لا تشغل المطالعة في الجزائر حيزا قد يذكر في أجندا المواطن الجزائري، فرغم المبالغ الطائلة التي تصرفها وزارة الثقافة على ما تشميه "مشروع الكتاب" بتمويلها لأزيد من ألف عنوان سنويا، إلا أنها لم تستطع وضع سياسة ثقافية واضحة المعالم تعنى بالكتاب بشكل خاص. إنها مبالغ تبدو في الظاهر لإنعاش صناعة الكتاب ولكنها في الحقيقة، ليست إلا تجميلا لواقع أجمل ما فيه ليس فيه.

بمناسبة اليوم العالمي للكتاب، والذي تقرر أن يكون هذه السنة تحت شعار"تاريخ الكلمة المكتوبة هو تاريخ البشرية"، تفتح "البوابة" ملف واقع الكتاب والمقروئية في الجزائر، بنحو لن يتناول من الموضوع إلا جانبا واحدا، يلقي الضوء على حقيقة قلة الاهتمام باليوم العالمي للكتاب من مؤسسة من حجم وزارة الثقافة الجزائرية، على أن يتم تناول الموضوع لاحقا في ملف ضخم يتناول السياسة الثقافية في الجزائر، بين الوجود والعدم، تسهر "البوابة" على إعداده مع مختصين في الموضوع.

تحتفل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو« اليوم 23 أفريل باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف، وككل عام، تختار اليونسكو والمنظمات الدولية التي تمثل القطاعات الرئيسية الثلاث لصناعة الكتاب وهم الناشرون وباعة الكتب والمكتبات العاصمة العالمية للكتاب لمدة عام واحد اعتبارا من 23 أبريل ، ووقع الاختيار هذا العام على مدينة بورت هاركورت في نيجيريا لجودة برنامجها، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق منه بالشباب وتأثيره في مجال الكتب والقراءة والكتابة والنشر، بما يخدم تحسين معدلات القراءة والكتابة في نيجيريا .

 

« ملتقى وطني حول المكتبات العمومية بوهران اليوم «

 

 بالجزائر ينظم مخبر أنظمة المعلومات والأرشيف في الجزائر، بالتنسيق مع مديرية الثقافة لولاية وهران، الملتقى الوطني الثالث حول المكتبات العمومية، وخصّص موضوع «المكتبات العمومية والفضاءات المفتوحة في ظلّ السياسة الثقافية الحالية بالجزائر« محور دراسة للباحثين، يومي 23 و24 أبريل/ نيسان بمناسبة اليوم العالمي للكتاب وتتلخص إشكالية اللقاء المنظم بمناسبة اليوم العالمي للكتاب حول «وجود الكتاب والمكتبات في الفضاء العمومي الذي يعبر عن تصور اجتماعي و اقتصادي وثقافي يمكن إدراجه في إطار سياسة ثقافية عامة من خلال الإنجاز المكثف للبنية التحتية التي تدعم تلك السياسة وتواجد عدد من مباني للمكتبات عبر الوطن يكرس هذه الإستراتيجية« و تتمحور أشغال الملتقى الذي تنظمه مديرية الثقافة ومخبر «أنظمة المعلومات والأرشيف في الجزائر« لجامعة وهران حول أربعة محاور وهي «المكتبات العمومية والفضاء المفتوح« و«استراتيجيات المطالعة في الفضاءات المفتوحة« و«المنطق الثقافي و التوجهات التجارية في الفضاءات المفتوحة« و«التوجهات التكنولوجية والممارسات و الاستعمالات« ويتطرق المشاركون من أساتذة وباحثين في علم المكتبات ومسيرين للمكتبات العمومية و فضاءات المطالعة إلى عدة مواضيع من أبرزها «مفهوم الوساطة الثقافية في مكتبات المطالعة العمومية« و«فضاءات المطالعة العمومية في الجزائر، الأنواع و التحديات« و«قطاع النشر في الجزائر« و«المجموعات المرقمنة في المكتبات« .

كما يعرض في هذه التظاهرة التي تساهم في تنظيمها دار الثقافة «زدور إبراهيم بلقاسم« وفرقة البحث و فضاءات إنتاج الكتاب بجامعة وهران، تجارب لتسيير مكتبات المطالعة العمومية الرئيسية بتلمسان وسيدي بلعباس ومعسكر وعين تموشنت فضلا عن عرض محاضرات عبر ملصقات لمشاريع ماستر في اختصاص «هندسة المعلومات والوثائق« وإقامة معرض للكتاب لعدد من دور النشر.

 

حقوق المؤلف ومخدر اسمه "الترسانة القانونية"

  

يعانى المؤلف والمبدع الجزائري في شتى تخصصاته الفنية والإبداعية ومن ذوي الحقوق المجاورة التي يكفلها المشرع والقانون الجزائري ، من واقع مرير بسبب تفشي  ظاهرة القرصنة بأٍرقام مذهلة ، التي تهدد أعمالهم وملكيتهم الفكرية ، وتسطو عليها بصورة غير شرعية ، تؤدي إلى عدم إستفادتهم من حقوقهم ، فبالرغم من إصدار المرسوم 46/73 المؤرخ في 25 يوليو/ جويلية 1973، الذي رفع بصورة نسبية من مستوى ظروف المؤلفين والفنانين، لكن التطورات المتسارعة لمختلف الوسائط وسبل القرصنة أضعف من قوة المرسوم، ، ما دفع بالمشرع الجزائري للإسراع في إتخاذ تدابير، وذلك من خلال تعزيز ذات المرسوم وتدعيمه بقرار تنفيذي تحت رقم 356/05 المؤرخ في 21 ديسمبر 2005، والذي منح للفئة قانونا أساسيا أكثر تفصيلا غير أن ذلك لم ينفع في تحسين، أن الوضع الصعب الذي يعانيه المؤلف ،ورغم كل الجهود إلا أن المؤلف والمبدع الجزائري لم يسلم  من تنامي وتفشي القرصنة التي أصبحت تهدد كل عمل جديد قد تصل إلى إصداره بالسوق قبل إعلام إصداره ، حيث إن الكتاب والمؤلفين في الجزائر ينشرون أعمالهم ويجهلون مقاييس أخرى لصالحهم لإمكانية لإستفادته من مجالات أخرى كالإقتباس والترجمة وتوظيفها على المسرح أو السينما أو الأغنية  ، ويطالب الفاعلون في الحقل الثقافي بتنظيم جلسات تكوينية  للخروج بجملة من التوصيات حول قانون المؤلف ويستدعي ذلك التنسيق بين ثلاثة مكونات أساسية وهم نقابة الناشرين، اتحاد الكتاب الجزائريين والوزارة الوصية، إذ يستوجب على هذه الأطراف أن تجتمع لتناقش وضعية المؤلف، ومن ثم الخروج بقرارات ووصايا لخدمة دينامية الثقافة الوطنية .

إن تطور حماية حقوق التأليف في الجزائر، ومختلف المراحل، تعود إلى أول قانون خاص بحماية حقوق المؤلف الذي اعتمدته الجزائر عام .1973 وتناول هذا القانون خصوصيات الثقافة الجزائرية، واقتصر على حق المؤلف فقط ليتم مراجعته في عام 1997 بإدخال تعديلات في مجال الملكية الفكرية والأدبية، أهمها تكريس الحقوق المجاورة أي حقوق أعوان الإبداع من فناني الأداء ومنتجي التسجيلات وهيئات البث الإذاعي، فضلا على تمديد مدة حماية العمل الإبداعي من 25 سنة بعد وفاة المؤلف إلى 50 سنة، وتشديد العقوبة على المخالفين.

ويسهر الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة الذي أنشأ بموجب الأمر رقم 73-46 الصادرة في 29 جويلية 1973 على تجسيد وتطبيق القانون وتم إعادة النظر في هياكله وفقا للمرسوم التنفيذي 98-366 الصادر في نوفمبر 1998 ثم بالمرسوم رقم 05-356 الصادر في 21 سبتمبر 2005 والديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة هو مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري يتمتع بالاستقلالية المالية وهو تحت وصاية وزارة الثقافة وطبقا لقوانينه يكلف الديوان ب5 مهام رئيسية وهي ضمان حماية كل الإبداعات الأدبية الفنية وكل الخدمات الفنية المنجزة بالجزائر وكذا الحقوق المعنوية والتراثية لأصحابها ، ضمان التسيير الجماعي لكل حقوق المؤلفين الأعضاء وذوي الحقوق المجاورة ، منح مساعدات للشباب المبدعين في المجال الأدبي والفني بهدف ترقية الثقافة ، ضمان حماية التراث الثقافي اللامادي ، ضمان حماية اجتماعية للمؤلفين والفنانين الأعضاء.

للتذكير،ففي تاريخ الـ 23 أبريل من عام 1616، توفي كل من ميغيل دي سرفانتس ووليم شكسبير والاينكا جارسيلاسو دي لافيجا، كما يصادف ذكرى ولادة أو وفاة عدد من الأدباء المرموقين مثل موريس درويون، وهالدور ك. لاكسنس، وفلاديمير نابوكوف، وجوزيب بلا، ومانويل ميخيا فاييخو وكان اختيار مؤتمر اليونسكو العام الذي عقد في باريس عام 1995 لهذا التاريخ اختيارًا طبيعيًّا، فقد أرادت فيه اليونسكو التعبير عن تقديرها وتقدير العالم أجمع للكتاب والمؤلفين، عن طريق تشجيع القراءة بين الجميع وبشكل خاص بين الشباب وتشجيع استكشاف المتعة من خلال القراءة وتجديد الاحترام للمساهمات التي لا يمكن إلغاؤها لكل الذين مهدوا الطريق للتقدم الاجتماعي والثقافي للإنسانية جمعاء.

وأنشأت اليونسكو اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف، وجائزة اليونسكو في الأدب للأطفال والشباب خدمة للتسامح، وفي كل عام تختار اليونسكو والمنظمات الدولية التي تمثل القطاعات الرئيسية الثلاث لصناعة الكتاب - وهم الناشرون وباعة الكتب والمكتبات - العاصمة العالمية للكتاب لمدة عام واحد، ووفقًا للجنة الاختيار وقع الاختيار هذا العام 2014 على مدينة بورت هاركورت بنيجيريا لجودة برنامجها، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق منه بالشباب وتأثيره في مجال الكتب والقراءة والكتابة والنشر، بما يخدم تحسين معدلات القراءة والكتابة في نيجيريا.

وأشارت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونسكو، في رسالتها بهذه المناسبة إلى أن تاريخ الكلمة المكتوبة هو تاريخ البشرية، وليس هناك ما يضاهي قوة الكتب في النهوض بتحقيق شخصية الفرد وإحداث التغيير الاجتماعي، وتمثل الكتب عنصرًا حميميًّا ولكنها تنطوي أيضًا على بعد اجتماعي عميق، فإنها تقدم أشكالًا بعيدة الأثر من الحوار بين الأفراد داخل الجماعات وعبر الزمان، وكما قالت ملاله يوسفزاي، التلميذة الباكستانية التي أطلقت عليها جماعة طالبان النار؛ لأنها كانت تذهب إلى المدرسة للتعلم، في الكلمة التي ألقتها في الأمم المتحدة «فلنمسك بكتبنا وأقلامنا، فهي أقوى أسلحة لدينا« وذكرت بوكوفا أنه بمناسبة اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف، تدعو اليونسكو جميع النساء والرجال إلى الالتفاف حول الكتب وحول الذين يكتبون وينتجون الكتب، فهذا اليوم للاحتفال بالكتب بوصفها تجسيدًا للإبداع البشري وللرغبة في تبادل الأفكار والمعارف، وفي إلهام التفاهم والتسامح.