شكلت عملية اغتيال الرهينة الفرنسية، هيرفي غرودال، من طرف جماعة جند الخلافة الموالية لتنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ”داعش”، طعنة في خطاب السلطة الجزائرية، بشأن القضاء على الإرهاب واستتباب الأمن في ربوع البلاد.

وكشف خبراء أمنيون أن الاغتيال الاستعراضي الذي نفذه أتباع قوري عبدالمالك المكنى بـ”خالد أبو سليمان” في حق الرعية الفرنسية، الأربعاء الماضي، سيحشر السلطة الجزائرية في زاوية ضيقة، ويدفعها إلى مسابقة الزمن من أجل إجهاض مشروع النسخة المغاربية لداعش.

ويتوقع هؤلاء المراقبون أن يضاعف جند الخلافة في عملياته الاستعراضية، لأجل تجسيد الأجندة المحددة لميلاد داعش ولمحاربته سواء في المشرق أو المغرب.

ويؤكد الخبراء على أن الجزائر مجبرة على مراجعة الكثير من الأوراق، على الصعيدين الديبلوماسي والأمني، خاصة في ظل التقارير الأميركية والأوروبية لمواطنيها للحذر من السفر للجزائر أو التحرك في أقاليمها، مما يسيء لسمعتها وينفّر فرص الاستثمار فيها.

والجزائر مطالبة اليوم بالقضاء النهائي على مجموعة خالد أبو سليمان، لطمأنة شركائها الغربيين وإنقاذ صدقية خطابها الأمني من الخدش، ذلك أن كل وقت يمضي دون إسقاط المجموعة يسير في غير صالحها، بما أن أحسن رد رسمي على الرأي العام والمتتبعين، هو الثأر من الجناة الذين ورطوها في مستنقع خطير، وهو الدافع الذي يقف وراء الإنزال الأمني في منطقة القبائل، واستمرار عملية التمشيط، لكن عدم تحقيق نتيجة ميدانية سيدخل مزيدا من الشك، ويمنح المتطرفين أسبقية أخرى تنضاف إلى الصدى الإعلامي الذي حققته عملية الاغتيال.

يذكر أن الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة قد رفض مساعدة تقنية من فرنسا لاقتفاء أثر الجماعة المتطرفة. ويؤكد توالي الأحداث في منطقة القبائل منذ أحداث العام 2002، في رأي المراقبين، أن المنطقة “نُصبت تحت مجهر دوائر قوية، فخصوصيتها الثقافية والسوسيولوجية، واستهدافها المتكرر في أعمال مختلفة، آخرها عملية اغتيال الرعية الفرنسية، قد حولها إلى خاصرة رخوة أو إلى فتيل بإمكانه تفجير الجزائر من الداخل “، فالتدهور الأمني وتنامي نشاط المجموعات المتطرفة، وكذا تكرار الاختطافات المشبوهة مقابل دفع فدى، “يؤهل المنطقة لأن تدرج في خانة الخروج عن هيبة الدولة، وبالتالي الحاجة إلى آلية من خارج الحدود تضمن الأمن والاستقرار للسكان المحليين”.

وتحولت منطقة القبائل منذ بداية الألفية إلى قاعدة خلفية لمختلف التنظيمات الجهادية الناشطة في الجزائر، وبغض النظر عن التضاريس الجغرافية الملائمة للحركة وحرب العصابات، فإن نقاط ظل تبقى واضحة في سر لجوء تلك التنظيمات إلى المنطقة ذات الأبعاد الثقافية والاجتماعية والسياسية المميزة، ويطرح تساؤلات عن علاقات تواطؤ بين المتطرفين الإسلاميين والحركة الانفصالية (الماك) المرتبطة بعدة دوائر في باريس وتل أبيب.

ورغم المعاملة المتميزة التي تحظى بها المنطقة من طرف السلطة التي تتساهل مع السكان المحليين، فإن نوعا من الانسحاب سجل منذ أحداث حركة (العروش) في العام 2002، حيث اضطرت إلى سحب سلك الشرطة من المنطقة تحت ضغط الحركة، الأمر الذي سمح بتغلغل كل الأجندات إلى المنطقة من تنظيمات مسلحة وانفصاليين وكنائس تبشير.. وغيرها، مما جعلها تسير في صالح الانسلاخ التدريجي عن الوطن الأم، في انتظار الفرصة المناسبة.

وعلى الصعيد الداخلي فإن الجزائر مدعوة لمراجعة سياستها الأمنية وإعادة الاعتبار لعمل مختلف المؤسسات الأمنية، ومساهمة المدنيين في محاربة الإرهاب.

فبعد التغييرات التي أجراها بوتفليقة منذ العام الماضي في جهاز الاستخبارات على خلفية الصراعات السياسية، يبدو أنها تركت فراغات في السياسة الأمنية وفسحت المجال للتنظيمات المتشددة في إعادة بناء نفسها بعد الضربات المتتالية التي تلقتها خلال السنوات الفارطة.

وإزاء هذا الوضع الأمني الرخو حمّلت المعارضة السياسية مسؤولية التدهور الأمني واغتيال الرعية الفرنسية إلى السلطة، واتهمتها بالتراخي رغم التهديدات المحدقة، لا سيما بعد هيمنة مؤسسة الرئاسة على جهاز الاستخبارات والتحويرات التي أدخلت على مهامه وصلاحياته، وفقا لصحيفة العرب.

وقال المرشح في الرئاسيات الأخيرة، علي بن فليس “إن خطاب السلطة هو شعارات جوفاء أثبتت فشلها أمام الأخطار القائمة، وما يؤزم الوضع أكثر هو الفراغ الموجود في هرم السلطة، التي تبحث عن الاستمرار على حساب مطالبات المجتمع″.

وفي الختام يقول المراقبون إنه “لم يبق أمام الجزائر سوى انتظار مرحلة ما بعد تدخل التحالف الدولي ضد داعش في سوريا والعراق، لأن التداعيات الحقيقية ستظهر عند انتهاء الحرب الجوية وبداية الحسم على الأرض، فعند ذاك ستبرز الردود الحقيقية لتنظيم الدولة، وتتضح قدرة الجيوش المحلية على اجتثاث داعش من عدمه”.