تعيش ليبيا منذ أشهر على وقع صراع عنيف في المنطقة الغربية وخاصة العاصمة طرابلس،وزادت من حدة التوتر تصاعد التدخلات التركية التي باتت مصدرا لتأجيج الأوضاع في البلاد.وفي ظل هذه الأجواء المشحونة والتوترات الكبيرة،تتواصل المحاولات الدولية لايجاد حل سياسي ينهي أزمة الصراع القائم ويصل بالبلاد الى تحقيق توافق شامل من شأنه انهاء سنوات من الحروب والفوضى.
إلى ذلك،تشهد الساحة الليبية مؤخرا زيارات لمسؤولين في مسعى لحلحلة الأزمة المتفاقمة في البلاد،حيث وصل وزير الشؤون الخارجية الجزائري صبري بوقادوم،الأربعاء 05 يناير 2020، إلى مدينة  بنغازي الليبية، في أول زيارة تقود مسؤولا حكوميا جزائريا إلى هذا البلد الجار منذ سنوات.ونشرت وسائل إعلام ليبية صورا لاستقبال بوقادوم بمطار بنغازي من طرف وزير الخارجية والتعاون الدولي بالحكومة الليبية عبدالهادي الحويج.

وأجرى رئيس الحكومة الليبية عبدالله الثني لقاءا مع الوزير الجزائري،في مكتبه بديوان مجلس الوزراء بمدينة بنغازي،وحضر الاجتماع وزير الخارجية والتعاون الدولي عبدالهادي الحويج، وسفير الجزائر لدى ليبيا كمال عبدالقادر،حيث بحث الرفان مستجدات الوضع الراهن في ليبيا والعلاقات الثنائية بين البلدين،وأكد الثني على عمق العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين.
وبدوره شدد وزير الخارجية الجزائري على موقف بلاده الثابت من الأزمة الليبية ومبادرتها بإجلاس مختلف الأطراف على طاولة الحوار للخروج بحل سلمي.وفي كلمة للصحفيين، عقب الاجتماع، نقل وزير الخارجية تحيات الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، للشعب الليبي، مؤكدا بحثه للعديد من الملفات المتعلقة بالأزمة الليبية مع دولة الرئيس.
كما التقى بوقادوم،مع القائد العام للقوات المُسلحة العربية الليبية خليفة حفتر،بمقرّ القيادة العامة –الرجمة،حيث تم مناقشة العلاقات بين الدولتين الشقيقتين الليبية والجزائرية ودور الجزائر الداعم لإعادة الاستقرار في ليبيا والجهود المشتركة في مكافحة الإرهاب والجريمة،وثمّن حفتر دور الدولة الجزائرية الإيجابي الساعي لإيجاد حل للأزمة، مثنيا على موقفها الثابت من القضية الليبية، مؤكداً كذلك على دور الشعب الجزائري المهم ووقوفهم لجانب الشعب الليبي.وفق المكتب الإعلامي للقيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية.
من جهته، أكد رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح، خلال لقائه مع وزير الخارجية الجزائري، أن الأزمة في بلاده أمنية وليست سياسية.وشدد صالح على ضرورة تفهم الجزائر أن مساعدة الليبيين تقتضي ضرورة نزع سلاح المليشيات المسلحة والجماعات المتطرفة المسيطرة على العاصمة طرابلس، بحسب بيان للمتحدث باسم مجلس النواب عبد الله بليحق.
وتابع البيان أن الجيش الليبي قادر على استكمال تطهير البلاد من الجماعات المتطرفة والمليشيات المسلحة وبسط الأمن والاستقرار في البلاد.وأوضح أن رئيس مجلس النواب الليبي ثمن اهتمام الجزائر ومساعيها لِلم شمل الليبيين ومساعدتهم في الوصول إلى حل ينهي الأزمة التي تمر بها ليبيا.وشدد على أن غلق الحقول النفطية ووقف تصدير النفط من قبل المكونات الاجتماعية الليبية له أسبابه المنطقية أهمها المساواة في توزيع الثروة وتجفيف منابع تمويل الجماعات الإرهابية والمرتزقة والمتطرفين الذين يرسلهم النظام التركي لقتل الليبيين وإحداث الفوضى والدمار في ليبيا ومنطقة شمال أفريقيا.
ورغم أنها نأت بنفسها منذ البداية عنها عملا بمبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الغير،بدأت الجزائر تأخذ دورا متناميا في الأزمة الليبية.فتدهور الأوضاع في الدولة المجاورة عزز شكوك الجزائر، وأقحمها في الجهود المبذولة هنا وهناك من أجل إيجاد حل سياسي، بعد اندلاع صراع بين مختلف الأطراف التي أضحت تشكل المعادلة السياسية والعسكرية والأمنية في ليبيا.

واحتضنت الجزائر العاصمة، قبل أيام، اجتماعا إقليميا لوزراء خارجية دول جوار ليبيا ومعهم وزيري خارجية مالي وألمانيا، لبحث مخرجات مؤتمر برلين الدولي ومستجدات الوضع الأمني والسياسي في ليبيا.;اتفقت دول الجوار الليبي على رفض التدخلات العسكرية الأجنبية في الأزمة، وأكدت أنها تزيدها تعقيدا، وشددت على ضرورة التواصل فيما بينها سعيا لحل سياسي للأزمة المستمرة منذ 2011
;قالت وزارة الخارجية الجزائرية حينها في بيان، إن الاجتماع يأتي في سياق الجهود الدبلوماسية المكثفة من أجل الدفع بمسار التسوية السياسية للأزمة التي يعيش على وقعها البلد الجار منذ سنوات، وذلك عن طريق الحوار الشامل بين مختلف الأطراف الليبية.وأوضحت أن اللقاء الموسع يهدف إلى تدعيم التنسيق والتشاور بين بلدان الجوار الليبي والفاعلين الدوليين من أجل مرافقة الليبيين للدفع بمسار التسوية السياسية للأزمة.
وتجري الجزائر خلال الأسابيع الأخيرة تحركات دبلوماسية بشأن الأزمة الليبية من أجل تثبيت وقف إطلاق النار في العاصمة طرابلس وإطلاق مسار سياسي لحل الأزمة، وقد استقبلت عدة مسؤولين أجانب وليبيين من طرفي الأزمة في سعي منها لإيجاد حلّ سلمي من بينها رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية فايز السراج، الذي زار الجزائر على رأس وفد رفيع المستوى بداية شهر يناير 2020 لإجراء مباحثات حول تطورات الوضع في بلده.
وأعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الأحد خلال مؤتمر صحفي مع نظيره التونسي قيس سعيد الذي زار البلاد، عن مبادرة للبلدين من أجل احتضان جلسات حوار ليبية تمهيدا لإطلاق مسار سياسي يفضي إلى وضع خارطة طريق سياسية تنتهي بانتخاب مؤسسات شرعية.فيما أكد وزير الشؤون الخارجية الجزائري صبري بوقدوم أن بلاده "ستواصل الاضطلاع بدور محرك في تسوية الأزمة الليبية في أسرع وقت ممكن" وذلك في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية عند انطلاق القمة الأفريقية حول ليبيا في العاصمة برازافيل أواخر يناير الماضي.
وأكد وزير الخارجية الجزائري في اجتماع دول الجوار الليبي على "ضرورة مشاركة دول الاتحاد الأفريقي في المبادرات الرامية إلى إيجاد حل للأزمة الليبية ودعم الحل السياسي فيها".وشدد حينها على أنه "لا حل للأزمة الليبية إلا الحل السلمي السياسي بين الليبيين بدعم من المجتمع الدولي، وأن الجزائر ترحب بأي طرف يريد أن يساهم في إرساء السلام في ليبيا، وعلى دول الجوار بذل كل الجهود من أجل إنهاء هذه المأساة التي تمسنا مباشرة".


ويرى مراقبون أن الجزائر تسعى لاستعادة زمام المبادرة لحل الأوضاع المتأزمة في جارتها الشرقية، بعد غياب ملحوظ لسنوات.وياتي هذا التحرك الجزائري في ظل تصاعد المخاوف من امكانية تحول الأراضي الليبية الى ملجأ جديد للعناصر الارهابية خاصة مع استمرار تدفق المرتزقة الذين ترسلهم تركيا من سوريا نحو ليبيا لدعم حكومة الوفاق المتحالفة معها.
وتبذل الجزائر وتونس الرافضتان لأي تدخل أجنبي في ليبيا البلد الجار، جهودهما للتوصل إلى حل للأزمة لتفادي الأسوأ مع انخراط تركيا العسكري في الأزمة،حيث ألقت أنقرة بثقلها في دعم حكومة السراج ، منتقلة من الدعم السرّي إلى العلني وتصاعدت وتيرة نقل شحنات السلاح والمرتزقة الموالين للنظام التركي الي طرابلس ما بات يهدد بتحويل البلاد الى بؤرة توتر وملاذ كبير للمتطرفين.
وتعتبر الجزائر،إحدى أكثر الدول التي تتهددها المخاطر التى تشكلها الجماعات الإرهابية خاصة  التي تنشط في الأراضي الليبية.وتثير حالة الفوضى وتمركز العناصر الارهابية في ليبيا،مخاوف السلطات الجزائرية التى باتت تعتبر حماية الحدود أولوية قصوى لتحصين نفسها ضد المخاطر الإرهابية.
ودفعت الجزائر خلال السنوات الأخيرة بعشرات الآلاف من أفراد الجيش إلى حدودها الجنوبية مع مالي والنيجر وليبيا في الجنوب الشرقي لمواجهة خطرتسلل الإرهابيين وتهريب السلاح من هذه الدول التي تعيش فوضى أمنية.ومنذ عام 2014 نشرت القيادة العسكرية للجيش ألاف الجنود وتم توزيعهم على نقاط التماس الحدودية، وذلك لمراقبة الحدود ومحاربة التنظيمات الإرهابية التي تتخذ من الحدود والمناطق الصحراوية مرتعا لها.


كما تحرص الجزائر على زيادة التنسيق مع دول الجوار وخاصة تونس لتأمين حدودها.وتأتي أهمية التنسيق الاستثنائي الجزائري التونسي، من منطلق الوضعية الإقليمية الجيوسياسية والجيوإستراتيجية الشديدة التعقيد التي تميز المنطقة، بسبب انتشار الحركات الإرهابية في ليبيا ودول الساحل الإفريقي والتوتر الأمني الذي تعيشه المنطقة جراء التدخلات التركية التي تطمح لتأجيج الأوضاع ما يمكنها من مد نفوذها وتحقيق أطماعها في دول المنطقة.
ويرى مراقبون أن تعدد المبادرات والتدخلات من عدة أطراف لا تلغي الدور المحوري للجزائر في الملف الليبي.فالجزائر التي عارضت التدخل العسكري في ليبيا منذ البداية، تجدد في كل مرة بأنه لا يوجد بديل عن الاتفاق السياسي الذي أصبح قاعدة لكل حل للأزمة في ليبيا، مع إشارتها إلى أن الاتفاق ذاته يظل مفتوحا لأي مراجعة إذا كانت هذه هي رغبة ليبيا.
وتستهدف تحركات الجزائر تجاه الأزمة الليبية،سرعة إيجاد حل سياسي نظرا لما يمثله استمرار تدهور الأوضاع الأمنية في هذا البلد من مخاطر على أمنها، خاصة وأنها تفرض إجراءات عسكرية استثنائية على حدودها مع ليبيا منذ سنوات.إضافة الى سعيها إلى إقامة علاقات جيدة مع مختلف الأطراف الليبية وضمان مصالحها.