بالموازاة مع الحرب الشرسة التي تشنها الحكومة الجزائرية على مختلف الفصائل والتنظيمات المرتبطة بالقاعدة، وتسخيرها لإمكانيات عسكرية وأمنية ضخمة من أجل درء مخاطرها، تتجه الجزائر إلى توظيف أوراقها السياسية في الملف الأمني كضربة استباقية لفك الارتباط بين فصائل القاعدة في شمال أفريقيا والساحل وداعش في المشرق العربي.

وكشفت مصادر قضائية في الجزائر لـ “العرب” أن الرئيس بوتفليقة بصدد توقيع مرسوم عفو على منتسبي عدد من الفصائل المسلحة المرتبطة بالقاعدة من أصول جزائرية، والناشطة في ربوع تراب الجمهورية إلى غاية الساحل الأفريقي، وذلك في إطار تفعيل جديد لمسار المصالحة الوطنية، مما أفضى إلى نزول حوالي سبعة آلاف مسلح ينتسبون لتنظيم “الجيش الإسلامي للإنقاذ”.

وأضافت المصادر أن العديد من رموز العمل الإسلامي المسلح القابعين في السجون الجزائرية، والمنتمين على وجه التحديد لحركة أبناء الجنوب من أجل العدالة الإسلامية، والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، قد برمجت ملفاتهم أمام قضاء العاصمة للحكم فيها في الدورة القضائية الجديدة، تحسبا لاستفادتهم من قرار عفو رئاسي، مقابل تسليم أسلحتهم وحل التنظيمات التي ينضوون تحتها.

ومن المرجح أن يستفيد كل من حركة أبناء الجنوب من أجل العدالة الإسلامية، وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وأنصار الدين، وجبهة الجهاد والتوحيد من العفو ولو بشكل متفاوت.

وكانت مصادر أمنية قد أكدت أن قيادات في حركة أبناء الجنوب التي تأسست في العام 2007 من طرف المدعو لمين بن شنب توصلت إلى اتفاق نهائي مع السلطات الجزائرية، من أجل وضع السلاح وحل التنظيم، مقابل استفادة عناصره من العفو وشروط أخرى تضمن لهم الحياة الكريمة والاندماج مجددا في المجتمع، على غرار ما وقع مع عناصر الجيش الإسلامي للإنقاذ سنة 1999 .

وقالت المصادر أن مقربين من القائد الحالي للتنظيم، عبد السلام طرمون، وبعض أعيان الطوارق، قد تمكنوا منذ أسابيع من إقناع التنظيم بالانخراط في تدابير جديدة للمصالحة الوطنية، وهو ما دفع الطرفين إلى الدخول في اتصالات أفضت إلى إعلان هدنة مسبقة بين الطرفين، واستكمال مشاورات أدارها من جانب الحكومة كل من الوزير الأول، عبد المالك سلال، وعدد من الضباط السامين في المؤسستين العسكرية والأمنية.

وتضيف المصادر أن المساعي السياسية التي تقودها الجزائر من أجل تفعيل تدابير المصالحة الوطنية، وإن تركز على حركة أبناء الجنوب، بالنظر لطابعها المحلي وعدم ارتباطها بشكل كبير بالقيادات العالمية للقاعدة، ستنسحب على باقي الفصائل الناشطة الأخرى، بما فيها الموقعون بالدم التي يقودها مختار بلمختار.

ويعزو هؤلاء تركيز الاتصالات على حركة أبناء الجنوب، نظرا لعلاقته باستقرار الوضع الأمني في الجنوب الجزائري، لاسيما في ظل تنامي الاحتجاجات اليومية، بفعل التجدد الدوري للمواجهات الطائفية بين أنصار المذهبين السني والاباضي.

ولا يستبعد هؤلاء أن يكون للتنظيم يد في الأحداث التي شهدتها مختلف مدن الجنوب الجزائري، الأمر الذي يكون قد أقنع السلطة بالتصالح مع التنظيم من أجل استعادة الاستقرار إلى جنوب البلاد.

وتعوّل السلطات الجزائرية في مساعيها على أعيان وأهالي العناصر الجزائرية المنتمية إليها من أجل إقناع ذويها بالاستفادة من تدابير العفو المنتظر، بما فيها الرجل الأول في “الموقعون بالدم”، مختار بلمختار المنحدر من منطقة غرداية، لكنها لا تراهن كثيرا على استقطاب القيادات المعروفة في قاعدة بلاد المغرب الإسلامي أو أنصار الدين أو الجهاد والتوحيد، المعروفة بولائها للقيادة المركزية للقاعدة، وتحمسها لإنجازات داعش في العراق.

ويقول متتبعون للشأن السياسي في الجزائر، إن الخطوة المفاجئة لتنظيم داعش في العراق، قد خلطت أوراق السلطات الجزائرية في التعاطي مع الملف الأمني في المنطقة، في ظل الترحيب والتأييد الذي أبداه زعيم قاعدة المغرب الإسلامي، درودكال، لمشروع الخلافة الإسلامية المعلن عنه من طرف أبو بكر البغدادي في العراق.

ويضيف- هؤلاء- أن السلطات الجزائرية ستلجأ إلى تفعيل قانون المصالحة الوطنية، كورقة سياسية قد تمكنها من فك مسبق لارتباط محتمل بين القاعدة في المغرب الإسلامي وداعش، باستقطاب ما يمكن استقطابه من العناصر والقيادات في الفصائل المذكورة، قبل أي تطور محتمل لعلاقة الطرفين وتحولها إلى مشروع موحد، يهدد استقرارها ووحدتها قبل أي دولة من دول المنطقة.

 

*نقلا عن العرب اللندنية