الجديد في مسألة استهداف الأمن المصري الذي أحكم قبضته الأمنية على الجماعات الإسلامية الإرهابية،يتمثل في أن الإرهاب أصبح يضرب خارج مصر. فقد استهدفت الهجمات الأخيرة سفارتي مصر والإمارات في ليبيا التي انتقلت من دولة جارة لها وزنها الاستراتيجي إلى مجال متوتر يهدد أمن وسلامة مصر وكافة دول المنطقة لاحتوائها أخطر الجماعات الإرهابية ولتوفيرها مناخا ملائما لنمو وتصدير فرق “الموت الأسود” إلى الوطن العربي والعالم.

خلال الفترة الماضية شهدت الدولة المصرية عدداً من الهجمات الإرهابية التي ضربت مناطق متفرقة في البلاد من شبه جزيرة سيناء مروراً بميناء دمياط وصولا إلى السفارة المصرية في العاصمة الليبية طرابلس. وفي أعقاب الهجوم الإرهابي الذي وقع قبل أيام قليلة قرب حدود المياه الإقليمية المصرية في البحر الأبيض المتوسط، والذي خلّف جرحى ومصابين وثمانية آخرين في عداد المفقودين، فإن مسألة التهديد الإرهابي الخطير للأمن المصري والعربي، قد انتقلت إلى وضعية أصعب وأكثر تعقيدا من ذي قبل.
فقد نفّذت المجموعات الإرهابية هجومين منفصلين في سيناء أسفرا عن مقتل خمسة جنود، كما انفجرت قنبلة بدائية الصنع في محطة مترو الأنفاق أسفرت عن إصابة أكثر من عشرين شخصا، بسبب التدافع على الأبواب، وأيضا استهدف هجوم إرهابي آخر مصر ولكن هذه المرة خارج الحدود، حيث انفجرت سيارة مفخخة بالقرب من السفارة المصرية في ليبيا، وقد اعتبر الإرهابيون أن الحادث جاء انتقاما من الدولة المصرية لدورها في الغارات الجوية المزعومة على ليبيا، وتقديم الدعم لقوات اللواء خليفة حفتر، وهو ما دفع مراقبين سياسيين مصريين إلى التخوّف من تجاوز الإرهاب للحدود المصرية في كافة دول المنطقة العربية، كما أثيرت تساؤلات حول حدود الانتقام التي سيخلّفها الإرهاب ضد الدولة المصرية.

الهجمات التي وقعت خلال الأيام الماضية تشير إلى وجود تنسيق كامل بين التنظيمات الإرهابية برا وبحرا، ما يعني أن القاهرة تواجه عدوا على أهبة الاستعداد لمواجهة الدولة من جميع الاتجاهات. وقد أكدت عديد الوجوه المختصة في مجال الأمن القومي، أن هذا التصعيد الخطير يطرح تحديا خطيرا على الأجهزة المصرية. ويوضح حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن مبايعة أنصار بيت المقدس بالولاء للدولة الإسلامية (داعش)، سيخلّف المزيد من الضربات الإرهابية ضد الدولة المصرية، ومن المتوقع أن تزداد العمليات الإرهابية خلال الفترة القادمة، لاسيما بعد نشر تسجيل صوتي لقائد تنظيم الدولة الإسلامية أبي بكر البغدادي يبشّر أنصاره “بفتح مصر وضمها إلى دولة الخلافة”، ما يشير إلى أن تنظيم داعش سيركّز في حربه القادمة على مصر للتأثير على معنويات شعبها نفسياً. ويؤكد نافعة أن الهجوم الإرهابي الذي وقع قبالة حدود المياه الإقليمية المصرية في البحر الأبيض، يُعتبر نقلة نوعية في تحركات الإرهاب ضد القاهرة، ويرمي إلى وجود مجموعات إرهابية جديدة تعمل في مصر.

وتؤكد التقارير الأمنية والإعلامية أن الرابط الوحيد بين كل هذه الهجمات هو وجود حملة واسعة النطاق من قبل الدولة ضد الجماعات المسلحة في شبه جزيرة سيناء وعلى الحدود الغربية، والتي أعلنها الجيش المصري بعد أن تحسّست الأجهزة الاستخبارية توافد عناصر جديدة ومدربة إلى سيناء سواء من ليبيا أو من عبر غزة. وفي هذا السياق يقول طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية بالقاهرة، “تعدد الهجمات الإرهابية يأتي كرد فعل على السياسة الأمنية الدقيقة للدولة ضد التنظيمات الجهادية، لكنها في الوقت نفسه تُثير مسألة هامة حول فعالية آليات الدولة في مواجهة الإرهاب”.

ويرى طارق فهمي أن تلك السياسات الأمنية في حاجة إلى إعادة نظر بعد أن أصبح الأمن القومي مهددا من كافة الاتجاهات، مشيرا إلى أن الدولة اتخذت إجراءات أمنية غير مسبوقة في سيناء، أبرزها إخلاء خط الشريط الحدودي مع قطاع غزة، وهو الأمر الذي جعل التنظيمات الجهادية مكشوفة لدى القوات المسلحة المصرية، حتى أن جماعة أنصار بيت المقدس ناشدت مؤيديها المسلحين في كافة ربوع المنطقة لمساعدتها بعد أن أصبحت تحركاتها ظاهرة أمام الجنود المصريين، وبالتالي فإن التركيز الآن أصبح منصبا على البحر من أجل تشتيت جهود الدولة في حربها ضد الإرهاب.

وإلى جانب تواتر الأحداث وتسارعها بنسق أعمق، فإن عملية القضاء الجذري والنهائي على الإرهاب، يمر حتما عبر معالجة النصوص والمؤسسات، سواء كانت نصوصا قانونية تتعلق بتنظيم المساجد ودور العبادة (وفي هذا السياق وقعت عديد الإصلاحات في الأوقاف) وأيضا النصوص الدينية والقيم الإسلامية التي تتطلب من الكتاب والمفكرين والعلماء ضرورة إبرازها والنضال من أجلها وغرسها في ثقافة الشعب المصري.

وفي هذا السياق يشدد عماد جاد، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، على ضرورة وجود رؤية شاملة لمكافحة الإرهاب، مع الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد السياسية وأهمية الوعظ في المساجد وتنامي دور الأزهر في المراجعات الفكرية والمذهبية للمتشددين، بالإضافة إلى ضرورة رعاية التنمية الاجتماعية لأهل سيناء وتوفير الخدمات والتسهيلات لبناء دعم حقيقي في الحرب على الإرهاب. ويرى جاد أن تعدد الهجمات الأخيرة ضد الدولة المصرية في سيناء، وعلى الحدود البحرية الإقليمية وتفجير السفارة المصرية في طرابلس، تمثل مؤشرات خطيرة على تصاعد العنف والانتقام الإرهابي ضد الدولة المصرية، “إذ توجد جهات دولية تساند مثل هذه التحركات المسلحة ضد القاهرة، وبلاشك تُعتبر تركيا أحد أضلاع المؤامرة الدولية ضد مصر، خاصةً بعد اتفاق مصر وقبرص واليونان على إعادة رسم حدود المياه الإقليمية”. وهو ما أزعج تركيا كثيرا لدرجة أن الحكومة التركية فوّضت قواتها البحرية بتطبيق قواعد الاشتباك لمواجهة أي تحرك مريب مع دول الحدود الساحلية (مصر وقبرص واليونان)، بعد اتفاق الثلاثة على مشروعات التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي شرق البحر المتوسط.

وبخصوص التفجير الذي استهدف السفارة المصرية في طرابلس، يرى زياد عقل، الخبير في الشأن الليبي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن الجماعات الإسلامية المسلحة في ليبيا لديها تنسيق مع الجماعات الجهادية في سيناء، وتعمل هذه التنظيمات على توتير العلاقات بين مصر وليبيا، على خلفية اتفاق الجيش المصري بتدريب الجماعات المسلحة الليبية التي تخضع للإشراف الحكومي، بالإضافة إلى أن التفجير هو انتقام من المسلحين ردا على مزاعم التدخُّل المصري العسكري في ليبيا ودعم قوات خليفة حفتر. فالضربات الإرهابية التي استهدفت الدولة المصرية مؤخراً تعني أن المواجهة مع الإرهاب لن تكون سريعة الانتهاء، ولكنها مستمرة وقد تمتد لعقود طويلة، وبالتالي توجد حاجة لإعادة النظر في الدوافع والأسباب الكامنة وراء العنف المتزايد برا وبحرا ضد الدولة المصرية.

*نقلا عن العرب اللندنية