تستمر الجرائم التركية ضد العديد من بلدان المنطقة، وذلك عقب تدخلها في سوريا، ومحاولات زعزعة استقرار العراق، ظهرت تركيا في بلد جديدة وهي ليبيا، بل وصل الحال إلى تهديدها للجيش الوطني الليبي بالرد على أي هجوم يستهدف مصالحها على الأراضي الليبية، وهو ما يعد خرقا واضحا للأعراف الدبلوماسية والقانون الدولي.

إذ بات التدخل التركي المباشر في الأزمة الليبية يتم علانية ويتخذ أشكالا سافرة تتقاطع مع القرار الأممي بالحد من مثل هذه التدخلات الخارجية، خاصة تسليح الفصائل الليبية المسلحة والجماعات الإرهابية.

تساؤلات عديدة أثيرت خلال الفترة الأخيرة حول حجم الدعم العسكري الذي تقدمه أنقرة لحكومة الوفاق الوطني التي تتخذ من طرابلس مقرا لها، حيث تضمن هذا الدعم شحنات مركبات مدرعة وطائرات عسكرية بدون طيار، فضلا عن مرتزقة يحاربون ضد الجيش الوطني الليبي.

ففي 29 يونيو المنصرم، أسقطت قوات الجيش الوطني الليبي طائرة تركية الصُنع استخدمها الإرهابيون في قتالهم مع الجيش في غرب البلاد، لترد الخارجية التركية في اليوم التالي ببيان هددت فيه رسميًا بشن حرب على ليبيا من أجل إنقاذ الميليشيات الإرهابية التي تقاتل من أجل أردوغان وأحلامه التوسعية في الشرق الأوسط، إلا أن التهديد التركي لم يمر مرور الكرام، وخرج المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي ليرد عليه بقوة، مشددًا على أن كل الاحتمالات مفتوحة.

البيان التركي زعم اختطاف قوات الجيش الليبي 6 أتراك في ليبيا، مطالبًا قوات القائد العسكري الليبي خليفة حفتر بأن يفرج عن المواطنين الأتراك المحتجزين "في أسرع وقت ممكن"، مضيفًا: "حالة عدم حدوث ذلك ستعتبر قوات حفتر هدفا مشروعا للجيش التركي".

الجيش الليبي سبق، قبل إسقاط الطائرة التركية، اعتزامه شن هجمات على السفن التركية التي تدخل المياه الإقليمية الليبية، واعتبار المصالح التركية في البلاد بمثابة أهداف مشروعة، فيما رد وزير دفاع أردوغان خلوصي آكار بأن أنقرة سترد على أي هجوم من جانب قوات الجيش الليبي.

من جانب آخر، الجيش الوطني استهدف أيضا في غارة طائرة شحن تركية من طراز إيل يوشن، على متنها ذخائر وأسلحة تركية.

إعلان الجيش الوطني حمل في طياته، توثيقا جديدا ضد أنقرة، فالقصف الذي طال القاعدة، نجح في تدمير طائرة شحن تركية كانت محملة بشحنة كبيرة من الأسلحة والذخائر، كان من المفترض أن تصل إلى قبضة الميليشيات الإرهابية.

فالطائرات المسيرة تدار بإشراف فرق عسكرية تركية تقوم أنقرة بإرسالها إلى ليبيا، وهو ما كشفته وثائق ليبية سابقة أكدت وجود عسكريين أتراك بإشراف جنرال كبير على الأراضي الليبية لهذه المهمة.

في نفس الإطار، تعتبر السفن التركية التي ضبطت بالقرب من السواحل الليبية في طرابلس سفنا محملة بأطنان من الأسلحة والذخائر، وجهتها دوما واحدة: ميليشيات الإرهاب والمرتزقة على الأراضي الليبية حيث إن هذه المعطيات محفوظة في سجلات الأمم المتحدة.

وقد نشر موقع "تايم ترك" الإخباري التركي، تقريرًا بتاريخ: 24 فبراير 2011، أي بعد أيام قليلة من اندلاع الأحداث في ليبيا، يتحدث فيه عن عملية سرية داخل الأراضي الليبية، نفذتها وحدة "العمليات خارج الحدود" تابعة لجهاز الاستخبارات التركية، مشيرًا إلى أنها أخفقت فيها.

موقع "إندبيندنت" في نسخته التركية، نشر مقالًا للكاتب جلال الدين جان، في 21 مايو 2019، بعنوان: "هل العثمانلي الجديد يتجه نحو نهاية حلم الإمبريالية السفلية؟"، أوضح الكاتب أن الحكومة التركية، حملت، مع اندلاع الشرارة الأولى للربيع العربي، على عاتقها مهمة حماية الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، إلا أنها انسحبت من هذه المهمة بعد تحذيرات من الإدارة الأمريكية، ولجأت إلى دعم الإسلاميين السياسيين في ليبيا من خلال جهاز استخباراتها.

تعتير التجارة هي أحد أهم الأسباب وراء تدخل أنقرة في ليبيا، كما يقول أويتون أورهان من مركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الوسط. "منذ حقبة القذافي كان الكثير من الشركات التركية يعمل في ليبيا. لكن بعد الحرب الأهلية خسرت ليبيا من أهميتها الاقتصادية وبالتالي تراجع الاهتمام بالاستثمار". وهذا يتغير ببطء.

لكن بعض المهتمين بالملف الليبي ينطلقون من نظرية أن دوافع إيديولوجية هي التي توجد في الواجهة بالنسبة إلى أنقرة. ويبدو أن تركيا ساندت في الحرب الأهلية مجموعات مقربة من حركة الإخوان المسلمين.

نهاية، حزب الرئيس أردوغان يعيش أزمة داخلية خانقة بعد خسارة بلدية اسطنبول لصالح المعارضة وهو مركز ثقل الحزب الذي انطلقت منه الحياة السياسية له لذلك فإن خسارة النفوذ في ليبيا بهزيمة الحلفاء متمثلين في الميليشيات التي تساندها لصالح الجيش يعتبر ضربة لتطلعات أنقرة التوسعية لذلك فهي نزلت بكل ثقلها في الساحة الليبية منتهكة قرار حظر الأسلحة لأنها تعي جيدا خطورة الموقف.