كانت الفترة الماضية في ليبيا مليئة بالأحداث والوقائع السياسية التي زادت البعض منها حدة الصراع في البلاد، مما دفع العديد من الأطراف المحلية والدولية إلى السعي من أجل الوصول إلى حلول للمأزق السياسي الذي تعيشه البلاد منذ أكثر من سبع سنوات، والذي اتسم بطرح العديد من المبادرات من بعض الأطراف الداخلية والخارجية لإيجاد حلول للأزمة الليبية، من بينها إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.

إلا أن هذا الرهان مثّل مجالا للصراع الغربي إذ تضاربت وجهات النظر إثر لقاء باريس و مثلت الإنتخابات موضوع هذا التجاذب المستمر. وفي هذا الصدد، وصفت صحف أجنبية أن منافسة حادة تدور بين إيطاليا وفرنسا، فيما يخص ليبيا، في وقت حذرت وزيرة الدفاع الإيطالية، إليزابيتا ترينتا، السلطات الفرنسية من تدخلها في الشأن الداخلي للدولة الغنية بالموارد الطبيعية، مؤكدة أن بلادها هي الدولة القادرة على قيادة الدولة الليبية وأن القيادة بيد "إيطاليا" فيما يتعلق بالحالة الليبية.

وأشارت صحيفة "لاستامبا" إلى أن إيطاليا تعارض بوضوح الأجندة السياسية التي وضعها الرئيس الفرنسي ماكرون في ليبيا وتنظيم انتخابات قد لا تؤدي إلا إلى مزيد من الفوضى، مشيرة إلى أن "ماكرون قام بتهميش مصراتة وقادة المليشيات في طرابلس من خلال مبادرته الأخيرة". وأوضحت أن روما تريد اعتماد الدستور واتخاذ خطوات محددة قبل أي اقتراع، مشيرة إلى وجود معسكرين دوليين في إدارة الأزمة الليبية، الأول تقوده فرنسا، ويدعم خطة ماكرون للسيطرة على الوضع، أما الآخر فتديره إيطاليا وهو مناهض لحفتر، في حين لا يزال الموقف الأمريكي غير واضح. ودعت الصحيفة إلى إرساء تحالف عملي وفعلي بين الولايات المتحدة وإيطاليا لإدارة الوضع في ليبيا والتصدي لسعي فرنسا، توجيه العملية السياسية في البلاد وإزاحة إيطاليا وضرب مصالحها.

واستمرت فرنسا بزيادة مساحة دورها في المشهد الليبي وتقزيم الدور الإيطالي، بعد اللقاء الثاني الذي عقد في 29 مايو الماضي، في باريس، والذي ضم قائد الجيش الليبي المشير، خليفة حفتر، ورئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، ورئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، لوضع مسودة خريطة طريق نحو الانتخابات، ليأتي تاريخ عقد القمة الليبية في باريس، متزامناً مع انشغال روما بحالة الفراغ السياسي الانتقالي.

وتواصل الصراع الفرنسي الإيطالي مع بدء "الحرب الكلامية بين فرنسا وإيطاليا" بشأن اجتماع باريس، الذي اعتبرته صحف إيطالية محاولة فرنسية للاستفادة من احتياطات ليبيا الهائلة من النفط والغاز على حساب إيطاليا.

يشير مراقبون أنه خلال أيام معدودات تلقت الخطة الفرنسية في ليبيا ضربتين موجعتين، الأولى الدعم الأمريكي لروما، التي تفضل التريث في إجراء الانتخابات إلى ما بعد 2018، والثانية إخفاق مجلس النواب في طبرق (شرق)، في المصادقة على مشروع قانون الاستفتاء على الدستور، في شهر أغسطس.

وأمام هذا الوضع الجدلي المعقد، اتهمت صحف فرنسية كلا من إيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية بمحاولة قلب الطاولة على الخطة الفرنسية والأممية لحل الأزمة في ليبيا.

بعد جلستين غير ناجحتين، تمكّن مجلس النواب الليبي في طبرق من التوافق حول مشروع قانون الاستفتاء على الدستور، على أن يتم تعديل المادة السادسة فيه بعد عيد الأضحى القادم. وهو ما يعني عملياً تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية إلى أمد غير مُسمّى لحين إتمام الاستفتاء على الدستور.

ويعتبر مراقبون أن الوضع السياسي الليبي يسير في اتجاه الرؤية الإيطالية ولو بشكلٍ مؤقت. تصريحات المتحدّث باسم قائد الجيش الليبي الأخيرة حول طلب دعم روسي على ثلاثة اتجاهات أولها هو دعم إنجاز الانتخابات نهاية هذا العام، ورفع حظر التسلّح عن ليبيا، ووقف الدور التركي   القطري  الإيطالي في الداخل الليبي، هي تصريحات قد تؤشّر إلى تدخّل روسي قريب في الأزمة الليبية، لكن يبقى حجم هذا التدخّل رهناً للتطوّرات الآنية، خاصة أن بريطانيا قد تدخل في أي وقت على خط هذه الأزمة خاصة بعد تقديم حكومة الوفاق في طرابلس طلباً رسمياً للندن لاستقدام مدرّبين عسكريين بريطانيين لتدريب الوحدات التابعة لها.

نقلت تقارير إعلامية عن العميد أحمد المسماري طلب قوات الجيش الليبي بضرورة تدخل روسيا، مشيرة إلى أن الناطق الرسمي باسم القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية طالب بتدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحل الأزمة الليبية ودعم الجيش الليبي.

وقال المكتب الإعلامى التابع للمتحدث العسكري الليبي، في بيان صحفي، إن المتحدث الرسمي باسم القائد العام للقوات المسلحة الليبية طالب روسيا بالتدخل عن طريق ثلاثة مواقف، عبر الأمم المتحدة لرفع الحظر عن تسليح الجيش الوطني الليبي الذي تمثله القيادة العامة، ودعم مبادرة فرنسا وإجراء انتخابات في ليبيا، ومناقشة دور إيطاليا المشبوه في تدخلها في الشأن الليبي.

في نفس الإطار، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإيطالي إينسي ميلانيزي في موسكو إن بلاده مقتنعة بضرورة البحث عن المداخل المقبولة للجميع التي ستسمح للليبيين بتحديد مصير بلادهم عبر الحوار الوطني بأنفسهم، معلناً إستعداد بلاده للمساعدة في تسوية الأزمة في هذه المنطقة بطرق سياسية ودبلوماسية وفق قواعد القانون الدولي. ومن جهته ،أفاد ميلانيزي أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعي للمشاركة في المؤتمر حول ليبيا الذي سيعقد في الـ12 والـ13 من نوفمبر المقبل في مدينة باليرمو الإيطالية.

ويرى مراقبون أن الموقف الروسي سيكون له وزن كبير في تحديد وجهة العملية السياسية في ليبيا نظرا لإرتبطاته الوثيقة بأطراف قوية في الداخل الليبي.