اختمت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني تقريرها حول حرب 2011 في ليبيا بإلقاء اللوم على قوات التحالف لتركيزها حصرا على "تغيير النظام بالوسائل العسكرية".

هذا غير دقيق ببساطة. والصدق يجبرنا على الاعتراف بأن معمر القذافي عُرضت عليه في كل مرحلة من مراحل الصراع فرص عديدة للتفاوض.

كان هناك خيار المنفى في زيمبابوي، الذي كُلف سيلفيو برلسكوني بعرضه يوم 27 مارس من ذلك العام. وكان هناك وعد قُطع بعدم مثول الديكتاتور أمام المحكمة الجنائية الدولية في وقت لاحق ، مقابل تنحيه.

وكانت هناك مهمة وساطة قام بها رئيس الوزراء الإسباني السابق خوسيه ماريا أزنار في يوليو ، وزيارة قام بها رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دو فيلبان إلى جربة في 19 أغسطس. وحتى في خضم ساعة الحسم، امتنعت طائرات التحالف عن ضرب موقع واحد : مهبط الطائرات الخاص في باب العزيزية المحصنة، والذي كان بإمكان الطائرة الخاصة للديكتاتور الليبي الإقلاع منه في أي لحظة.

لقد تم الإبلاغ عن هذه الوقائع والأحداث في ذلك الوقت. وهي تثبت أن قرار إجهاض الصراع وإخراجه من نقطة العبثية كان بيد القذافي ، القذافي وحده.

يلوم تقرير اللجنة الحلفاء على فشلهم في "تحديد الفصائل الإسلامية المتشددة بين المتمردين". وهذا أيضا غير دقيق. والحقيقة هي، أن خطر الإسلاميين كان يؤرق جميع الجهات الفاعلة في الملف.

مازلت أذكر كلام الرئيس الفرنسي حينذاك، نيكولا ساركوزي، محذرا المجلس الوطني الانتقالي في فندق كورنثيا في طرابلس يوم 15 سبتمبر: "فرنسا لم تفعل ما فعلته لتجد نفسها يوما ما أما ديكتاتورية أصولية من شأنها أن تكون أسوأ من القذافي".

والسؤال، في الواقع، لم يكن حول ما إذا كانت هناك جماعات إسلامية متطرفة في ليبيا، ولكن بالأحرى ، وبالنظر إلى أن هناك بالفعل إسلاميين موجودين، كيف يمكننا ضمان أن لا ينمو عددهم؟ وكيف يمكننا التأكد من أنهم لن يتغذوا على الشرارة الثورية؟

والجواب.. كان في الأساس، أنه كان علينا أن نراهن على المعتدلين بقدر ما نستطيع، وكان علينا أن نقلص ليس فقط المساحة العسكرية للمتطرفين ولكن أيضا المساحة السياسية المتاحة لهم. وبنشرالطائرات الفرنسية والأميركية والبريطانية والخليجية ، كنا ندحض حجة الإسلاميين - والتي كانت دائما تقول، دونما أساس، أنه في حرب الحضارات فإن الجانب الغربي يقف تلقائيا مع الطغاة ضد شعوبهم.

خمس سنوات خلت، وما زلت أعتقد أن هذا هو النهج الصحيح. لقد توقفت ليبيا عن التحول إلى سوريا أخرى. وهذا أحد الأسباب، الذي جعلت داعش - بعد ولادته بين بغداد ودمشق - يحاول الإقامة في ليبيا.. لم يرحب الليبيون به ولكن حملوا السلاح لمطاردته – مؤخرا من درنة، حاليا من سرت وقريبا ، كما يأمل المرء، من صبراتة.

وأخيرا، انتُقِد ساركوزي وكاميرون في تقرير اللجنة "لمبالغتهما" في الحديث عن التهديد الذي يشكله القذافي للمدنيين وتحركهما في البدء دون "التحقق من أن نظام القذافي يمثل تهديدا حقيقيا للمدنيين".

ومثل غيرها من "الحجج"، هذه ببساطة غير جدية. كيف يمكن التحقق من أنه لا يشكل "تهديدا حقيقيا"؟ لو كنا انتظرنا كما فعلنا في سوريا، لكان 100،000 شخص لقوا حتفهم - وربما 200000، 300000؟.

وهذه الدبابات التي رأيتها وصورتها في أوائل ابريل 2011 وهي تقترب من ضواحي بنغازي - هل كان من الأفضل السماح لها بالتهام المدينة بأكملها؟ ناهيك عن مصراتة. تخيل كيف سيرد الناجون من قصف ومذبحة تلك المدينة ، وطرقها التي حولت إلى رماد وركام، ومن تبقى من سكانها الذين فروا من القنابل ونيران القناصة، على الأسئلة والتساؤلات الغريبة للتقرير.

وقعت هذه المعركة في أبريل واستمرت عبر مايو – أي أسابيع وأشهر بعد تهديدات القذافي التي يقولون اليوم، داخل قاعات وستمنستر، إنه علينا أن نعتبر أنها كانت مجرد "خطاب"، ولا ينبغي أن تؤخذ "حرفيا". مصراتة، هي للأسف، دليل ضد اللجنة.

إلا إذا كان الأعضاء الكرام في مجلس العموم الذين يقولون إنهم يشكّكون في عزم القذافي على "تطهير" البلاد من "الجرذان" من خلال زيارة "بيت إلى بيت"، وإجراء عملية على غرار "تيانانمين"، طلبوا رؤية آخر صور التقطها المصوران الأميركيان الشجاعان تيم هيذرنغتون وكريس هوندروس قبل ساعات من قتلهما، في 20 ابريل نيسان، في وسط مصراتة.

القول إن الحلفاء فشلوا ، بعد الواقعة، أمر صحيح ومحزن: لقد فشلوا في أداء واجبهم لمساعدة ليبيا المحررة على بناء الدولة والمجتمع. حرب العراق تطارد لا شك قادة ديمقراطيات أوروبا، تشلهم وتمنعهم من الاستمرار مع دولة ناشئة في طريق طويل من البناء.

لكن التدخل في ليبيا في حد ذاتها: الاستجابة لنداء الشعب الذي قرر أنه لم يعد مسموحا للدكتاتور المجنون أن يتصرف كما كان على مدى السنوات الـ 42 الماضية ، والتحالف الذي تم إبرامه مع الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية (التي نسينا بسرعة كبيرة جدا، أنها كانت أول من دعا إلى استخدام القوة) ، وتنفيذ قرار الأمم المتحدة الذي اتخذه مجلس الأمن للمرة الأولى في التاريخ وفقا لمبدأ المسؤولية عن الحماية والشرعية، وتحديد نطاق ضيق للعملية بقواعد ملزمة للاشتباك في مناطق أمنية صارمة .. كل ذلك كان نموذجا عكس حالة العراق تماما. وسواء أحببنا ذلك أم لا، يعود الفضل الكبير في ذلك إلى بريطانيا وفرنسا.

*برنار هنري ليفي