يمثّل الاستغلال الغربي لإفريقيا حلقة من حلقات سلسلة قاتمة لا تنتهي، استغلال للبشر والثروات، استغلال يمثّل العبودية بأبشع صورها، ووسائله في ذلك الثالوث القاتل: «التنصير» و «المساعدات الإنسانية» و «الاستعمار».

ثلاثة أوجه كالحة لعملة واحدة, وإن اختلفت في الوسائل فإنها تتفق في الأهداف والغايات, فبعضها مكمّل لبعض, بل بعضها توطئة لبعضها الآخر, ولا تستطيع أن تحدد بدقة أيّها بدأ أولاً, أهو الاستعمار أم المساعدات أم التنصير أم العكس!

لكي يأكل الإفريقي أو يتطبب أو يعيش فلا بد أن يقبل النصرانية، وإذا قبلها أصبح ترساً في آلة الاستغلال البشع.. وإذا اُحتلت دولة أو وقعت تحت ضغط استعماري فُتح الطريق لمنظمات التنصير لتنال منها بغيتها، وما يحدث في دارفور خير مثال, وعندما تفطنت حكومة السودان طردت كثيراً من هذه المنظمات.

ومن ناحية أخرى؛ لم يكد الاحتلال الغربي يحمل عصاه ويرحل عن إفريقيا حتى نصب خلفه أنظمة تأتمر بأمره, وتقتفي خطاه في استغلال البلاد والعباد بمسلسل انتهازي لم تنته حلقاته بعد.

فدولة مثل النيجر, ثالث أكبر منتج لليورانيوم في العالم بعد كندا وأستراليا(1), تجثم فرنسا على صدرها مخلّفة وراءها دولة من أفقر دول العالم, ولم تترك للنيجر شيئاً حتى الفتات لتتقوى به على النهوض من كبواتها ومجاعاتها.

والأمثلة كثيرة تربو على الحصر، ففي كل دولة كارثة أو كوارث على هذه الشاكلة، فلا يجني الأفارقة من ثروات بلادهم إلا القهر والشقاء!

واستنزاف ثروات إفريقيا لا ينقطع, وهو شاخص للعيان, حتى الأفارقة أنفسهم يتنادرون على حالهم, فأين نصيب التنمية في إفريقيا التي تُعد من أغنى القارات من حيث الإمكانات والخامات..!

وما نشر الأمراض, وتحويل الأفارقة إلى عالة على غيرهم, وإفقارهم بجميع الوسائل, وتدمير أي نهضة بادية في الأفق؛ إلا نقطة في بحار العبودية المعاصرة التي لا يستطيع الإفريقي أن ينفك عنها, فهو عامل عند سيده الغربي, لا ينال منه شيئاً حتى الفتات، فهو يعمل بلا انقطاع مقابل لا شيء, ثم سيده لا يتركه بعد ذلك, فهو يستنزفه ولا يترك له فرصة للنهوض؛ إذ يكبّله بالديون والأمراض والفقر والجهل, استنزاف لم تر البشرية مثله قط!

ومن أخطر الحلقات التي يلفها الغربي حول عنق الإفريقي ما يُسمّى بـ «المساعدات الإنسانية», فهي مساعدات ليس لها من اسمها نصيب إلا تدمير مقوّمات الإنسان الإفريقي وتحطيمه.

ولم يكد الإنسان الإفريقي يرفع عن كاهله همّ العبودية والاحتلال، حتى أنعم عليه السيد الغربي بجديد ابتكاراته.. بأغرب ما أنتجته عقلية البشر من صنوف الاستغلال والاستعباد «الشركات متعددة الجنسيات» التي تمثّل الحلقة الأقوى في مسلسل الاستغلال والنهب المنظّم والمقنّن.

فاستنزاف الثروات لأبعد مدى هو هدف هذه «الشركات» التي لا تنظر إلى إفريقيا إلا بوصفها منجماً، تسرق منه كل ما فيه, ولا تترك لأصحابه شيئاً, ولا ينال الأفارقة من كل ذلك إلا العبودية والمهانة, وإذا أرادوا ثرواتهم فهي ترد إليهم مصنّعة وبأعلى الأسعار عن طريق هذه «الشركات»، وليس ذلك فقط بل ترسل إليهم نفايات التصنيع ومخلفاته الضارة بالبيئة - عبر اتفاقات سرية - لتُدفن في أرضهم أو تُلقى في بحارهم وأنهارهم!

حقاً إنه استعباد الأحرار في أوضح صوره, ولم ولن ينقطع حتى يستفيق الأفارقة وينهضوا بأممهم معتمدين على أنفسهم, وعلى سواعدهم وإمكاناتهم.

ليست كل الدول التي تدخل إفريقيا لها الأهداف الاستعمارية السابقة نفسها, فلكل دولة هدف من وراء تدخّلها، ويمكن حصر صور التداعي والاستغلال في ثلاث صور، كالآتي:

- التدخّل ومحاولة السيطرة الواضحة: وهذه الصورة تمثّلها دول مثل: أمريكا – إسرائيل – إيران - الاتحاد الأوروبي - روسيا.

- التداعي الناعم: بهدف استغلال الثروات, وتعميق النفوذ الخفي، مع تقديم بعض الخدمات للأفارقة، وهذه الصورة تمثّلها دول مثل: الصين – الهند - كوريا.

- الشراكة: وهي إعطاء مساحة أكبر للدول الإفريقية، مع محاولة عمل تنمية حقيقية فيها، وتمثّلها دول مثل: تركيا – ماليزيا – السعودية - ودول الخليج.