يشكل الجنوب الليبي زاوية مهمة من ليبيا ويملك مساحة واسعة ويستحوذ على إمكانيات وثروات طبيعية كثيرة، إلا أنه لا يزال يعاني منذ سنوات أوضاعا صعبة  في ظل انعدام الفوضى الأمنية، وانتفاء الخدمات العامة فضلا عن  تسرب المجموعات المسلحة من دول الجوار التي اتخذت منه قاعدة للسطو والنهب، والاعتداء على الأهالي.

اعتداءات متكررة

يشهد الجنوب الليبي انتهاكا صارخا من قبل المجموعات التشادية المسلحة التي تقوم بعمليات خطف وابتزاز، واعتداءها على المواطنين في مختلف مدن المنطقة، ولكن الأجهزة الأمنية والعسكرية في المنطقة قامت بردعها واشتبكت معها لفك أسر عدد من المخطوفين.

عرفت فزان سقوط 4 قتلى على الأقل تمت تصفيتهم من مجموعات المعارضة التشادية المسلحة، وعرفت الأيام الماضية عودةمجددًا لها لانتهاك السيادة الليبية على أراضيها، ودخول قواتها مناطق الجنوب، وممارستها عمليات النهب والخطف والقتل. وتمركزت الاعتداءات هذه المرة في منطقة "أم الأرانب" وشرق بلدة القطرون وتجهري جنوب ليبيا، وعرفت هذه المناطق اشتباكات مسلحة بين السكان ومجموعة من عصابات المرتزقة التشادية المسلحة التي تمارس السطو والخطف والتعدي على الممتلكات الخاصة.

ولا تعتبر هذه المرة الأولى التي تمارس فيها قوات المعارضة التشادية التي تزدهر بفضل المساعدات المالية وعمليات التهريب، انتهاكات في إقليم فزان الليبي، فهي دائمًا ما تمارس أعمال الخطف والتهريب والحرابة والسطو والتعدي على الممتلكات الخاصة في هذه المنطقة التي تعرف عدم استقرار أمني وانتشار الفوضى فيها.

وعادة ما تتخذ هذه القوات الأراضي الليبي منطلقًا لهجمات تشنها ضد القرى التشادية، ففي شهر أغسطس/آب الماضي شنت هذه القوات - المعروفة باسم "المجلس القيادي العسكري لإنقاذ الجمهورية" - انطلاقًا من الأراضي الليبية، هجومًا على بلدة كوري بوغري في منطقة تيبستي بأقصى شمال تشاد، قبل أن تعود إلى الجنوب الليبي.

يعرف الجنوب الليبي كذلك وجود العديد من الميليشيات المسلحة الأخرى، حيث تمتلئ مدن وقرى مختلفة في الجنوب بالمقاتلين الأفارقة الذين جاء بعضهم في مجموعات منتظمة تحالفت مع أحد أقطاب الصراع في الشرق أو الغرب، وبعضهم جاء بشكل فردي بحثًا عن لقمة العيش ليجد نفسه ممتشقًا السلاح ويقاتل على أرض غريبة.

إدانة أممية

استنكرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، تدهور الأوضاع الأمنية في الجنوب الليبي، مطالبة السلطات الليبية باتخاذ إجراءات فورية وفعالة حيال حالة الانفلات الأمني التي تشهدها المنطقة. وأدانت البعثة في بيان لها الجمعة، الانتهاكات التي تقترفها المجموعات المسلحة الأجنبية داخل الأراضي الليبية، وحثت الأطراف الفاعلة الإقليمية على دعم السلطات الليبية لمعالجة للوضع الراهن على نحو يصون سيادة ليبيا ووحدة وسلامة أراضيها.

وأعربت الأمم المتحدة، عن قلقها البالغ إزاء تصاعد معدل الجريمة، لاسيما موجة حوادث الخطف والأعمال التخريبية الأخيرة التي طالت البنية التحتية لجهاز النهر الصناعي، بحسب ما ذكر البيان. وقالت البعثة، إن تصاعد حالة الانفلات الأمني قد فاقم من تراجع مستوى الخدمات المتردية أصلاً في الجنوب الليبي، ما أدى إلى زيادة معاناة الأهالي في المنطقة، مؤكدة أن الأمم المتحدة ستواصل العمل مع السلطات المحلية لتقديم المساعدات الإنسانية حيثما دعت الحاجة.

ودعت البعثة الأممية، حكومة الوفاق الوطني إلى بذل مزيد من الجهود لتوفير الخدمات في المنطقة، مجددة وقوفها على أهبة الاستعداد لدعم الجهود الرامية لمعالجة الوضع الأمني وبذل مساعيها الحميدة في هذا الشأن.

تفاعل داخلي

أكّد الناطق باسم قيادة الجيش الوطني العميد أحمد المسماري عزم القيادة على إطلاق عملية عسكرية واسعة للقضاء على المجموعات الإجرامية في الجنوب.

المسماري أوضح في مقابلة صحفية أجرتها معه صحيفة الشرق الأوسط أن قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر يخطط فعليا للقضاء على جماعات المعارضة السودانية والتشادية والعصابات الإجرامية الأخرى، التي باتت تهدد الأمن القومي والاستراتيجي لجنوب ليبيا، الذي يمثّل نحو ثلث مساحة الدولة.

وأضاف القولَ إنَّ الجيش الوطني لن يسمح لعناصر هذه الجماعات بإستخدام الأراضي الليبية أو البقاء فيها ما دامت تهدد أمن واستقرار البلاد مشيرا إلى أنّ المعضلة الحقيقية التي تواجه القوات المسلحة في فرض سيطرتها على المنطقة الجنوبية بالكامل، تكمن في استمرار الحظر الذي يفرضه المجتمع الدولي على تسليح الجيش الوطني.

وطالب المسماري برفع هذا الحظر فورا، حتى يتمكّن الجيش الوطني من القيام بمهامّه الحيوية في حماية وتأمين حدود البلاد، خاصة في المنطقة الجنوبية التي تعاني من انتشار عناصر إجرامية تعمل على تهديد الأمن والاستقرار.

اكتفت حكومة الوفاق الوطني بقيادة فائز السراج بالإدانة والتحذير، ففي بيان لها أكدت حكومة السراج "هذا العدوان الذي يستهدف استقرار بلادنا لن يمر دون عقاب"، محذرة من أن جماعات المرتزقة وكل الطامعين في البلاد يجدون في الانقسامات فرصة للاختراق والتسلل لتحقيق مطامعهم.

وتعهدت الحكومة باتخاذ إجراءات رادعة ضد المرتزقة والعصابات القادمة من خارج الحدود، مشيرة إلى أن منطقة الجنوب الليبي باتت تشهد ما وصفته بأنه عدوان غاشم من تلك العصابات التي لم تكتف بعمليات النهب والتخريب التي تمارسها داخل ليبيا، بل تمادت لتمارس جرائم القتل بحق المواطنين.

في نفس الإطار،يشير مراقبون إن الصراع السياسي القائم في ليبيا، وعدم توحيد المؤسستين العسكرية والسياسية، هو الذي جعل المعارضات التشادية تتوغل داخل الأراضي الليبية.