استهداف الجنود النيجريين والتشاديين التابعين للقوات الأممية في مالي “منيسما” بشكل أساسي من قبل المجموعات المسلّحة المتمركزة شمالي البلاد، مؤخرا، يعكس في عمقه أهداف الأخيرة، والرامية إلى إلحاق أكبر قدر ممكن من الأضرار بهذه القوات التي تشكّل العمود الفقري للبعثة الأممية، وتأليب الرأي الوطني في بلدانها من أجل خلق ضغط يدفع، في مرحلة موالية، نحو إجبار الحكومتين النيجرية والتشادية على سحب قواتها من بعثة “المنيسما” الدولية، بحسب مطّلعين وخبراء في شؤون الشمال المالي.
سياق الأحداث كان له أيضا دور في تواتر الهجمات على الـ “منيسما”، فالهجوم “الأكثر دموية” و “الأكثر فتكا”، على حدّ تعبير مسؤول أممي، والذي أودى، الجمعة الماضية، بحياة 9 جنود نيجريين، جاء بالتزامن مع الحرب التي يشنّها التحالف الدولي ضدّ تنظيم “الدولة” (داعش)، وبصورة أدقّ، بعد شهر تقريبا من بدء الغارات الجوية الأمريكية على مواقع هذا التنظيم داخل الأراضي العراقية، وأكثر من أسبوعين من بدئها في سورية.
وبإعلان جهادي مقرّب من جماعة “التوحيد والجهاد في غرب افريقيا” (ميجاو)، أمس الأول الاثنين، مسؤولية الجماعة عن الهجوم الذي استهدف القوات النيجرية التابعة للقوات الأممية، تكتمل العناصر التي تقود نحو تحقيق هدف المجموعات المسلّحة المسؤولة عن الهجوم، خصوصا وأنّ حركة “التوحيد والجهاد في غرب افريقيا” تعدّ موالية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، وكانت من المجموعات التي سيطرت على شمال مالي طيلة سنة تقريبا (2012- 2013)، قبل ان تدحر جزئيا اثر تدخل عسكري دولي في يناير/ كانون الثاني 2013. كما نقلت تقارير صحفية عن قادتها تأييدهم لـ”داعش”.
المستشار حول المسائل الأمنية في الشمال المالي ومنطقة الساحل والصحراء “ألفا لي”  ، وهو أيضا كاتب بالصحافة المالية، قال، في تعقيب عن الموضوع، إنّ “التشاديين (التابعين للقوات الأممية) ساهموا بشكل كبير في تحرير شمالي مالي، وبرهنوا على تمتّعهم بمواصفات قتالية هائلة. وفي المنيسما، لا توجد الكثير من القوات القادرة على إدارة المعارك في الصحراء مثل التشاديين والنيجريين. ومن هذا المنطلق، فإنّ الهدف من تلك الهجمات هو إلحاق أكبر قدر من الأضرار بهذه الوحدات العسكرية، بغية الضغط على الرأي العام في بلدانها، ودفعه نحو المطالبة بانسحابها”.
تحليل لا يذهب بعيدا عن واقع الحال، ففي 20 سبتمبر/ أيلول الماضي، اتّهمت تشاد، في بيان حكومي، بعثة الأمم المتّحدة في مالي “منيسما”، باستخدام قواتها “كدرع″، وذلك عقب مقتل 10 من جنودها، في ثلاثة أسابيع، شمالي مالي، وطالبت بمعاملة عادلة ومنصفة لجميع الجنود العاملين ضمن هذه العملية (العسكرية)”.
غير أنّ الهجوم الذي شكّل علامة فارقة في تاريخ “منيسما” منذ انتشارها في مالي، في الأوّل من يوليو/ تموز 2013، يبقى ذاك الذي أودى، الجمعة الماضي، بحياة 9 نيجريين، في كمين على مستوى محور “ميناكا – أنسونغو” بمنطقة “عاو” (شمال).
ووفقا لأحدث التقارير الصادرة، في سبتمبر/ أيلول الماضي، عن الأمم المتحدة، حول الوضع في مالي، فإنّ “أفراد البعثة الأممية في مالي تعرّضوا إلى 27 هجوم، خلال الفترة الفاصلة بين 27 مايو/ أيار و15 سبتمبر/ أيلول”، قبل الهجوم الذي أسفر، في 18 من الشهر نفسه، عن مقتل 5 جنود تشاديين، جرّاء انفجار لغم أسفل سيارتهم”.
التقرير نفسه أشار إلى أنّ بعثة المنيسما في مالي تعدّ حوالي 9 آلاف و300 شخص، بينها ألف و211 تشاديا، و868 نيجريا، ويتمركز معظمهم في مناطق الشمال، إلى جانب جنسيات أخرى  - أقل عددا – نيجيرية وبوركينية وتوغولية وسنغالية، منتشرة بالأساس في مناطق “غاو”، “كيدال” و”تيساليت” وتمبكتو”، وفي المخيمات الواقعة في مختلف القرى المالية. ومن هنا، فإنّ الثقل الذي تمثّله القوات التشادية والنيجرية يعتبر هاما بالنسبة لأهداف البعثة الأممية. وفي المقابل، فإنّ انسحابها لن يشكّل خسارة المنيسما “لمقاتليها الأكثر حنكة” فحسب، وإنما سيكون بمثابة “الانتصار” بالنسبة للمجموعات المسلّحة، بحسب “ألفا لي”.
أحد ضبّاط القوات المسلّحة في مالي، رأى من جانبه، أنّ “هذا الهجوم (الأخير) يندرج أيضا في سياق دولي يتزامن مع الإعلان عن حرب دولية ضدّ الجهادية، وتحديدا ضدّ “داعش”، فعلى غرار التحالفات التي تقيمها الدول لمحاربة الجهادية في كلّ مكان، يجنح المنطق لدى المجموعات الجهادية نحو الارتكاز على أسس أكثر شمولية، تبيح قتال القوات الدولية أينما تواجدت”.
وفي تصريح للاناضول، خلص الضابط، مفضلا عدم الكشف عن هويته، إلى أنّ “المنيسما ليست بصدد دفع فاتورة الحرب التي يقودها التحالف الدولي ضدّ داعش فحسب، وإنّما هي بصدد تسديد تكاليف النقص اللوجستي الذي تعاني منه”.
وأوضح المصدر نفسه هذه الجزئية الأخيرة قائلا “الكلفة تدفع بشكل آني وفوري  في مثل هذه المهام، والدليل على ذلك أنها (المنيسما) فشلت في الانتشار بمناطق الشمال المالي وفقا لمقتضيات مهامها، وهذا عائد إلى النقص الحاصل على مستوى الوسائل اللوجستية المرافقة لعملية الانتشار، وخصوصا ما يتعلّق منها بالمراقبة الجوية والمدرّعات”، لافتا إلى ضرورة تعزيز النظام اللوجستي للبعثة الأممية، وتجميع الوسائل على الأرض، بشكل يتيح لمختلف القوات على الأرض من العمل بشكل متناغم ومتكامل.
ومضى يقول “ينبغي الحرص على توفير المزيد من التكامل والتماسك بين قوات المنيسما والعملية الفرنسية “برخان” (العملية العسكرية التي تسلّمت المشعل عن “سرفال” في مالي)، فهذا الأمر سيكون بمثابة الضامن للكفاءة في الجبهة، ولكن أيضا للأمن بالنسبة للجنود”.
أما “ألفا لي”، فختم حديثه للأناضول، قائلا “هذا الهجوم مثير للرعب، لأنه الأوّل من نوعه الذي يستهدف المنيسما في منطقة غاو.. قبل ذلك، اقتصرت الهجمات (على البعثة الأممية) على مناطق تمبكتو وكيدال.. كما أنّ مهاجمة قافلة (عسكرية أممية) على محور برّي بتلك الأهمية في شمال البلاد (محور ميناكا – أنسونغو)، دليل على أنّ الإرهابيين أعادوا تنظيم صفوفهم، واستعادوا اعتدادهم بأنفسهم”.