إثر عودته من مراكش أين شارك في حوار روسي أوروبي حول الشرق الأوسط وشمال افريقيا التقت "بوابة إفريقيا الإخبارية" بالدكتور حمزة المؤدّب، أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعات الأوروبية، حول الدور الذي تتطلّع روسيا إلى لعبه في ليبيا وأي استراتيجية اختارها الروس لضمان موقع في ليبيا خاصة مع احتدام لعبة الأمم كذلك حدّثنا بإطناب عن المارد الصيني القادم على مهل الذي يضع مخطّط طويل المدى للتركز في إفريقيا من خلال اتفاقية طريق الحرير التي انضمت إليها ليبيا مؤخرا.

الدكتور حمزة المؤدّب: باحث بالجامعة الأوربية بفلورنسا، إيطاليا تتركّز أبحاثه على الإصلاح الاقتصادي، والاقتصاد السياسي للنزاعات، والأمن، والحدود، والتهريب، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

***

إثر مشاركتكم في حوار روسي أوروبي حول الشرق الأوسط و شمال افريقيا ، ماهي أصداء هذا اللقاء ؟

اللقاء كان فرصة للتعرف على مقاربة روسيا لما يحدث في شمال افريقيا و في المتوسط عموما. هناك اهتمام متزايد لدى الأوروبيين بتزايد نفوذ قوى لم تكن فاعلة بقوة في المتوسط خلال العقدين الفارطين و لكن منذ 2013 صار حضورها سواء العسكري او السياسي او الاقتصادي لافتا. روسيا و الصين من ابرز هذه القوى اليوم.

هل من تمشي جديد للروس بخصوص التموقع في ليبيا هنا نتحدّث عن الجانب الاقتصادي بعد أن وجدت لنفسها موطئ قدم في الملف الأمني ؟

الحوار كان فرصة للوقوف على حقيقة و ابعاد  الدور الروسي في ليبيا. الروس أكدوا انه لا داعي لتهويل وجودهم و دورهم في ليبيا. هم لا يملكون استراتيجية واضحة المعالم و لكنهم حريصون على التأثير في الساحة الليبية. وجود روسيا هو ردة فعل على فشل الاستراتيجية الغربية و تخبط القوى التي دفعت نحو إسقاط  نظام القذافي و الغير قادرة منذ سنوات على تسوية الوضع الليبي. تواجد روسيا له ابعاد مختلفة: الحرب على الاٍرهاب، الاهتمام بالتأثير في ليبيا التي تعد فاعلا هاما في سوق الطاقة بالنظر للثروة النفطية و الغازية التي يملكها البلد، اهتمام ايضا بتدعيم تواجدها في المتوسط. البحرية الروسية صارت أكثر نشاطا و روسيا مهتمة بإمكانية إيجاد قاعدة عسكرية لها في غرب المتوسط. و طبعا التأثير في المحيط الاوروبي لأن لليبيا مكانة هامة في ضمان الامن الاوروبي سواء من جهة الهجرة او مكافحة الاٍرهاب. الروس أكدوا كذلك ان هناك دفع من قبل فاعلين سياسيين و عسكريين ليبيين لدعم علاقتهم بروسيا و بالتالي جلبها للعب دور أكبر في إشارة واضحة لخليفة حفتر طبعا و سعيه لضمان الدعم الروسي. اعتقد ان استراتيجية روسيا في المتوسط تقوم على التأثير في كل الساحات التي لها تأثير مباشر على اوروبا و على روسيا. في العقل السياسي الروسي: اي تسوية بدون روسيا هي حتما ضد روسيا.

أين تضع روسيا نفسها في صراع إعادة الإعمار المرتقب؟

روسيا مهتمة بإعادة الإعمار في ليبيا. ليبيا بلد مهم في سوق الطاقة و روسيا كانت حصلت على رخص استكشاف حقول نفط و غاز ايام القذافي و هي مهتمة بالعودة لهذا القطاع الاستراتيجي. اعتقد انه لا يمكن فصل الدور الروسي في ليبيا عن محاولة روسيا للعب دور أساسي في سوق الطاقة العالمي. طبعا بسقوط القذافي روسيا خسرت سوقا مهما لبيع الأسلحة الروسية، اعادة الإعمار ستقاضي ايضا اعادة بناء الجيش و المؤسسات الليبية و بالتالي روسيا تتموقع كشريك للتسليح و التدريب. الشركات الأمنية الروسية مهتمة ايضا بالتواجد في ليبيا في فترة اعادة الإعمار. اعتقد ان هذه حدود الدور الروسي في اعادة الاعمار لأنه عكس اوروبا او الصين او الولايات المتحدة ليس لروسيا قطاع خاص او شركات قادرة على المنافسة في مجالات اخرى.

هل أن الصراع الفرنسي الإيطالي و موقف الولايات المتحدة المتردد يمنح لروسيا الفرصة للعب أدوار أهم في المنطقة ؟

تسعى روسيا   للاستفادة من اخطاء الغرب و من التنافس بين فرنسا و إيطاليا و تراجع امريكا في المنطقة عموما. هناك قناعة لدى الروس انه لا يوجد فراغ في الشرق الأوسط و شمال افريقيا اليوم بالعكس كل ما في الامر ان ميزان القوى في المنطقة بصدد اعادة التشكل وفق قواعد لعبة جديدة تفسح المجال لدول المنطقة بلعب دور أكبر و من هنا يمكن فهم التأثير الخليجي و التركي و المصري سواء في ليبيا او سوريا أو العراق او اليمن او غيرها من البلدان التي لم تعرف صراعات مسلحة منذ ٢٠١١ كلبنان و تونس مثلا. هذا الوضع بصدد فتح المجال على التدخل الأجنبي في المنطقة خصوصا في ظل الاستدارة الامريكية نحو اسيا و في ظل ازمة الاتحاد الاوروبي (غياب سياسة خارجية و دفاعية أوروبية و تباين وجهات النظر بين مكوناته). منطقة الشرق الأوسط و شمال افريقيا  هي تاريخيا منطقة تدخلات ليس بفعل المطامع الخارجية فقط بل بسبب دفع جزء من دول المنطقة نحو هذا التدخل اما لموازنة القرى بعضها ببعض او للبحث عن مكاسب في صراعات داخلية او طلبا للحماية. كل هذه العوامل متوفرة منذ 2011 و هذا ما دعم التدخل الروسي في ليبيا و المنطقة عموما.

أعلنت جمهورية الصين الشعبية عن الاستجابة لدعوة رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج بعودة شركاتها لاستئناف أعمالها في ليبيا والمساهمة في صندوق إعمار ليبيا. ماهي تداعيات استئناف النشاط الديبلوماسي الصيني في ليبيا بعد إغلاق السفارة الصينية في طرابلس منذ 2016 ؟

اعتقد ان الصين تعلم انه مهم جدا العودة الى ليبيا قبل إيجاد تسوية و البدء في مرحلة اعادة الإعمار. من سيحقق مكاسب في عملية اعادة الاعمار هي القوى المتواجدة على الارض. من هنا نفهم الاستجابة الصينية للدعوة الليبية للعودة. الواقع ان الصين تريد العودة الى ليبيا من بوابة تونس و من هنا نفهم اهتمام الصين بميناء جرجيس و بالمنطقة اللوجستية في الجنوب الشرقي. الجنوب الشرقي التونسي ممكن ان يكون قاعدة خلفية للشركات الصينية خصوصا في ظل عدم استتباب الامن في ليبيا و في انتظار إيجاد تسوية تسمح بتواجد اكثر امنا على الارض في المستقبل.

ماهي أهداف و أبعاد ضم ليبيا مؤخرا لاتفاقية طريق الحرير ؟

الصين مهتمة بإعادة إعمار ليبيا هذا اكيد. شركات البناء و المقاولات الصينية مهتمة بسوق اعادة الاعمار. هناك رغبة صينية في إيجاد أسواق لهذه الشركات العملاقة. ليبيا ستكون احدى الوجهات المهمة بدون شك بالنظر الى الحاجة الكبرى لإعادة بناء و تطوير   البنية التحية  في ليبيا. الصين مهتمة ايضا بضمان شريك جديد قادر على تلبية حاجياتها من الطاقة. نصف واردات الصين من الطاقة متأتية من الشرق الأوسط و شمال افريقيا و هذه النسبة مرجحة للارتفاع في ظل النمو المتسارع للاقتصاد الصيني. موقع ليبيا كذلك استراتيجي لناحية تواجدها على طريق بحرية أساسية تربط الصين بأوروبا و بالأطلسي ثم لناحية الدور الليبي التاريخي في افريقيا.

ما هو أفق هذا التعاون و كيف ستستفيد ليبيا ؟

استفادة ليبيا رهين قدرة النخب الليبية على بناء تسوية دائمة و توافقات صلبة. هذه التوافقات ستكون أساسية لحسن ادارة عملية اعادة الاعمار. نحن في منطقة للأسف لم تعرف نجاح لإعادة الاعمار: تجربتا لبنان و العراق فاشلتين: نخب الحرب استثرت و استفادت من اعادة الاعمار. أمل ان يكون الليبيون قادرين على حسن ادارة هذه المرحلة بما ينعكس على المصلحة العامة و ليس على قلة قليلة من الشعب الليبي.