الخروقات المتواصلة للهدنة وتواصل التدخلات الخارجية المؤججة للصراع،وأعلنت الأمم المتحدة الأحد أن الوضع في ليبيا أصبح "مقلقا للغاية" مع حصول انتهاكات كثيرة لوقف إطلاق النار وحظر الأسلحة، وذلك بعد شهر من مؤتمر برلين الدولي الذي كان الهدف منه وضع عملية السلام على السكة في هذا البلد.
وقالت ستيفاني ويليامز مساعدة موفد الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة خلال مؤتمر صحافي في ميونيخ بعد اجتماع دولي حول ليبيا، إنه "بالرغم من بعض المؤشرات الإيجابية، يبقى الوضع مقلقا للغاية ميدانيا".وتابعت "الهدنة تبقى مهددة بالسقوط مع إحصاء انتهاكات عديدة -أكثر من خمسين- والشعب الليبي ما زال يعاني، والوضع الاقتصادي مستمر في التدهور، وقد تفاقم بفعل الحصار المفروض على المنشآت النفطية".
وتعتبر المليشيات المسلحة سلاح تيار الاسلام السياسي وعلى رأسه جماعة "لاخوان" للسيطرة على السلطة في طرابلس في ظل ضعف حكومة الوفاق وهو ما بات يمثل خطرا كبيرا على ليبيا التي باتت بحسب المحلل السياسي عزالدين العقيل،"مكانا يسكنه العنف بشكل لحظي، كما تعاني من أعلى مستوى للفساد في تاريخها، إضافة إلى مشاركة مخيفة للأطراف الأجنبية في صناعة القرار الوطني والأمني والاقتصادي".
ونقلت صحيفة "العرب" اللندنية عن العقيل تأكيده،أن مما يزيد الأوضاع تعقيدا ويثير مخاوف الليبيين، وجود حكومة مسلوبة الإرادة بشكل كامل بسبب هيمنة الميليشيات، حسب وصفه. واعتبر عقيل أن "الوضع بالغ السوء.. وعلى الرغم من أن الجيش يكافح لأجل استعادة هيبة الدولة ولكن يبدو أن المنظومة الدولية لا تريد ذلك".
وبين المحلل السياسي الليبي أن الفوضى التي عمت بالبلاد أعاقت استراتيجية الإخوان في ليبيا. وشرح بالقول "الإخوان هم رأس حربة في شيوع الفوضى والعنف وخراب الدولة حرمهم من حكم البلاد برمتها وتحويلها حلقة تابعة لتنظيم الإخوان الدولي".
وطرحت بعثة الأمم المتحدة للدعم فى ليبيا،ثلاثة مسارات لحل الأزمة الليبية وهى العسكرى والاقتصادى والسياسى ولم تنجح حتى الآن، إلا فى اجتماعات المسار الاقتصادى التى عقدت فى القاهرة لبحث التوزيع العادل للثروة،فيما فشل العسكريون الليبيون خلال اجتماعاتهم فى جنيف فى التوصل إلى نقاط اتفاق واضحة ومحددة لحل الأزمة الأمنية التى تعيشها ليبيا، وذلك فى ظل تمسك حكومة الوفاق بوجود الميليشيات المسلحة داخل طرابلس واشتراطها انسحاب قوات الجيش الوطنى من طرابلس قبل المضى قدما فى أى مشاورات عسكرية.
وأكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، الأحد، في كلمته بالاجتماع الوزاري للجنة المتابعة الدولية المنبثقة عن قمة مؤتمر برلين حول ليبيا،أن نجاح مُخرجات اللجنة الأمنية مُرتبط بتناول اجتماعاتها لمختلف أبعاد الوضع الأمني في ليبيا، وعلى رأسها تفكيك الميليشيات والتصدي لعمليات نقل المقاتلين الإرهابيين الأجانب والعناصر المتطرفة إلى الداخل الليبي.
وأكدت الولايات المتحدة الأمريكية في وقت سابق على ضرورة انهاء المليشيات المسلحة في ليبيا،وقال مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط "ديفيد شينكر"، خلال جلسة استماع لمجلس الشيوخ للسياسة الخارجية الأمريكية في ليبيا، إنه "يجب معالجة القضايا الصعبة في ليبيا كتفكيك الجماعات المسلحة والتصدي للمليشيات المتطرفة والعمل على توزيع عادل لموارد ليبيا" حسبما أوردت وكالة نوفا.


ويصر الجيش الوطني الليبي على انهاء سطوة المليشيات المسلحة واستعادة مؤسسات الدولة وهو ما أكده  القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر،الجمعة الماضي،قائلا إن الجيش الليبي لن يوقف عملياته حتى يتحقق النصر كاملاً، بانتهاء الميليشيات والإرهابيين ومغادرة المرتزقة البلاد أو مواجهة مصيرهم المحتوم.
وأضاف حفتر، في كلمة عبر الهاتف للمتظاهرين الذين تجمعوا في ميدان الكيش بوسط مدينة بنغازي؛ مناصرةً للجيش وللتنديد بالتدخل الأجنبي في الشأن الليبي، أن "السلام مطلب الجميع ولن يتحقق السلام إلا بنزع سلاح الميليشيات ومغادرة المرتزقة الذين أحضرهم (مسعور تركيا)  بمساعدة الخونة في ليبيا.
ووصف قائد الجيش الليبي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ"المسعور الذي يظن أن لبلاده إرثًا في بلاد العرب، والتي لولا العرب لظلت حتى اليوم بدون ديانة سماوية".وأكد حفتر في خطابه للشعب الليبي بأنه "لا رجوع عن الهدف الذي دفع من أجله الشهداء أرواحهم، وأنه لن تتوقف عمليات الجيش حتى بلوغ النصر الكامل"، محييًا الغاضبين اليوم لأجل الوطن وكرامته.
ويعتمد النظام التركي على المليشيات المسيطرة على العاصمة الليبية لمد نفوذه في البلاد،ومنذ سنوات تتالت شحنات السلاح التركي الى ليبيا دعما للمليشيات لكن مع تواصل خسائرها ضد الجيش الليبي،سارعت أنقرة الى ارسال المرتزقة الموالين لها علاوة على نقلها للعناصر الارهابية الى الأراضي الليبية دعما للمليشيات هناك وهو ما بات ينذر بخطر يتهدد المنطقة ككل.
ويشير مراقبون الى أن انهاء سطوة المليشيات بات ضروريا قبل الحديث عن أي حلول سياسية في البلاد.واعتبر عضو مجلس النواب محمد العباني،في تدوينة له بموقع "فيسبوك""حل المليشيات، ونزع سلاحها إن لم يتم طوعا، فحلها كرها أمرا لا مفر منه".وأضاف العباني موجها حديثه للمبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة أنه لا حل إلا بحل المليشيات، مردفا أعلم أن الوقت ثمين، ورحيلك هو الخيار الأفضل، لم يعد لوجودك معنى.
وبحسب الكثيرين،تتحمل بعثة الأمم المتحدة أسباب استمرار وجود الميليشيات المسلحة وتمركزها فى طرابلس بسبب تغاضيها عن تفعيل ملحق الترتيبات الأمنية الوارد فى اتفاق الصخيرات الذى وضع آلية واضحة للتخلص من الميليشيات، بالإضافة إلى الرؤية التى وضعها العسكريين الليبيين خلال اجتماعاتهم الست فى القاهرة للتعامل مع مشكلة الميليشيات وكيفية حلها ونزع أسلحتها.