يقول تقرير الإندماج المغاربي لعام 2020 الصادر عن المعهد المغربي لتحليل السياسات تحت عنوان الشراكات الاقتصادية بديلا عن الجمود السياسي، أن المنطقة المغاربية تمثل أحد المناطق الأقل اندماجا في العالم اقتصاديا. إذ تسجّل نسبة التبادلات التجارية داخل المنطقة أقل من 5 في المائة من إجمالي التجارة الخارجية للبلدان المغاربية، وهي نسبة أقل بكثير من جميع الكتل التجارية الإقليمية الأخرى في جميع أنحاء العالم، واعتبر التقرير أن لذلك تأثيرات سلبية كبيرة.

من جانبه أصدر صندوق النقد الدولي تقريرا تحت عنوان الاندماج الاقتصادي في المغرب العربي مصدر للنمو لم يستغل بعد، مبينا ان بلدان المنطقـة حققت فرادى تقدما كبيرا في التجـارة، لكنهـا لا تزال الأقل اندماجـا علـى مسـتوى العالم، حيـث تبلـغ تجارتها البينية أقـل مـن 5 %مـن التجـارة الكليـة في بلدان المغرب العربي، وهـو أقـل بكثيـر مـن المستوى المسجل في كل الكتل التجارية الاخرى حول العالم.

كما ذكر تقرير الصندوق انه "حتـى يتحقق اندماج دول المغرب العربي اقتصاديا من الضروري التخفيض من حواجز التجارة والاستثمار وربط شبكات البنية التحتية فيما بينها، بالاضافة الى تركيز الجهود على تحرير أسواق السلع والخدمات ورأس المال والعمل. اضافة الى ضرورة الازالة التدريجية للحواجز البينية وإقامة بنية تحتية اقليمية وتحسين مناخ العمل".

وأشار التقرير الى العديد من الاسباب التي ساهمت في ضعف الاندماج الاقتصادي لعل اهمها السياسات التجارية والاستثمارية التقليدية والحواجز التجارية والجمركية وعدم كفاية البنية التحتية وتركيز الاهتمام نحو أوروبا والتوجه الجديد الى التنويع التجاري نحو دول إفريقيا جنوب الصحراء وصعود الصين كسوق لصادرات المغرب العربي، وضعف شـبكة النقـل البـري والجـوي الإقليمية دون اعتبار تعدد نقاط التفتيش على الطريق والتأخر عند المعابر الحدودية وتعطل اجراءات التخليص.

 ومع تصاعد التوترات بين المغرب والجزائر وأزمة فتح وإغلاق المعابر الحدودية بين تونس والجزائر أثيرت تساؤلات كثيرة حول مآل العلاقات الاقتصادية والمبادلات التجارية بين البلدان الشقيقة.

تعتبر ليبيا ثاني شريك اقتصادي لتونس بعد الاتحاد الأوروبي بحجم مبادلات تفوق 500 مليون دولارا، كما كانت تحويلات قرابة 150 ألف تونسي كانوا يشتغلون في ليبيا تبلغ قبل سنة 2010 نحو 60 مليون دينار تونسي في الشهر. وقد كشف تقرير حديث للبنك الدولي أن تونس تخسر نحو 800 مليون دولار سنويا كتأثير مباشر للأزمة الليبية بين استثمارات وصادرات.

ومع الاستقرار النسبي للأوضاع بليبيا انتعشت المبادلات بين البلدين حيث أكّد رئيس المجلس البلدي بمدينة بنقردان فتحي العبعاب، في تصريحات صحفية سابقة،عودة النشاط التجاري بين تونس وليبيا إلى مستويات عالية منذ تحسن الأوضاع بليبيا مفيدا أن ما بين 300 و400 شاحنة سلع تعبر يوميا من الجانب التونسي نحو السوق الليبية، معتبرا أنّ كلّ المؤشرات إيجابية وأنّها تُنبئ بعودة قوية للعلاقات التجارية بين البلدين في ظرف وجيز. لكن مع غلق المعابر الحدودية بين البلدين عادت الإنتكاسة إلى تدفق السلع حيث تعطّل مرور عدد كبير من الشاحنات بين البلدين.

وقد أكد رئيس مجلس الأعمال التونسي الأفريقي أنيس الجزيري، أن إغلاق الحدود مع ليبيا بقرار تونسي أثر سلبا على مئات المؤسسات الاقتصادية من الجانبين، داعيا إلى فهم تأثير ذلك على المؤسسات والاقتصاد. وقال الجزيري في تصريح إعلامي إنه يتعين على الجانبين التونسي والليبي محاولة إيجاد حلول فورية للسماح بمرور البضائع عبر المعابر البرية بين البلدين مع المسافرين. وأشار الجزيري إلى أن إغلاق الحدود يؤثر على المصالح الاقتصادية والتبادل التجاري بين البلدين الجارين.

أما التوتّر الحاصل في العلاقات الجزائرية المغربيّة والذي أدّى إلى القطيعة بين البلدين فإنه يؤثر أساسا وبشكل كبير على المعاملات التجارية والعلاقات الاقتصادية بين البلدين وأهمها خط أنابيب الغاز الجزائري الذي يربط الجزائر بإسبانيا عبر المغرب، ويعتبر إحدى المصالح الاستراتيجية التي تجمع البلدين المتجاورين، وتم إنجاز هذا المشروع في 1997، بتكلفة استثمارية تبلغ 2.3 مليار دولار، خصص منها قرابة 900 مليون دولار للشطر البري الممتد في المغرب ومضيق جبل طارق، ويمتد على طول 2136 كيلومتراً، انطلاقاً من الصحراء الجزائرية.

وإذا قررت الجزائر عدم تجديد العقد الذي سينتهي أواخر شهر أكتوبر القادم، فإن المغرب سيفقد العديد من المزايا التي كان يتمتع بها مقابل رسوم العبور، وبموجب الاتفاق المبرم بين كل من إسبانيا والجزائر والبنك الأوروبي للاستثمار، تحصل الرباط بدل الرسوم الضريبية على 10 في المئة من عائدات الغاز الجزائري المسال في الأنبوب العابر للتراب المغربي، وتقدر كمية الغاز بحوالي 20 مليار متر مكعب سنويا، أي أن نصيب المغرب يقارب مليارا ونصف مليار دولار سنويا، وهوما سيجعلها في حاجة أيضا  لنحو مليار متر مكعب سنويا من الغاز لسد حاجات مصانعه وحتى إنتاج الطاقة الكهربائية التي أصبحت مرتفعة.

أما سلسلة الصادرات المتبادلة بين البلدين فهي ثاني قطاع اقتصادي سيتضضرّر جراء هذه القطيعة حيث تصدر المغرب إلى الجزائر ما قيمته 173.6 مليون دولار في عام 2018، وتراجعت هذه القيمة في 2019 لتصل إلى 159 مليون دولار، واستمرت في التراجع خلال عام 2020 لتبلغ 133.8 مليون دولار. وكان الحديد والصلب أكثر المنتجات المصدّرة من المغرب إلى الجزائر خلال عام 2020 بإجمالي 38.3 مليون دولار، يليها منتجات الأسمدة بإجمالي 18.3 مليون دولار ثم اكسسوارات الملابس بإجمالي 16.4 مليون دولار.

فيما بلغ إجمالي صادرات الجزائر إلى المغرب في عام 2018 نحو 742 مليون دولار، لتتراجع قيمة الصادرات في 2019 إلى 515 مليون دولار، وكذلك عام 2020 لتسجل 433.4 مليون دولار.وتعتبر منتجات الوقود والزيوت المعدنية الأكثر تصديرا من الجزائر إلى المغرب خلال عام 2020 بإجمالي 368 مليون دولار، يليها الفواكه والمكسرات بإجمالي 29 مليون دولار، ثم منتجات الكيميائية العضوية والغير عضوية بإجمالي 16.6 مليون دولار.

يعتبر الخبراء الدوليين في دراسة لصندوق النقد الدولي أن اندماج دول المغرب العربي يمكن أن يخلـق سـوقا إقلميـة تشـمل قرابـة 100 مليـون نسـمة يبلـغ متـوسـط دخلهـم حـوالي 4 آلاف دولار أمريكـي للفـرد بالقيمـة الإسمية وحـوالي 12 ألـف دولار علـى أسـاس تعادل القوى الشرائية. ومـن شـأن هـذا أن يزيـد جاذبيـة المنطقـة كوجهـة للإستثمار الأجنبي المباشر، ويخفـض تكاليـف حركـة التجـارة ورأس المال والعمالة عبـر بلدانهـا ويعزز كفاءة تخصيص الموارد. ومـن شـأنه أيضـا أن يُكسِـب المغـرب العربـي مزيـدا مـن الصلابة في مواجهـة الصدمـات الخارجيـة وتقلـب السـوق. لكن هذا الحلم المؤجل لاتحاد المغرب العربي الذي تعزّزه التوترات المتتالية بالمنطقة تزيد من تعميق الهوة الاقتصادية والمبادلات التجارية للبلدان الشقيقة بالمغرب العربي.