تصدر الوضع الأمني في الجنوب الليبي واجهة الأحداث مؤخرا، بعد تجدد تصاعد وتيرةهجمات العصابات الأجنبية في المنطقة، وهو ما دفع مجلس النواب الليبي، للتنديد بما أ سماه انتهاك العصابات التشادية حرمة التراب الليبي، ودخول قواتها مناطق الجنوب، وممارستها عمليات النهب والخطف والقتل، فيما توعد فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني، باتخاذ ما وصفه بـ"إجراءات رادعة ضد المرتزقة والعصابات القادمة من خارج الحدود في جنوب البلاد.
وفي غضون ذلك، مازالت الأوضاع الأمنية المتردية تراوح مكانها في العاصمة طرابلس، مع إستمرار مسلسل الاغتيالات التي ينفذها مجهولون، حيث قتل أول من أمس اثنان من قوة الردع الخاصة التابعة لحكومة الوفاق، رمياً بالرصاص على يد مسلحين مجهولين في المدينة. وجاء ذلك بعد بعد إغتيال القيادي فى وزارة داخلية الوفاق وبجهاز الامن المركزي "خيري حنكورة"، على يد مسلحين مجهولين أمام بوابة فندق المهاري "راديسون بلو" وسط العاصمة طرابلس.
وعلى وقع هذه التعقيدات،تتسارع الجهود في محاولة لتحقيق توافق بين الفرقاء الليبيين،وإخراج البلاد من مربع الإنقسامات والصراعات والعمل على توحيد الصف الليبي بما يخدم مصلحة البلاد عموما.
** توحيد الجيش
واستؤنفت في القاهرة، الخميس، الجولة السابعة من مفاوضات توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، والتي تأتي في إطار سلسلة إجتماعات برعاية مصرية تهدف إلى توحيد المؤسسة العسكرية تحت قيادة واحدة، بما يجعلها قادرة على التعاطى بشكل إيجابى مع التحديات التى تواجهها الدولة الليبية حاليا ومستقبلا فى ضوء المخاطر المحدقة بها، وعلى رأسها خطر الإرهاب والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة.
وأكد الناطق باسم القيادة العامة للجيش الليبي أحمد المسماري،أن "المجتمعون أكدوا على ما جاء في الاجتماعات السابقة والتي اتفق فيها على أن القيادة العامة بقيادة القائد العام خليفة حفتر هي الواجهة الرئيسية للجيش الوطني الليبي، كما تم الاتفاق علي تشكيل المجالس القيادة الثلاثة وهي مجلس الأمن القومي ومجلس الدفاع الأعلى ومجلس القيادة العامة، كما اتفقوا على الهيكل التنظيمي والمهام والواجبات المناطة بكل مجلس من المجالس الثلاثة، وكذلك على بعض المقترحات الخاصة بمعالجة مشكلة المليشيات المسلحة المنتشرة في المنطقة الغربية".
وأشار المسماري إلى أنه "لم يتم مناقشة أي مستجدات أو مبادرة جديدة قدمها الجانب المصري مثل ما يشاع في وسائل الإعلام مثل تشكيل مجلس عسكري وطرح أسماء لعضويته.وكانت تقارير صحفية تحدثت عن مناقشة تشكيل مجلس رئاسة الجيش الموحد، وذلك بالتزامن مع أحاديث متداولة حول إنشاء مجلس قيادة عسكري".
وتأتي هذه لإجتماعات بمشاركة قيادات من شرق البلاد وغربها،ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط"،عن العميد محمد الغصري، الناطق السابق باسم وزارة الدفاع بحكومة الوفاق الوطني،قوله، إن قوات ممثلة للمجلس الرئاسي شاركت في الجولة، التي تجري برعاية اللجنة الوطنية المصرية المعنية بليبيا..
وأضاف الغصري، إن وفد العسكريين الممثل للمجلس الرئاسي "ضم مجموعة من ضباط المنطقة الغربية، برئاسة اللواء سالم جحا... ونحن في عملية (البنيان المرصوص) لم تصلنا دعوة للمشاركة في اجتماعات القاهرة... نحن كعسكريين نرحب بالجهود التي تبذلها القاهرة حالياً لتوحيد صفوف المؤسسة العسكرية الليبية".
ورأى الغصري في حديثه إلى "الشرق الأوسط"، أن "توحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا ليس أمراً صعباً، ومن الممكن إنجازه"، لكنه أوضح في المقابل أنه "يتطلب توحيد الرؤى والجهود لصياغة مشروع وطني، يستهدف الخير للبلاد".مشيرا إلى أن توحيد المؤسسة الليبية "مطلب كل عسكري في البلاد... وندعو الله أن تكلل الجهود الجارية في القاهرة بالنجاح".
ومنذ انطلاقها في سبتمبر/أيلول 2017 برعاية مصرية، نجحت جولات القادة العسكريين الليبيين في تقارب نسبي باتجاه توحيد الجيش،حيث إتفقت القيادات العسكرية الليبية على إعادة التأكيد على الثوابت الوطنية الراسخة للجيش الليبى، وعلى رأسها الحفاظ على وحدة وسيادة ليبيا ومدنية الدولة، وضرورة الابتعاد بالمؤسسة العسكرية الليبية عن أية استقطابات من شأنها التأثير بالسلب على الأداء الاحترافى والدور الوطنى للجيش الليبى.
** مؤتمر باليرمو
على صعيد آخر، تواصل إيطاليا، إستعداداتها لتنظيم مؤتمر دولي في نوفمبر المقبل يجمع الأطراف الليبية الفاعلة في المشهد السياسي من أجل الوصول إلى تسوية سياسية تنهي الأزمة التي حلت بالبلاد منذ سنوات. وتسعى إيطاليا إلى حضور دولي واسع لهذا المؤتمر حيث تواصل السلطات الإيطالية توزيع الدعوات والحشد لهذا المؤتمر الذي أعلن عنه رئيس الحكومة الإيطالية قبل أشهر عند مقابلته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وذكرت وكالة الأنباء الإيطالية "آكي"، مساء الخميس، أنّ المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل ستشارك في مؤتمر باليرمو ، بينما سيسعى رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي لحثّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الحضور إلى عاصمة صقلية، خلال زيارته موسكو في 24 الشهر الجاري.ونقلت الوكالة عن مصادر إعلامية إيطالية، ترجيحها أن يعلن الرئيسان الأميركي دونالد ترامب والفرنسي إيمانويل ماكرون المشاركة حيث سيتواجد كلاهما في باريس، عشية انطلاق المؤتمر الإيطالي، لإحياء ذكرى نهاية الحرب العالمية الأولى التي تصادف 11 نوفمبر.
ويأتي مؤتمر باليرمو بعد أشهر من اجتماع باريس في مايو الماضي، الذي يرى مراقبون أنه "تعثر بعد تنصل الأطراف الليبية من مخرجاته وعدم تنفيذ بنوده واعتماده على تواريخ محددة".وبالرغم من حديث إيطاليا عن توجيه دعوة للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، للمشاركة في المؤتمر،إلا أن التنافس بين الطرفين حول قيادة الملف الليبي كان واضحا التصريحات المتبادلة ووصل حد كيل الإتهامات.
ويخشى الكثيرون أن يعرقل هذا التنافس جهود إقرار السلام في ليبيا، وهو ما بدا واضحا من خلال مناشدة رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاياني الدول الأعضاء في الاتحاد، بتوحيد موقفها وإعداد استراتيجية موحدة للعمل في ليبيا.
ووفقا لوكالة "آكي" الإيطالية، كان تاياني تحدث في مؤتمر صحافي عقده على هامش القمة الأوروبية في بروكسل الخميس، واصفا بـ"غير المفيد" تدخل أطراف أوروبية متعددة بوجهات نظر مختلفة في الشأن الليبي.وإعتبر أن "تباين مواقف الدول الأعضاء لن يساهم في تسوية الأوضاع وبسط الاستقرار في ليبيا"، مشددا على أهمية عودة السلام لليبيا إعلاء لشأن المصالح الاستراتيجية الأوروبية.
وسبق ان انتقد المبعوث الأممي الي ليبيا،غسان سلامة، التدخلات الخارجية في الأزمة الليبية واعتبرها عائقا حقيقيا أمام الجهود الأممية لإيجاد التسوية.وطالب خلال قمة برازافيل سبتمبر العام الماضي الدول بضرورة العمل والتعاون معا بانسجام والابتعاد عن المنافسة والجهود الأحادية من أجل مساعدة الليبيين.
ويرى قادة اوروبا في استقرار ليبيا خطوة رئيسية لمواجهة التهديدات الجهادية والهجرة بعد أن تحولت ليبيا إلى نقطة انطلاق لمئات الآلاف من الافارقة الذين يسعون للوصول إلى أوروبا.وقد أعلن قادة الاتحاد الأوروبي أنهم ماضون في خطط تعزيز التعاون مع دول شمال إفريقيا وتأمين حدود الاتحاد في محاولة لمنع المهاجرين من الدخول إلى أوروبا.
** الإنتخابات والأمن
ويتوقع مراقبون أن يتم خلال مؤتمر باليرمو إعلان تأجيل الانتخابات الليبية،خاصة مع تصاعد التحذيرات من أطراف دولية، وآخرها تحذير روسيا، على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف من مغبة إجراء انتخابات في ليبيا في ظل الظروف الحالية، معتبرا أنه يجب أن يسبق ذلك التوصل إلى إجماع كافة القوى السياسية الليبية على هذه الخطوة.
وقال لافروف في مقابلة مع قناة "روسيا اليوم" و"باري ماتش" و"لو فيغارو" الفرنسيتين إن روسيا تتعاون مع فرنسا وإيطاليا وشركاء أوروبيين وإقليميين آخرين من أجل دعم جهود التسوية في ليبيا، وتقدر عاليا قيام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مايو الماضي بدعوة اللاعبين المحوريين الليبيين للاجتماع في باريس، حيث اتفقوا على موعد محتمل لإجراء الانتخابات، وهو 10 ديسمبر المقبل.
واستدرك لافروف قائلا: "للأسف، تفاهمات باريس لا تنفذ بشكل دقيق، وبالتالي لا تزال لدى القوى السياسية الليبية الأساسية وجهات نظر متباينة إزاء كيفية عمل هذا النظام السياسي. وحسب الكثير من الخبراء، فإن إجراء الانتخابات في ظل هذه الظروف أمر محفوف بالمخاطر".
ويواجه إجراء الانتخابات الليبية في موعدها، عدة عقبات، بسبب الفوضى التي تعاني منها البلاد، وتحديدًا العاصمة طرابلس.وهو ما دفع مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة،إلى التأكيد على أنه من الصعب الالتزام بالموعد المحدد في الجدول الزمني الذي أقر في باريس للانتخابات في ليبيا في العاشر من ديسمبر، بسبب أعمال العنف والتأخر في العملية الانتخابية.
ومنذ الاشتباكات العنيفة التي اندلعت نهاية أغسطس الماضي في طرابلس،يسعى غسان سلامة الى تثبيت الأمن في المدينة،حيث دعت البعثة الأممية،الجمعة، في بيان على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطنية، إلى إقرار وتنفيذ خطة الترتيبات الأمنية في العاصمة الليبية.
وتستهدف هذه الخطّة، التي اتفقت عليها الأطراف العسكرية من مختلف مناطق غرب ليبيا في سبتمبر/أيلول الماضي، بإشراف أممي، إلى تسلّم المواقع السيادية والمنشآت الحيوية من الميليشيات المسلّحة، وإسناد مهام تأمينها إلى قوات الشرطة والقوى العسكرية النظامية فقط، في خطوة تهدف إلى وضع حد للصراعات بين الجماعات المسلّحة التابعة لحكومة الوفاق والمعادية لها.
.