التوقيع على اتّفاقية السلام بين الحكومة المركزية في باماكو والمجموعات المسلحة المتمركزة شمالي مالي، المنتظر، في وقت لاحق من اليوم الجمعة، لن يضع نقطة النهاية للأزمة، لأنّ ما يهمّ في واقع الأمر، هو "ما بعد عملية التوقيع هذه، والتحدّيات التي تطرحها، والتي ستقرّر انفراج الوضع من عدمه"، بحسب الباحث الفرنسي آلان أنتيل.

المسؤول عن ملف إفريقيا-جنوب الصحراء بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية في باريس، أوضح، في تصريح هاتفي للأناضول، أنّ "الوضع في شمالي مالي لا يزال هشّا، رغم التوقيع المنتظر لاتفاق السلام، خصوصا وأن بعض قواعد تنسيقية الحركات الأزوادية (تضم المجموعات المسلحة الطوارق في الشمال) لا تزال تعارض هذا التوقيع، وهو ما يدفع بقوة إلى فرضية حدوث انقسامات داخلية، تنتهي بإنشقاق بعض المجموعات المنضوية صلب التنسيقية، وتشكيل حركات مستقلّة"، لافتا إلى أنّ هذه النقطة تشكّل أولى التحدّيات المتعلقة بمرحلة ما بعد التوقيع.

وأشار الباحث الفرنسي إلى أنّه "ورغم عدم اقتناع جميع أطراف النزاع في مالي بفحوى الاتفاق، إلاّ أنّها تفضّل أو تميل إلى توقيعه بدلا من مقاطعة محادثات جارية بهذا الصدد منذ 8 أشهر".

أنتيل أشار إلى تحد ثان يتمثل في أنّ توقيع الاتّفاق "يفتح المجال أيضا أمام ظهور خلافات أكثر عمقا بين السلطات في باماكو والمجموعات المسلّحة في الشمال"، ما يعني أنّ مستقبل المنطقة سيكون رهين مدى تفعيل بنود الاتفاق، وهو ما يشكّل التحدّي الثاني المطروح على مالي إبان توقيع اتفاق السلام"، موضحا أنّ "مضمون الاتفاق مرضي للغاية، لكن ينبغي، في المقابل، تطبيق بشكل جيّد".

جزئية جديرة بالإهتمام بحسب الباحث الفرنسي، والذي أكّد أنّ "الاتفاقيات الجيّدة، حين لا تحظى بتطبيق على نفس القدر من الجودة، فإنّ قيمتها تتلاشى تماما"، من ذلك "اتفاق السلام الموقع في 1991 بين سلطات مالي والمتمرّدين الطوارق شمالي البلاد، والذي نصّ على العديد من الإصلاحات أبرزها اللامركزية، غير أنّ هذا البند لم يفعذل قط لتلبية تطلعات السكان المحليين، بما أنّهم لم يحصلوا أبدا على استقلاليتهم المالية، وظلوا في تبعية أزلية لباماكو".

أما التحدّي الثالث، فيهمّ النزاعات المحلية التي تغذيها الأطماع المادية، وتتسبب في زعزعة استقرار منطقة الشمال. وبحسب الباحث الفرنسي، فإنّ "الصراع بين المجموعات الانفصالية والجماعات الموالية للحكومة عمّقت من النزاعات المحلّية، وأجّجت، إلى حدّ كبير، حالة الفوضى وانعدام الأمن في شمالي مالي، وعزّزت عناصر الصراع حول الأراضي ونقاط الوصول إلى المياه، أو مراقبة مسالك التهريب الرابطة بين المجموعات المسلّحة".

تنسيقية الحركات الأزوادية التي تضم المتمردين الطوارق شمالي مالي، أكدت أمس الأول الأربعاء، في بيان حمل توقيع رئيس خلية اتصالاتها، موسى أغ أشاروتومان، أنها "ستوقّع بالأحرف الأولى" الخميس، في العاصمة الجزائرية، اتفاق السلام والمصالحة في مالي، وهي الوثيقة نفسها التي وقعتها باماكو وحلفاءها في مارس/ آذار الماضي.

بيد أنّ المصادقة على الاتفاق لا تلزم، وفقا للبيان نفسه، التنسيقية بالتوقيع النهائي عليه، والمقرر لليوم الجمعة، و"هذا القرار يأتي عقب الإلتزامات التي تعهّدت بها الوساطة الدولية، وقبلتها مالي، لبدء مناقشات بخصوص مطالب وملاحظات تنسيقية الحركات الأزوادية إثر المصادقة وقبل التوقيع على الوثيقة النهائية لاتفاق السلام"، موضحا أنّ النقاشات ستتمحور حول "طرق تفعيل الاتفاق".

ووفقا لوسائل الإعلام المحلّية، قال وزير خارجية مالي، عبدولاي ديوب، أنّ "حفل توقيع اتفاق السلام والمصالحة الوطنية سينتظم الجمعة في باماكو"، ومن المنتظر أن تتخلل الحفل تصريحات لممثلي المجموعات المسلحة في الشمال، بينها تنسيقية الحركات الأزوادية، بحسب برنامج الحفل.

وتضم التنسيقية 3 حركات تمثل المتمردين الطوارق والعرب شمالي مالي، وهي: "الحركة الوطنية لتحرير أزواد"، و"المجلس الأعلى لوحدة أزواد"، وجناحًا من"حركة أزواد العربية".

وأعلنت الوساطة الدولية في أزمة مالي بقيادة الجزائر في شهر أبريل/نيسان الماضي، تحديد اليوم الجمعة، لتوقيع اتفاق السلام بين الحركات المتمردة في الشمال والحكومة، بالعاصمة باماكو، وذلك بعد مفاوضات احتضنتها الجزائر ودامت أكثر من ثمانية أشهر.

وكانت التنسيقية تحفظت على نص اتفاق السلام بعد إعدادها في شهر مارس/ آذار الماضي، وطالبت بإدخال تعديلات أساسية على مضمونها تخص الاعتراف بإقليم أزواد ككيان جغرافي وسياسي منفصل عن مالي، وكذلك تأسيس برلمان محلي لمناطق الشمال، وتخصيص 40 % من ميزانية دولة مالي لتنمية مناطق الشمال طيلة20 سنة، إلى جانب تخصيص 80 % من مناصب الأجهزة الأمنية في الشمال لأبناء المنطقة.

ويستبعد مشروع اتفاق السلام الذي أعدته الوساطة الدولية أي مشروع استقلال لمناطق الشمال، حيث ينص على أن الأطراف الموقعة تلتزم بـ "احترام الوحدة الوطنية والترابية وسيادة دولة مالي وكذا طابعها الجمهوري والعلماني" على أن تستفيد مناطق الشمال من "بنية مؤسساتية وتنموية تسمح لسكان الشمال بتسيير شؤونهم على قاعدة مبدأ التسيير الحر وضمان تمثيل أكبر لهم على المستوى الوطني".

كما تلزم الوثيقة التي اطلعت عليها وكالة "الأناضول" سلطات باماكو بـ"اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل تعديل دستوري والإجراءات التشريعية والتنظيمية اللازمة لتطبيق مضمون الاتفاق".كما ينص في المحور الخاص بالأمن والدفاع على تشكيل لجنة مشتركة بين الحكومة المالية وحركات الشمال من أجل بحث عملية نزع السلاح من الحركات العسكرية في المنطقة مباشرة بعد توقيع الاتفاق، على أن تستمر العملية سنة على أقصى تقدير، في الوقت الذي يقوم فيه الجيش الحكومي بالانتشار في المنطقة، إلى جانب إدماج الحركات العسكرية في الشمال في صفوف الجيش أو منحهم مناصب مدنية حسب رغبتهم.