بعد أكثر من نصف قرن من النضال السري والعلني في معارضة النظام الجزائري، وجد عميد أحزاب المعارضة السياسية في الجزائر، جبهة القوى الاشتراكية، المعروف اختصارا بالحروف اللاتينية بـ “الأفافاس"، نفسه يرفع الراية البيضاء في وجه السلطة ، وفي حالة يأس لم يشهدها الحزب منذ تأسيسه في العام 1963.

اعترف الخبير الأممي والقيادي في جبهة القوى الاشتراكية، محند أمقران شريفي، في تصريح نقلتها صحيفة “العرب”، بخيبة أمل تعم قيادة الحزب بشأن إقناع طرفي السلطة والمعارضة بتحقيق إجماع وطني في الظرف الراهن، ولمّح إلى فشل مبادرة الحزب في جمع كل الأطراف حول طاولة المشروع، معللا ذلك بالقناعات الراسخة لدى هؤلاء بفرض حلول الأزمة الراهنة دون الاستعانة بالآخرين، وشدّد على مضي “الأفافاس″ في النضال إلى غاية تحقيق المبتغى المستبعد في الظرف الراهن.

وصرح المتحدث قائلا “جبهة القوى الاشتراكية لن تتخلى عن مبادرة الإجماع الوطني، ولو أننا ندرك استحالة تجسيدها في الظرف الراهن”، مضيفا أن “مبادرة (الأفافاس) هي الأولى من نوعها، وهي تتميز بالتنوع عن مبادرات السلطة وعن مبادرة تنسيقية الانتقال الديمقراطي، لأنها تشرك الأحزاب والسلطة في تحديد النقاط الأولى التي يجب التحاور حولها للمرور إلى القاء الثاني”.

وتابع: “نعترف بصعوبة المهمة في الوقت الراهن لأن الشروط غير متوفرة لإنجاح المسعى، لكن رغم ذلك لن نتخلى عن المبادرة وسندافع عنها لأنها السبيل الوحيد لتحقيق الانتقال الديمقراطي في الجزائر”.

وأكد أن “ندوة الإجماع الوطني لجبهة القوى الاشتراكية ستكون في دورتين، الأولى من أجل فتح الحوار والاستماع للاقتراحات والثانية تخصص لتحديد النقاط التي سيتم الاتفاق عليها، مع إلزامية إشراك السلطة في الندوة لإنجاح الانتقال الديمقراطي”.

ولأن مبادرة الحزب ترمي إلى تغيير النظام القائم، فإن شريفي يرى بأن سر اختلافها عن مبادرة تنسيقية الانتقال الديمقراطي وعن مبادرات السلطة، أن كليهما “يرفض في الأصل قبول الطرف الآخر، كما أنهما يذهبان إلى فكرة الانتقال بأجندة مسبقة وهو ما يجعل تلك المساهمات تفشل في تحقيق أهدافها”.

ويبدو أن الحزب الذي صمد طويلا أمام الهزات الكبرى التي ضربت أركانه، بما فيها رحيل مؤسسه التاريخي المناضل حسين آيت أحمد، وجد نفسه هذه المرة في منعرج حاسم بسبب خياراته السياسية والاستراتيجية بمحاولته التشكل كخيار ثالث للسلطة والمعارضة، حيث شارك في المشاورات الدستورية التي أنهاها منذ أسابيع أحمد أويحيى، في ندوة تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي المنعقدة في يونيو الماضي.

لذلك حاول القيادي وعضو الهيئة الرئاسية للحزب، علي العسكري، الدفاع عن خيار القيادة الجديدة، ووصف مشاورات أويحيى حول الدستور وندوة تنسيقية الانتقال الديمقراطي، بـ “المبادرات المتسرعة”، وقال:” جبهة القوى الاشتراكية لن تتنازل عن شيء من خطها السياسي المتمثل في مواصلة الحوار والبحث عن تقريب طرفي المعادلة السياسية وهما السلطة والمعارضة”، وهو خطاب يعكس برأي المراقبين قناعة تكون قد تشكلت لدى الحزب بناء على تجاربه الماضية التي فشلت في تغيير النظام، تؤشر لحالة من اليأس في إحداث التغيير المنشود وترك المسألة للزمن.

وكانت الهيئة الرئاسية لجبهة القوى الاشتراكية، قد عينت في دورة المجلس الوطني المنتهية، النائب محمد نبو، على رأس الأمانة الوطنية للحزب، خلفا لأحمد بطاطاش الذي يتولى هذه المهمة منذ المؤتمر الخامس الأخير.

وكان محمد نبو المنتخب عن العاصمة في المجلس الشعبي الوطني، يشغل منصب أمين وطني مكلف بمتابعة فيدراليات الحزب.

وفاجأ التغيير الحاصل في هرم الأمانة الوطنية، الكثير من المتتبعين السياسيين، الذي لمحوا إلى خلافات داخلية صامتة في قيادة الأفافاس تهدد بتفجيره مجددا أسوة بالهزات الماضية، إلا أن أحمد بطاطاش، سارع إلى نفيه جملة وتفصيلا، وصرح قائلا :”الأمر كان محسوما منذ فترة داخل قيادة الحزب، والهيئة الرئاسية طلبت مني أن أنتظر إلى غاية عقد دورة المجلس الوطني”، مشددا على أنه هو من طلب إعفاءه من مهامه.