قاطع الجزائريون بشكل واسع عملية التصويت أمس الأحد على تعديل دستوري يفترض أن يؤسّس لـ"جزائر جديدة" ويضفي الشرعية على الرئيس عبد المجيد تبون صاحب هذه المبادرة والغائب الأكبر عنها بسبب علاجه في الخارج.

وأغلقت مكاتب التصويت وعددها 61 ألفاً كما كان مقرراً في الساعة السابعة بالتوقيت المحلي، وبدا أن الاتجاه العام هو نحو عزوف انتخابي كبير.

وبلغت نسبة المشاركة، الرهان الوحيد في هذا الاستفتاء، في الـ 17:00 حوالي 18.44%، كما أعلن رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي.

وفي الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر (كانون الأول)، بلغت هذه النسبة 39.93% في أدنى نسبة في كل الانتخابات الرئاسية التعددية في تاريخ الجزائر، ما دفع تبون إلى البحث عن شرعية.

وحسب المصادر، فإن نسبة المشاركة لم تتعد 11.5 و12.5%.

ولا شك في فوز معسكر "نعم" إذ أن الحملة التي سبقت الاستفتاء والتي لم يبال بها جزء كبير من السكان كانت في اتجاه واحد بينما لم يتمكن أنصار "لا" من تنظيم تجمعات.

وانتظرت مكاتب التصويت إلى آخر لحظة وصول الناخبين، مثل محمد ميلود لعروسي، آخر مصوّت في مركز باستور، الذي قال: "صوّت بنعم من أجل أبنائي وأحفادي وهذا واجبي. كما شاركت في تحرير بلدي في الثورة أقوم بواجبي اليوم من أجل استقراره".

وبسبب الوباء تطبق إجراءات صارمة، من تحديد عدد الذين يدخلون إلى مركز الاقتراع بشخصين أو ثلاثة في وقت واحد، والالتزام بوضع الكمامات. وألغيت الستائر في مقصورات الاقتراع لمنع لمسها من قبل الناخبين.

وقال تبون في رسالة نشرتها وكالة الأنباء الرسمية مساء السبت: "الشعب الجزائري سيكون مرةً أخرى على موعد مع التاريخ من أجل التغيير الحقيقي المنشود من خلال الاستفتاء على مشروع تعديل الدستور، لتأسيس عهد جديد يُحقق آمال الأمة وتطلعات شعبنا الكريم إلى دولة قوية عصرية وديموقراطية".

ولم يأت اختيار موعد الاستفتاء مصادفة، فالأول من نوفمبر (تشرين الثاني) هو "عيد الثورة" ذكرى اندلاع حرب الاستقلال ضد الاستعمار الفرنسي بين 1954 و1962.

والرئيس تبون، هو الغائب الأكبر عن هذا الاقتراع بعد نقله إلى ألمانيا الأربعاء للخضوع لـ"فحوصات طبية معمقة" بعد أنباء عن الاشتباه في إصابة محيطين به بكورونا. وأوضحت الرئاسة أن حالته "مستقرة وغير مقلقة".

وانتخبت زوجته فاطمة الزهراء تبون نيابة عنه في مركز التصويت أحمد عروة ببلدية سطاوالي بالضاحية الغربية للعاصمة.

وأفاد ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأعمال شغب وتكسير صناديق الاقتراع ليل السبت الأحد، في منطقة القبائل المعروفة بعزوفها الانتخابي.

وذكرت اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين، وجمعية داعمة للحراك، أن قوات الشرطة أوقفت عدداً من الأشخاص في العاصمة وتيزي وزو.

منذ أدائه اليمين رئيساً للبلاد في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2019، بعد أسبوع من انتخابات شهدت امتناعاً قياسياً عن التصويت، تعهّد تبون بتعديل دستور 1996 بمد يده إلى "الحراك المبارك".

لكن ناشطي الحركة الاحتجاجية رفضوا النص المقترح "شكلاً ومضموناً" لأنّه يمثل "تغيير الواجهة"، في حين أن الشارع طالب بـ"تغيير النظام"، لذلك دعوا إلى مقاطعة الاستفتاء.

وحسب المحلل السياسي حسني عبيدي، المتخصص في شؤون العالم العربي، يواجه تبون "وضعاً معقداً" بسبب نسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات الرئاسية التي جاءت به.

وقال عبيدي: "حتى لو حاول الحصول على الشرعية من خلال صندوق الاقتراع، فإن مساحة المناورة لديه محدودة"، لأن الجيش "تعلم الدروس" من رئاسة عبد العزيز بوتفليقة بين 1999و2019، الذي حرر نفسه من وصايته، مشيراً إلى أنه أصبح مرة أخرى "الممسك الحقيقي" بزمام السلطة.

وعلى الناخبين أن يردوا على سؤال "هل أنتم موافقون على مشروع تعديل الدستور المطروح عليكم؟"، فيُجيبون بـ"نعم" باختيار الورقة البيضاء، وإذا كانوا غير موافقين، عليهم الإجابة بـ"لا" باختيار الورقة الزرقاء، حسب المرسوم الرئاسي الذي حدد تاريخ الاستفتاء.

والداعون إلى التصويت بـ"نعم" هم أعضاء الحكومة وأحزاب الائتلاف الحاكم سابقاً، مثل حزب جبهة التحرير الوطني، حزب الرئيس بوتفليقة الذي أُطيح به من السلطة في أبريل (نيسان) 2019 تحت ضغط مزدوج من الحراك وقيادة الجيش، ووسائل الإعلام المملوكة للدولة.

وعبر وزير الاتّصال والمتحدث باسم الحكومة عمار بلحيمر عن تفاؤله "بوعي الشعب وقناعته بالتوجه إلى صناديق الاقتراع بكثافة، للمشاركة في وضع لبنة جديدة في مسار البناء الوطني الشامل وتفويت الفرصة على أعداء الجزائر"، وفق ما نقلت عنه وسائل الإعلام الرسمية الأربعاء.