مازال التدخّل التركي في شؤون الدّول العربية يتزايد يوما بعد آخر.  وهو وضع وصل حدودا من الغرابة التي تطرح سؤالا بسيطا وبديهيا: من أعطى لتركيا كل هذا الحق في انتهاك الدّول العربية؟

تدخّل عسكري في سوريا، وحديث عن مناطق عازلة داخل الوطنية الجغرافيا السوريّة: مشهد موغلة في الاستعمارية وعقليّة التغلّب العسكري على بلد أنهكته الميلشيات وحروب العشر السنوات ضد أكبر وأخطر التنظيمات الجهادية في التاريخ المعاصر بدعم وتليح وتدريب تركي.  

تركيا التي تستغل الأوضاع الهشّة في بعض الدّول العربية لتتتحرك على محورين: الأوّل مزيد الدّفع نحو الاضطراب والفوضى من خلال دعم الجماعات الدّينية والمتطرفة وهي جماعات لا تؤمن في الغالب بفكرة الوطن ولا الوطنية، والثاني هو استغلال هذه الجماعات للتدّخل في شؤون هذه الدّول والاستفادة من مقدراتها الاقتصادية وتحويلها لأسواق للشركات والسلع التركيّة.  

 سوريا كما ليبيا تماما، بلدان منهكان من سنوات طويلة من الحروب الطاحنة كانت تركيا من أوائل من سكب فيها بنزينه على النار.  فمازال التدخل التركي، يلقي بظلاله على الساحة الليبية فبعد أن كشفت معركة تحرير طرابلس التي أطلقها الجيش الوطني الليبي منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي، حجم انخراط أنقرة في الصراع وذلك من خلال دعمها للمليشيات المسلحة الموالية لها، باتت تبحث عن شرعنة تدخلها من بوابة حكومة الوفاق التي يسيطر عليها تيار الإسلام السياسي الموالي لتركيا. 

** اتفاقية الإعلان الصريح على النوايا الاستعمارية:

ففي تطور جديد أعلنت الحكومة التركية،  توقيع اتفاق مع حكومة الوفاق الليبية لترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط،  إضافة لاتفاق خاص بتعزيز التعاون الأمني والعسكري. وجاء ذلك غداة وصول  رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج إلى تركيا في زيارة غير معلنة على رأس وفد ذي طابع أمني عسكري،  فقد ضم كلًا من وزير الخارجية محمد سيالة،  ووزير الداخلية فتحي باشاغا،  وآمر غرفة العمليات المشتركة اللواء أسامة جويلي،  ووكيل وزارة الدفاع صلاح النمروش،  ومستشار الرئيس للأمن القومي تاج الدين الرزاقي. 

وقال وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا،  إن "اتفاقية التعاون الأمني تأتي في إطار تعزيز قدرة حكومة الوفاق على بسط السيطرة الأمنية والاستقرار حتى الارتقاء للمستوى الدولي"،  وفق تعبيره. ونقلت وسائل إعلامية مقربة من حكومة الوفاق عن باشاغا قوله إن "مذكرة التفاهم مع تركيا تتعلق بمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية وتبادل المعلومات". وأشار إلى أن "المذكرة غطت جميع الجوانب التي تحتاجها حكومة الوفاق،  والأجهزة الأمنية في أمس الحاجة لها لتطوير قدراتها". حسب قوله. 

ومن جهته، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن اتفاق الحدود البحرية الذي أبرمته أنقرة مع ليبيا يهدف إلى حماية حقوق تركيا بموجب القانون الدولي. وبحسب وكالة "رويترز" قال أوغلو في مؤتمر صحفي إنه لم يتسن لتركيا إبرام مثل هذه الاتفاقات مع بعض الدول الأخرى لكن قد يتاح لها ذلك مستقبلا. 

وأثار توقيع الاتفاقية جدلا كبيرا في الأوساط الليبية، وسارعت الحكومة الليبية المؤقتة لاعلان رفضها القاطع لها مؤكدة في بيان لها، على عدم شرعية هذه الاتفاقيات كونها مبرمة من غير ذي صفة بموجب أحكام القانون والمحاكم الليبية،  كما أن هذا النوع من الاتفاقيات يحتاج لمصادقة مجلس النواب المنتخب في حال سلمنا جدلا بشرعية السراج. 

واضافت، إن الاتفاقية تمثل غطاء من "الوفاق المزعوم" وشخوصه لتحقيق مآرب أردوغان الاستعمارية عبر إيجاد موطئ قدم في ليبيا. وأعربت الحكومة عن رفضها للتدخل التركي قائلةً :"نؤكد للعالم أجمع مجدِّدًا رفضنا التام للتدخل التركي السافر في شؤون بلادنا،  ونضع المجتمع الدولي ومبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا أمام مسؤولياتهم لمنع هذا التدخل". 

وطالبت الحكومة المؤقتة بالتحقيق في كسر تركيا لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن من خلال تزويد الوفاق غير الدستوري بالسلاح الذي ذهب جله إلى الإرهابيين بما يهدد السلم والأمن الدوليين،   داعيةً الجميع لتحمل مسؤولياتهم ومنع تركيا من العبث بأموال الليبيين وأرزاقهم لأجل تحقيق مكاسب ومصالح ضيقة. 

ومن جانبها اتهمت قيادات المنطقة الغربية المجلس الرئاسي بالخيانة العظمى، وأدان وكيل وزارة الداخلية بالحكومة المؤقتة البهلول الصيد ، الخميس ، توقيع المجلس الرئاسي الذي وصفه بـ"الفاقد للشرعية" لإتفاقية أمنية مع تركيا ، مشدّدا على أن أهالي المنطقة الغربية يرفضون هذه الخطوة ويعتبرونها خيانة عظمى للوطن. 

و أكد البهلول الصيد في البيان الختامي لملتقى القيادات بالمنطقة الغربية بمناسبة إفتتاح ديوان رئاسة الوزراء بالحكومة الليبية المؤقتة ببلدية صبراتة ، على دعمهم التام للعمليات العسكرية للقوات المسلحة بمدينة طرابلس ، مطلبا المجتمع الدولي و مجلس الأمن  بسحب الاعتراف بالمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق. 

** الإسلاميون معابر تركية للسيطرة على ليبيا:

ويشير متابعون للشأن الليبي أن تيار الاسلام السياسي يقف وراء توقيع هذه الاتفاقيات مع تركيا، حيث تسعى جماعة "الاخوان" لفتح الباب أمام التدخل التركي في ليبيا تحت غطاء حكومة الوفاق وذلك بعد الخسائر الكبيرة التي منيت بها في معارك طرابلس. وفي هذا السياق اعتبر رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان الليبي،  طلال الميهوب، أن هذه الاتفاقية ما هي إلا غطاء لمزيد من تسليح الميليشيات الموالية للوفاق،  ومحاولة لنجدتهم خاصة بعد الهزائم المتتالية في مواجهة الجيش الليبي بمعركة طرابلس،  كما أنه بوابة لتعزيز سلطة الإخوان وبالتالي تثبيت أقدام تركيا في ليبيا. 

وتعتبر جماعة "الاخوان" ذراع تركيا التخريبي في ليبيا، حيث تعتمد عليها للسيطرة على البلاد. ويجاهر قيادات الاخوان بتعويلهم على الدعم التركي على حساب بلادهم ففي يوليو 2018، طالب عضو المؤتمر الليبي المنتهية ولايته،  القيادي في جماعة "الإخوان" المسلمين فرع ليبيا،  محمد مرغم،  عبر قناة "التناصح" التي يديرها مفتي الإخوان في ليبيا،  الصادق الغرياني،   بتدخل تركيا ضد الجيش الوطني الليبي،  بقيادة المشير خليفة حفتر. 

وفي سبتمبر الماضي، دعا عبدالعزيز العرادي ممول و قيادي في جماعة الإخوان المسلمين الليبية، في تدوينة على "فيسبوك"، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج بمغادرة نيويورك والتوجه إلى أنقرة وتوقيع اتفاقية دفاع مع الجمهورية التركية تحت "ضوء الشمس وبالفم المليان" للدفاع عن العاصمة،  على حد تعبيره. 

تتابع النوايا المشبوهة التي يستهدف بها النظام التركي عدة دول عربية والتي أظهرها بوضوح الرئيس التركي حين قال فى خطاب له في أكتوبر الماضي، أمام منتدى "تى أر تى وورلد" الذى عقد فى إسطنبول:"الأتراك يتواجدون فى ليبيا وسوريا،  من أجل حقهم،  وحق إخوانهم فى المستقبل". ثم أردف قائلا :"الأتراك اليوم يتواجدون فى جغرافيتهم احتراما لإرث الأجداد،  فهم من نسل يونس أمره" فى إشارة إلى القاضى العثمانى الشهير. 

وأكّد أردوغان "تركيا وريث الإمبراطورية العثمانية"،  مشيرا إلى سعيه لإحياء ما وصفه بالمجد القديم للأتراك، في مشهد استفز الليبيين الذين اعتبروه تعديا على سيادة بلادهم وتدخلا في شؤونها،  وتوجهات استعمارية معلنة لتركيا عبر أدواتها في ليبيا،  متمثلة في جماعة الإخوان المسلمين التي تسيطر على حكومة الوفاق في العاصمة وتسعى لتمرير أجنداتها من خلالها.