في الحوار التالي نستعرض مع الاستاذ جواد عبـــيـــــــبي  الباحث  المغربي في القانون العام والعلوم السياسية ،ما تعرفه الساحة الدولية من تغييرات بسبب كورونا ، والمتوقع من نتائج وانعكاسات وتأثيرات،

 ويدعو اعبيبي الى عدم " اعطاء جائحة كورونا أكثر من حجمها، دون أن نستهين بها أيضا."

أما بخصوص ما يميز جائحة كورونا عن غيرها فهما أمران اثنان حسب اعبيبي "أولهما كون الفيروس المسبب لهذا المرض جديد و تجهل العديد من التفاصيل المتعلقة به، كما أنه لم يتم لحدود اليوم التوصل إلى لقاح أو علاج فعال له. وهذا ما يجعل منه وباء مرعبا. أما الأمر الثاني، فمتعلق بسياق ظهور هذه الجائحة"

الباحث في العلوم السياسية ،يشير في الحوار الى حكمة العاهل المغربي باتخاذه اجراءات سريعة لتفادي تفشي كورونا في المغرب" نص الحوار"

* الموازين والأولويات لن تتغير

*ما هو انطباعك كباحث على ما يعيشه العالم ،هل هي صدمة ستقلب الموازين والأولويات  برأيك؟

**بداية يجب الإشارة إلى أن الإنسان واجه عبر التاريخ العديد من الأوبئة والجائحات. نذكر منها الطاعون، والكوليرا، والسيدا، والأنفلونزا الاسبانية  والأنفلونزا الأسيوية وغيرها. وبفضل التطور العلمي والطبي تمت محاصرة العديد منها، دون التمكن من القضاء عليها بصفة نهائية.  فمعظم هذه الأمراض لا تزال تفتك بحياة الملايين من البشر إلى حدود اليوم. فمثلا، حسب إحصائيات المنظمة العالمية للصحة فمرض الأنفلونزا يفتك بأكثر من 500.000 شخص سنويا، والكوليرا حوالي 100.000 شخص. هذا التذكير فقط لكي لا نعطي لهذه الجائحة أكثر من حجمها، دون أن نستهين بها أيضا. أما ما يميز جائحة كورونا عن غيرها، فهما أمران اثنان: أولهما كون الفيروس المسبب لهذا المرض جديد و تجهل العديد من التفاصيل المتعلقة به، كما أنه لم يتم لحدود اليوم التوصل إلى لقاح أو علاج فعال له. وهذا ما يجعل منه وباء مرعبا. أما الأمر الثاني، فمتعلق بسياق ظهور هذه الجائحة. فالنظام العالمي يسيطر عليه الرأسمال ويتميز بكثافة التبادلات على مستوى مختلف الأسواق، خاصة منها المالية والتجارية. ونظرا لكون الرأسمال جبان بطبعه، فمن البديهي أن هذه الجائحة المرعبة ستأثر عليه سلبا. مما سيؤدي لا محالة إلى أزمة اقتصادية غير مسبوقة وانكماش جميع اقتصاديات العالم. لكن، بالرغم من كل ما ذكرناه، فأظن أن الموازين والأولويات لن تتغير كثيرا بسبب هذه الجائحة. فالنظام الرأسمالي، من خلال الأزمات التي مر منها، اكتسب مناعة تمكنه من النهوض من جديد بعد كل أزمة.

*التدابير الاستثنائية مؤقتة.

 *لكن الا ترى ان الجائحة غيرت الكثير من اولويات الدول على كافة المستويات ؟

لا أظن أن هناك أولويات تغيرت إلى حدود اللحظة. فكل دول المعمور منشغلة فقط بتدبير هذه الأزمة عن طريق اتخاذ مجموعة من التدابير الاستثنائية والمؤقتة. كل ما في الأمر أن هناك مجموعة من الأصوات تدعو الدول إلى الاهتمام أكثر بقطاعات معينة كالصحة والتعليم والبحث العلمي. كما أن بعض المسؤولين، كالرئيس الفرنسي مثلا، عبروا عن نيتهم في الرفع من الميزانية المخصصة للبحث العلمي، لكن أظن أن كل ذلك يظل مجرد أماني ما لم يتم تنزيله في استراتيجيات وسياسات عمومية وأجرأته عبر ميزانيات وقوانين المالية.  لكن في اعتقادي، فإن السياسات العمومية قد يتم توجيهها، لفترة معينة، لتستهدف القطاعات المذكورة، وذلك بدرجات متفاوتة من دولة لأخرى؛ فالدول المتقدمة من المرجح أن ترفع ميزانيات البحث العلمي، في حين أن الدول النامية قد تهتم أكثر بما هو اجتماعي، كمحاربة الفقر و الهشاشة. دون أن يعني ذلك عودة الدولة الرفاهية   « Etat providence »، فبعد ثلاث أو أربع سنوات ستعود الأمور إلى وضعها الأصلي، وسيتحكم السوق والرأسمال من جديد في كل شيء.

* التغيير مرتبط بالسلوكيات

** انظمة الحكم والصراعات الدولية والاقليمية والهجرات والاقتصاد كلها مجالات يمكن ان تتأثر بجائحة كورونا، هل تنتظر الانسانية ما هو افضل ام انعكاسات كارثية؟

لا يمكن أن نتصور مجالا معينا لن يتأثر بالجائحة. فالاقتصاد و السياسة وجهان لعملة واحدة. وهذه العملة هي التي تتحكم في كل المجالات والظواهر من الحروب والهجرات وغيرها. أما بخصوص مستقبل الإنسانية فهو رهين بقرارات وتصرفات الإنسان نفسه، وخاصة فيما يتعلق بالقرار العمومي و السياسي. فالمستقبل قد يكون أفضل في حالة ما قمنا جميعا، أفرادا وجماعات، بتصحيح سلوكياتنا. أما الدول فهي مطالبة بسن سياسات عمومية تجعل من تنمية الإنسان هدفها الأسمى. فالشعوب محتاجة إلى التوزيع المنصف للثروات والمزيد من الديمقراطية والحريات، إضافة إلى ضرورة تجويد الخدمات الاجتماعية الأساسية خاصة منها الصحة والتعليم.  أما في حالة عدم تدخل الدول لتصحيح الأوضاع واتخاذ التدابير الضرورية للتقليل من الآثار الاجتماعية والاقتصادية للجائحة، فإن ذلك سيؤثر لا محالة على السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي في معظم الدول.  فنحن نتذكر موجة ما سمي "بالربيع العربي" وما رافقتها من احتجاجات في معظم دول المعمور، ونعلم جيدا أن ذلك كان نتيجة الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي ترتبت عن الأزمة التي عرفها العالم ابتداء من سنة 2007.

 *العاهل المغربي  اتخذ اجراءات اشاد بها العالم

* اشاد الكثيرون بتدبير المغرب للجائحة ،لكن هناك تخوفات من انعكاساتها، خاصة ان سنة2021 ستكون سنة انتخابات في المغرب، كيف سيوثر ذلك على  مواجهة الانعكاسات  المترتبة؟

**من المؤكد أن تدبير السلطات المغربية لهذه الأزمة أثار إعجاب الجميع. ويجب التذكير هنا أن الفضل في ذلك يرجع بالأساس إلى تدخل عاهل البلاد في الوقت المناسب وتوجيهه للحكومة لاتخاذ ما يلزم من التدابير. فلا ننس أن الملك أعطى تعليماته بإحداث صندوق مخصص لمواجهة هذه الجائحة، كما أمر بإغلاق الحدود ووقف الرحلات الجوية، حتى قبل تفشي الوباء. فالتدخل الملكي في نظرنا قطع الطريق على أي استغلال سياسي أو حزبي لهذه الظرفية الحساسة. كما فتح المشوار لبناء ملحمة وطنية للتضامن قل نظيرها. هذا دون أن ننسى أن الشعب المغربي عبر عن نضج كبير ووعي متقدم، مما ساهم نسبيا في إنجاح تدبير الأزمة. لكن في المقابل لدينا عدة ملاحظات حول تدبير الأزمة من طرف السلطات الحكومية، ربما لا يتسع الوقت لبسطها في هذا الحوار، لكن لا بأس أن  نشير إلى وجود بعض الاختلالات القانونية بخصوص العديد من القرارات المتخذة، وإلى عدم التنصيص على ضمانات باحترام الحقوق والحريات من طرف السلطات العمومية خلال الفترة الاستثنائية، وكذا عدم التنصيص على الرقابتين التشريعية والقضائية على القرارات والإجراءات التي تتخذها الحكومة. هذه النواقص قد ينتج عنها المساس بحقوق الناس وحرياتهم بشكل لا يتناسب مع ما تقتضيه الظرفية الاستثنائية.

*تأثير الجائحة على الانتخابات

أما بخصوص التأثير على الاستحقاقات الانتخابية، ففي اعتقادي لن تكون هناك انعكاسات هامة. فكل الأحزاب السياسية تضع الصحة والتعليم في أولويات برامجها، على الأقل نظريا. أما بخصوص تنظيم هذه الاستحقاقات، فالأمر يتوقف على الفترة الزمنية التي ستستغرقها هذه الجائحة؛ ولحد الآن لا أحد يعلم متى سترجع الحياة إلى إيقاعها العادي. في نفس هذا الإطار أود أن أشير إلى انتشار، في بداية الجائحة، لبعض الأصوات الشعبوية استهدفت مؤسسات كالبرلمان والهيئات المنتخبة، وحاولت إيهام الرأي العام بأن البرلمانيين والسياسيين لا فائدة منهم. كما استغلوا نفس المناسبة للتهجم على الفنانين والرياضيين وغيرهم. أظن هذه الأصوات غير بريئة وتحركها إيديولوجيات وحساسيات سياسية معينة. لكن سرعان ما توارت هذه الأصوات، لأن الرأي العام المغربي له ما يكفي من الذكاء لتحليل وفهم مثل هذا  التنوع من الخطاب.

*سلوك الانسان مرتبط بمنظومة القيم

*هل يمكن الحديث عن تغيير في سلوك الإنسان المغربي بعد الجائحة في نظرك؟

*لا أظن ذلك، فذاكرة الإنسان قصيرة بطبعها. وسرعان ما يعود إلى عاداته القديمة. إن السلوك البشري يتم تقويمه أساسا عن طريق إصلاح المنظومتين التربوية و الإعلامية، وكذا إرساء العدالة الاجتماعية. فالسلوك مرتبط أساسا بمنظومة الأخلاق السائدة في المجتمع. أكيد أن هذه المنظومة في تطور مستمر، لكن أعتقد أن هذه الجائحة لن يكون لها تأثير مهم في هذا الاتجاه.

* رمضان  في الجنوب الشرقي المغربي

* نحن في شهر رمضان المتزامن مع الحجر الصحي، ماذا تغير؟

**أمور كثير تغيرت، فشهر رمضان يعرف رواجا تجاريا استثنائيا والكثير من التظاهرات الثقافية والفنية والرياضية، كما أن ليالي هذا الشهر الكريم تميزها العبادات الجماعية كصلاة التراويح، و جلسات السهر والسمر بين الأصدقاء وتبادل الزيارات بين الأحبة والعائلة. كل هذه المظاهر اختفت هذه المرة. وفي هذا الإطار، أدعو القراء الكرام لاستغلال هذه اللحظات في أمور مفيدة كالمطالعةـ والكتابة ومشاهدة أفلام هادفة وكذا ممارسة التمارين الرياضية المنزلية.

 * ما هي  أهم مميزات وعادات رمضان في الجنوب الشرقي؟

**رمضان في هذه الرقعة الجغرافية لا يختلف كثيرا عن باقي ربوع الوطن. وأهم ما يميزها هو التآم العائلة حول مائدة الإفطار. إضافة إلى الاحتفاء بالأطفال الصغار باقتناء الألعاب والملابس الجديدة. أما ليلة القدر فلها طعم خاص في هذه المنطقة، حيث تمتلئ المساجد في جو احتفالي يتم فيه التداول بين الصلات وإعداد الشاي  وتوزيع الحلويات والتمور على المصلين، أما النساء فيتكلفن بإحضار أطباق من الكسكس إلى المسجد، ويتم ذلك في جو من المرح تتخلله دردشات بين الشباب يختلط فيها الجد والهزل. كما أن مدن هذه المنطقة تعرف طفرة جمعوية وثقافية منقطعة النظير. وليالي رمضان يميزها تنظيم محاضرات وتظاهرات ثقافية وكذا مقاهي أدبية.