شهدت المملكة المغربية، في 8 سبتمبر الجاري ، انطلاق الانتخابات التشريعية والبلدية الثالثة من نوعها في عهد الدستور المغربي الجديد، و قد أفرزت صعود حزب "التجمع الوطني للأحرار" إلى قمة المشهد السياسي في المغرب، والسقوط المدوي لحزب "العدالة والتنمية" الذي يتبنى توجهاً إسلامياً.
وقد عكست هذه النتائج جملة من الدلالات المهمة المرتبطة بالتحول في موازين القوى في المشهد السياسي المغربي، وكذلك المرتبطة بأزمة الجماعة الداخلية  في هذا السياق.
وخسر حزب العدالة والتنمية ما يقرب من 90% من مقاعده في مجلس النواب المغربي، حيث حصل الحزب الإسلامي على 12 مقعداً فقط في الانتخابات الأخيرة، بعدما ظفر بـ125 مقعداً في انتخابات 2016، وخسر أيضاً بلديات مدن كبرى.
وقد وصل تراجع الحزب إلى حد أن رئيس الحكومة نفسه، وهو الأمين العام المستقيل للحزب سعد الدين العثماني أخفق في نيل مقعد برلماني بعدما ترشح في دائرة المحيط بالعاصمة الرباط.
ويعاني حزب العدالة والتنمية، منذ فترة، من أزمات عميقة أثرت على نتائج الانتخابات الأخيرة. ومن أبرز هذه الأزمات، التفكك الداخلي، وتصاعد حركة الانشقاقات والانقسامات في الحزب الإسلامي.
 وقد بدأت هذه الانقسامات تطفو على السطح منذ إعلان المغرب إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في 22 ديسمبر 2020، ومباركة الحزب لهذه الخطوة وتأييده لها، وذلك على الرغم من أن أحد ثوابته المُعلنة هو رفض إقامة أي علاقات دبلوماسية وسياسية مع إسرائيل، وبالتالي فقد نظرت العديد من القطاعات والقواعد التنظيمية، خصوصاً من الشباب، إلى هذه الخطوة باعتبارها تعكس "براغماتية" شديدة تُعلي من اعتبار العلاقات مع مؤسسات أخرى في الدولة، على أي اعتبارات قيمية ومبدئية أخرى يرفعها الحزب على المستوى الشعبوي ويحاول من خلالها الحفاظ على دعم قواعده الانتخابية والتنظيمية.
 فضلاً عن ذلك، يعاني العدالة والتنمية من صراعات داخلية بين اتجاهات عديدة بعضها أيديولوجي والآخر حركي، وهي صراعات عمّقت من حالة الانقسام داخل الحزب، وانعكست بالسلب على موقف الشارع المغربي منه.
ويعيش منذ أشهر حزب العدالة والتنمية المغربي على وقع خلافات وانقسامات عميقة، بلغت حد تقديم استقالات جماعية لنشطاء في الحزب، ثم قيادات.
وقدم المصطفى الرميد، الرجل الثاني في حزب العدالة والتنمية، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان، استقالته من الحزب، بسبب الخلافات العميقة التي تنخر التنظيم بالمغرب.
ويعتبر المصطفى الرميد واحداً من قيادات الصف الأول في حركة التوحيد والإصلاح، التي يُعد حزب العدالة والتنمية ذراعها السياسية. والذي كان واحداً من مؤسسيه عام 1992.
استقالة الرميد، كانت بمثابة الشجرة التي تُخفي الغابة، التي أوضحت أن هذه الخطوة أعادت تسليط الضوء على عشرات الاستقالات التي شهدها الحزب، إما لسخط على تدبير قياداته، أو لكثرة الانقسامات التي صار يعيشها.
وشهد الحزب في الأشهر القليلة الأخيرة، موجة غير مسبوقة من الاستقالات، إما نحو أحزاب أخرى، كالبرلمانية والقيادية السابقة في الحزب اعتمادي الزهيدي، التي انضمت إلى صفوف الخصم السياسي الأول للعدالة والتنمية، وهو حزب التجمع الوطني للأحرار.
والزهيدي، عللت خُطوتها بما سمته تقاعساً من هيئات الحزب في التفاعل بشكل عملي مع الأزمة السياسية والتنظيمية التي يعيشها منذ سنوات التي زاغت به عن أهدافه التي تأسس عليها.
وكانت استقالة المرأة بمثابة القنبلة التي هزت الحزب، خاصة أنها فجرت العديد من الفضائح التي كانت قيادات التنظيم تتستر عنها، خاصة المتعلقة بتحكم حركة التوحيد والإصلاح في قرارات ومسارات الحزب، وخاصة الترشيحات للانتخابات ومراكز المسؤولية.
خروج الشباب على قيادات "السمع والطاعة" في حزب العدالة والتنمية المغربي أصبح أحد أبرز أسباب الأزمة الداخلية في الحزب المحسوب على جماعة الإخوان والذي يقود الحكومة، فخلال الفترة الأخيرة، لأسباب تنوعت بين "عدم تقبل الحزب للنقد، وعدم وفائه بوعوده الانتخابية، وانقلابه على مبادئه، وتدخله في الحياة الشخصية لأعضائه"، بحسب ما عبر عنه مستقيلون في تصريحات إعلامية.
وكانت العضوة في الحزب، يسرى الميموني، أحدث الوجوه البارزة المستقيلة من العدالة والتنمية، إذ قدمت استقالتها من الحزب يوم 29 ديسمبر المنصرم.
وقالت الميموني "استقلت لأن الحزب لا يتقبل النقد، ولأن قياداته تنتقدني بسبب شكلي، ولباسي، والحياة المتحررة التي أعيشها، لأنني لا أعتبر أن الدين عزلة عن الحياة، وهي الأمور التي لم تتقبلها قيادات الحزب".
بالرغم من تكرر نفي العثماني معاناة حزبه من "أزمة داخلية"، كان لبعض أعضائه وقياداته رأي آخر، من بينهم عضوة المجلس الوطني للحزب، والنائبة البرلمانية أمينة ماء العينين، التي قالت إن "حزبها دخل في مرحلة أزمة، على المستويين النظري والفكري".
وأضافت ماء العينين في تصريحات صحفية أن "حزب العدالة والتنمية يعيش أزمة، لكنها ليست ذات طابع سياسي، بل أزمة فكرية، لأنه لم يراجع الرؤية التي تؤطره منذ فترة طويلة، وورقته المذهبية تعود إلى تسعينيات القرن الماضي، كما أن آخر أطروحة خاصة به وضعها سنة 2008، عندما كان لا يزال في صفوف المعارضة".
وقالت ماء العينين، التي تُعتبَر من أبرز وجوه حزب العدالة والتنمية المغربي، إن "عدم مراجعة الحزب لرؤيته المؤطرة منذ سنوات، أنتج إشكالات بين أعضائه بخصوص مجموعة من القضايا، من بينها اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل".
من ذلك،يرى مراقبون بأن تذمر بعض أعضاء حزب العدالة والتنمية من أوضاعه الداخلية وانتقادهم لها، وتقديم آخرين استقالاتهم من الحزب، راجع إلى الاختلاف في وجهات النظر بين القيادات التي أسست الحزب، والقادمة من حركة التوحيد والإصلاح (الذراع الدعوي للحزب)، وأعضاء الحزب الشباب.
فالقيادات المؤسسة لحزب العدالة والتنمية بدأت في حركة التوحيد والإصلاح، القائمة على الطاعة، والانقياد، والتراتبية، عكس قواعد العمل الحزبي، في حين يتذمر أعضاء الحزب من الجيل الجديد من هذه العقلية، ويرفضون مبدأ الرأي شخصي والقرار ملزم.