مازالت التطورات في تونس متواصلة وتلقي بظلالها على حركة النهضة التي باتت تعاني من أزمات متعددة، منذ  اعلان الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 يوليو الماضي،عن اجراءات استثنائية تضمنت تعليق عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن نوابه، وإعفاء حكومة هشام المشيشي، وتولي رئيس الجمهورية كامل صلاحيات السلطة التنفيذية ورئاسة النيابة العامة.
في تطور جديد،تلقت حركة النهضة بتونس،ضربة موجعة أخرى تنضاف إلى سلسلة الأزمات التي تعصف بالحركة منذ عدة أشهر،حيث أعلن 15 عضوا في مجلس الشوى الحركة ،الاثنين 06 ديسمبر 2021،تعليق عضويتهم بالمجلس حتى اعتزال رئيس مجلس النواب المجمد راشد الغنوشي السياسة والتنحي عن رئاسة الحزب.
 ويعتبر مجلس الشورى بحركة النهضة بتونس، أهم جهاز داخل الحركة منذ تأسيسها حيث يسيطر على إدارته راشد الغنوشي منذ سنة 1981، تاريخ التأسيس الفعلي لحركة النهضة التي سميت سابقا بـ"حركة الاتجاه الإسلامي".واعتبر الأعضاء الـ15،أن "هذه المؤسسة فقدت وظيفتها الرقابية واستقلالية قرارها"، محذرين من "سيطرة المكتب التنفيذي على القرارات داخل الحركة".
وأكد الأعضاء الموقعون على البيان رفضهم ترشح رئيس الحركة راشد الغنوشي والقياديين نور الدين البحيري وعلي العريض لأي منصب خلال المؤتمر المقبل،محملين إياهم مسؤولية الفشل في إدارة الأوضاع الداخلية والخارجية من جهة والدور الذي لعبته في التأجيل الممنهج لتاريخ المؤتمر من جهة أخرى.
واعتبر الموقعون على البيان، أن "القيادة القائمة استنفدت رصيدها بالكامل، وفشلت في التفاعل مع مقتضيات المرحلة واستحقاقاتها"، مؤكدين "ضرورة اعترافها بذلك وبتحملها المسؤولية".محذرين من أن "عدم إنجاز المؤتمر في موعده المقرر وفق الصيغ القانونية والإجراءات التنظيمية المتفق عليها يعد فشلا آخر للقيادة التنفيذية والشورية الحالية، كما ستكون سببا إضافيا لاتخاذ المواقف الحاسمة في العلاقة بالقيادة الحالية".
وعبر الموقعون على البيان عن "بالغ قلقهم إزاء ما يحدث داخل الحركة والبلاد"، معتبرين أن ذلك يستوجب "وقفة أكثر جدية وإجراءات في العمق على صعيد المؤسسات والقيادات وتحولا جذريا في إدارة الأزمة والعمل على احتوائها قبل فوات الأوان" وفق نص البيان.
وعلى وقع هذه التطورات سارعت حركة النهضة لعقد مؤتمر صحفي في محاولة للتقليل من أهمية الاستقالات والأزمات الداخلية التي تعصف بها.وأكد المسؤول عن الإعلام والاتصال بحركة النهضة عبد الفتاح الطاغوتي أنه لا أهمية لمشاكل الحزب الداخلية أمام المحافظة على التجربة الديمقراطية التونسية، واصفا هذه الانسحابات بـ"إحدى إرهاصات المؤتمر"، ومؤكدا قدرة الحركة على استيعاب مثل هذه الضغوطات العادية، وفق تقديره.
من جانبها انتقدت القيادية بالحركة زينب البراهمي، ما اعتبرته "حملات التشويه والمغالطات" التي تطال النهضة.وقالت البراهمي، خلال المؤتمر الصحفي، إن النهضة كانت محل اتهامات طيلة 10 سنوات، وكان ردها دائما عبر صندوق الانتخابات، ملاحظة أن محاولات تشويه الحركة أصبحت اليوم في الخطابات الرسمية لرئيس الجمهورية.
وفي المقابل،اعتبر حزب "التحالف من أجل تونس" أن الندوة الصحفية التي عقدتها حركة النهضة، لم تكن إلا محاولة فاشلة لتبييض "عشرية الخراب "التي قادت خلالها الحركة منظومة الحكم بمشاركة بعض الأحزاب والشخصيات المعلومة.وأوضح الحزب،في بيان له الثلاثاء، عقب اجتماع مكتبه السياسي ،أن "حركة النهضة ما تزال مصرة على تعاليها على الشعب التونسي بعد "عشرية "عانى فيها الوطن والدولة وغالبية فئات الشعب كل أشكال التهميش وسياسات التقسيم وبيع الأوهام لشباب تونس العاطلين عن العمل وللجهات والفئات المحرومة".
وجاء في البيان أن "نفي القيادي على العريض لاتهامات عديدة منسوبة لحركة النهضة ومنها الاغتيالات والجهاز السري والتمويل الخارجي والتي لم يقل بعد القضاء كلمته فيها، يعتبر تعد على السلطة القضائية المستقلة والمحايدة، كما أن زعمه إن "تونس قد تدخل في حاله تحارب داخلي ولابد من عودة البرلمان" هو تهديد صريح ودعوة واضحة للتونسيين للتقاتل وهي جريمة في حق الوطن والشعب والدولة قانونا".
وتواجه حركة التهضة ورئيسها راشد الغنوشي اتهامات من قبل عدة هيئات ومنظمات حقوقية في تونس بالتخطيط للاغتيالات السياسية سنة 2013، والتي طالت القيادي القومي محمد البراهمي والزعيم اليساري شكري بلعيد.كما تتهم الحركة بالتسبب في التردي الاقتصادي الذي تعيشها تونس خلال ما بات يجمع الكثيرون على وصفه بالعشرية السوداء التي حكمت فيها النهضة.
وتعتبر هذه التطورات الأخيرة فصلا آخر من فصول الازمات التي تشهدها حركة النهضة الاخوانية منذ اشهر حيث قدم أكثر من مئة عضو في الحركة، بينهم قيادات مركزية وجهوية وأعضاء بمجلس الشورى وأعضاء بالبرلمان المجمدة عضويته،في سبتمبر الماضي استقالتهم احتجاجا على ما وصفوه بـ"الإخفاق في معركة الإصلاح الداخلي للحزب" حسبما جاء في بيانهم.
ويحمل عدد من قيادات النهضة، الغنوشي المسؤولية كاملة عن الفشل السياسي الذي طيلة السنوات الماضية،حيث باتت الحركة محل رفض شعبي وغضب متصاعد جراء الأزمات الخانقة التي ذهبت بالبلاد الى حافة الهاوية وهو ما دفع الرئيس قيس سعيد للإعلان عن الإجراءات التصحيحية في 25 يوليو الماضي، بتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن أعضاءه، وإعفاء عدد من المسؤولين من مناصبهم،واقرار المحاسبة لكل الأطراف المتسبة في الأزمة.
واتهم عماد الحمامي الوزير الأسبق والقيادي في حركة النهضة عماد الحمامي في تصريح سابق له لجريدة "الشروق" المحلية، رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بانه "دكتاتور كامل الأوصاف" إضافة إلى أنه "انتهى سياسيا"، وفق تعبيره.كما شدد الحمامي على ضرورة أن تقطع الحركة مع الإسلام السياسي وتتحول إلى حزب مدني يخدم مصلحة التونسيين.
ويزداد مأزق حركة النهضة مع تصاعد وتيرة المطالبات باتخاذ إجراءات عاجلة في ملف المحاسبات القضائية الخاصة بتمويل الإرهاب والفساد،وسط دعوات لحل كافة الأحزاب التي تقع تحت طائلة التمويلات الخارجية وفي مقدمتها حركة النهضة. وقال الأمين العام لحزب التيار الشعبي، زهير حمدي، إن حدة الخطابات الأخيرة لحركة النهضة وحلفائها، تأتي في إطار "خوض حرب نفسية لإثبات تواصل وجودهم"، قائلا: "يجب أن يفهموا أن مشروعهم انتهى".
وتابع زهير حمدي خلال حوار مع اذاعة "موزاييك" المحلية، أن قيادات الإخوان على علم أن الفترة القريبة المقبلة ستشهد إجراءات وقرارات هم أول المتضررين منها، وسيكونوا أول المعنيين بالمحاسبة، سواء فيما يتعلق بالإرهاب أو الاغتيالات السياسية.وأضاف: "هم يدركون حجم الجرائم والانتهاكات التي قاموا بها، والنهضة ستدفع الثمن الذي يصل إلى الحلّ والعقوبات السجنية.. وهذا ما أعتقد أنه مصدر التصعيد والابتزاز، هدفهم محاولة الإفلات من العقاب".وفق تعبيره.
ويرى كثير من المراقبين إن حركة النهضة كانت أكثر المتضررين من التطورات السياسية التي حدثت في تونس حيث خسرت نفوذها وتكشف فشلها الذريع في ادارة البلاد،ويشير هؤلاء الى أن الحركة قد انتهت سياسيا بعد الاجراءات التي اقرها الرئيس التونسي. ويتساءل البعض عن الخطوات القادمة التي قد تسلكها الجركة في محاولة للعودة للمشهد السياسي خاصة في ظل حديث عن امكانية تأسيس حزب جديد من قبل القيادات النهضاوية المستقيلة.