دافيد تومسون هو مراسل سابق لقناة فرانس 24 و إذاعة فرنسا الدولية في تونس، و صاحب " تونس، غواية الجهاد"، شريط وثائقي حول 'أنصار الشريعة'. أما "الجهاديون الفرنسيون" كتابه الصادر أخيرا بباريس فهو تحقيق ميداني، حاول أن يتسلل فيه إلى عمق ذهنية الجهاديين الفرنسيين الذين جعلوا من القتال في سوريا قضية حياتهم.
كثيرون و كثيرات من أمثال ألكسندر، جينفييف، ياسين ، كليمنس، سليمان...فرنسيون من أصول عربية و إفريقية و من أبناء البلد الأصليين، تركوا كل شيء من ورائهم و قصدوا بلاد الشام ، كما يحبون القول، للقتال في صفوف من يحاولون إسقاط نظام الأسد. لكن من هم هؤلاء ؟ ما هي أهداف من أصبحوا يعرفون بـ 'الجهاديين الفرنسيين ' و ' الجهاديين المتمرنين' ؟ و كيف وصلوا إلى اعتناق فكر التطرف و العنف و إيديولوجية التكفير و هم في أغلبهم لم يغادروا حتى الأحياء الفرنسية التي ولودوا و ترعرعوا فيها و منهم من لم تطأ قدمه قاعة صلاة أو مسجد أو مدرسة إسلامية ؟ ما الذي يدفع بشابات فرنسيات إلى الذهاب إلى جبهة القتال بمعية الزوج و الأولاد؟ و أخريات لا يتوقفن من البحث عن طريق الفيسبوك عن عريس 'مجاهد' للهجرة معه إلى سوريا أو للالتحاق به هناك؟
مدرسة الجهاد العنكبوتية
يجمع كل الذين اقتفى الصحفي أثرهم و تابع بالتفصيل قصصهم أن الفضل في اهتدائهم إلى المنهج الجهادي يعود بالدرجة الأولى إلى الشبكة العنكبوتية و ما وجدوا فيها من مواقع تقدم الإسلام الحقيقي في نظرهم ، ذلك الإسلام الصافي الذي لم تشوهه المساجد و الجمعيات المنتشرة في فرنسا و التي تأتمر بأمر السلطة الفرنسية الكافرة حسب ما يزعمون. و حتى انتقالهم من خلف شاشة الحاسوب إلى ميدان المعارك هو من فضل الانترنيت أيضا إذ تم تجنيد أغلبهم للقتال في سوريا عن طريق الفيسبوك. فهل سهلت شبكات التواصل الاجتماعي الأمر لهؤلاء الشبان في العثور على قضية تعطي لحياتهم المملة في الضواحي و القرى الفرنسية النائية معنى تمثل في الجهاد كما يعتقد بعض المحللين المتسرعين أم الأمر أعمق و أعقد من ذلك ؟
من الكاثوليكية واللادينية و الإسلام الشعبي إلى الجهاد
في غالب الأحيان يعتبر هؤلاء الجهاديون أنفسهم من المعتنقين الجدد للدين الإسلامي حتى و إن كانوا منحدرين من عائلات مسلمة لأن أغلبيتهم من الشباب المراهق و الحديث عهد بالتدين. و لئن لم يكتشفوا كلهم الإسلام عن طريق الإنترنيت ، فكلهم تقريبا تعلموا من النت أن الجهاد فريضة على كل مسلم و مسلمة، فليس هناك مسجد واحد مثلا يحرض على ذلك علنا في فرنسا و لا المحيط العائلي إذ أغلبهم ينحدرون من عائلات متواضعة لا علاقة لها بفكر التكفير و الجهاد بل ينحدر الكثير منهم من عائلات كاثوليكية أو غير متدينة أصلا. فالمتواجدون حاليا في سوريا سبق لهم أن وطدوا علاقات عبر الفيسبوك، ساعدتهم على الوصول إلى تركيا ثم الدخول إلى أرض الميعاد و الجهاد. و بات واضحا اليوم أن شبكات التواصل الاجتماعي قد غيرت صورة الجهاد الذي كان مجرد فكرة فأصبح في متناول حتى المراهقين و المراهقات بينما كان الأمر مقصورا على بعض المحظوظين قبل الانتشار الواسع للانترنيت.
المهاجرون الجدد
في أغلبهم هم ليسوا هاربين من العدالة أو من الديون أو البطالة ، لقد قرروا الهجرة (بالمعنى التاريخي الاسلامي) ، ومغادرة وطنهم فرنسا ، الأرض التي ولدوا فيها لأنها بلاد كافرة ، و راحوا يبحثون عن أرض الإسلام. و أي مكان أحسن من أرض الجهاد ، سوريا. و رغم فظاعة الأحوال على أرض الميدان، و ما يعيشونه من رعب تحت القصف المتواصل و التهديد باستعمال الأسلحة الكيماوية من طرف نظام الأسد و الصراعات بين الفصائل الجهادية، قرر الكثير منهم الإقامة في حلب و غيرها من المناطق السورية الأخرى. و منهم من تعمد الظهور في فيديوهات على النت لكي يقطع على نفسه أية رغبة في العودة إلى فرنسا.
في البدء كانت تونس
بدأ الجهاديون الفرنسيون يقصدون تونس ابتداء من 2011 و إلى 2013 و لكن ليس باعتبارها أرض جهاد و إنما كمحطة تكوين ديني و كملجأ تدريبي قبل الذهاب إلى سوريا. و قد ارتاد الكثيرون منهم المساجد التي كانت تسيطر عليها الحركة الجهادية التونسية و على وجه الخصوص "جماعة أنصار الشريعة" و نهلوا منها ما تيسر من دروس التطرف و التكفير و العنف في غفلة عن أعين السلطات الفرنسية إذ لم تكن تونس في نظر الفرنسيين وجهة مشبوهة. فكان طلاب الجهاد ينتقلون بين ضفتي المتوسط بكل يسر دون أن يشك أحد في أمرهم كغيرهم من الذين يذهبون للبحث عن أشعة الشمس. و قد استفادوا في مرحلة ثانية من تجربة الجهاديين التونسيين الأكثر تنظيما و هم الذين سبقوهم في رحلة القتال إلى سوريا. ووجدوا الإعانة منهم في الانتقال إلى ليبيا للاستفادة من تكوين عسكري حقيقي قبل الرحيل إلى الشام. و لكن سرعان ما تغيرت النظرة إلى هؤلاء الوافدين الجدد من فرنسا بعد ما بدأت جرائم القتل في تونس و على الخصوص بعد مقتل المناضلين شكري بلعيد و محمد براهمي من طرف جهات متطرفة من بينها متطرف فرنسي حسب السلطات التونسية. و منذ جويلية 2013 أصبح من الصعب أن يدخل تونس من كانت تبدو عليه علامات جهادية إذ باتوا يطردون فور وصولهم إلى الحدود التونسية. و صنفت حتى 'جماعة أنصار الشريعة" التي كانت ترعاهم ضمن قائمة المنظمات الإرهابية العالمية.
أسئلة تقلق باريس
يتعاقب مع مرور صفحات الكتاب الواحد تلو الآخر 18 شابا و شابة من فرنسا تتراوح أعمارهم ما بين 15 و 35 سنة منهم من حقق رغبته الجهادية و هو اليوم في سوريا يجني الغنائم و الهزائم و يحلم بالحوريات و منهم من ينتظر. يشرح هؤلاء الجنود الصغار للصحفي كيف انقلبوا على حياتهم الماضية ووقعوا في عشق الصراع المسلح. و شيئا فشيئا و من خلال مسار كل واحد منهم، يبدأ القارئ في فهم كيف و لماذا تحول شباب في مقتبل العمر ولدوا و تربوا في فرنسا إلى معجبين متحمسين لإرهابي مثل أسامة بن لادن إلى درجة الانتقال إلى سوريا للقتال في صفوف القاعدة مع نية بعضهم في العودة للقيام بعمليات إرهابية بفرنسا ذاتها. و هو ما بات يقلق المصالح الأمنية الفرنسية التي ترى فيهم قنبلة موقوتة نظرا لعدد المعنيين بالجهاد مباشرة و الذي وصل في بداية السنة الجارية حوالي الـــ 700 حسب أرقام رسمية من بينهم 250 هم يقاتلون فعليا في صفوف جبهة النصرة و صفوف الدولة الإسلامية في العراق و الشام ، قتل منهم 20 من بينهم ثلاثة لقوا حتفهم في عمليات انتحارية. و خلال السنة التي قضاها في إعداد التحقيق (230 ص) الذي بين أيدينا أحصى الصحفي نفسه 100 شاب و شابة من بينهم 15 من القصر تتراوح أعمارهم ما بين 15 و 18 سنة لا أكثر.
حدّث الجهاديون قالوا...
ياسين : الإحتيال في جمع المال من أجل الجهاد غنيمة حرب
" نكون ملفات استدانة محكمة لدى بنوك فرنسية ثم نأخذ الأموال لتمويل انتقالنا إلى الجهاد في سوريا..و هذه هي غنيمة الحرب و هذا أمر شرعي جائز في الشرع ، حلال..لأنه يجوز أخذ أموال و أملاك الكفار من أجل هدف له علاقة بالجهاد." " حينما نكون في عين المكان ننشر فيديو على النت نشرح فيه للإخوة الآخرين كيف ينظمون أنفسهم ليتمكنوا من الالتحاق بأرض الجهاد مثلنا. نصور الأوراق المالية الكثيرة التي بحوزتنا من أجل تحفيزهم و لنبين لهم أن الله يفي بوعوده."
سليمان و كليمونس : لم يبق لنا أي عذر للتقاعس
"جاءتني فكرة الجهاد بغتة يقول سليمان - ابن الـ 24 و المنحدر من أصول إفريقية - و أنا أشاهد أختا فرنسية عازبة على الفيسبوك أسلمت أخيرا و كانت تتخبط في مشاكل قضائية هنا بفرنسا ثم ذهبت لوحدها إلى سوريا لتتزوج وتجاهد. حينما فرغت من مشاهدة الفيديو شعرت بالخجل و قلت في نفسي : يا لها من امرأة ..لقد فعلتها. و إذن لم يبق لي أي عذر! ذهبت نحو زوجتي (كليمونس23 سنة) التي كانت في غرفة مجاورة و سألتها : هل تريدين الذهاب؟ لقد شاهدت الفيديو في نفس الوقت و شعرت بنفس ما شعرت به. و في اليوم التالي حضرت جواز سفري و إن شاء الله سنرحل يوم الأحد."
لقد شعرت و أنا أشاهد الفيديو أن الأمر كان يخصني..إنه لأمر لا يصدق! تقول كليمونس. فأنت حينما ترى باكستانيين يقاتلون تقول بينك و بين نفسك : " هم لديهم معرفة..يحسنون القتال". و لكن عندما ترى فرنسيا او بلجيكيا يصبح الأمر مغايرا. هناك إخوة لنا في الدين ذهبوا إلى سوريا و عمرهم لا يتعدى الـ 15سنة ! حينما ترى هذا تقول لا يمكن أن أبقى هنا. لقد وجدت طريقي و ليس لي أي عذر للتقاعس."
سيدريك : أنا قادر على قتل أخي!
لئن اختلفت أراء الجهاديين حول القيام بعمليات إرهابية على أرض بلدهم فرنسا، فإن سيدريك يقول بأنه قادر على قتل أخاه المجند في الجيش الفرنسي : " كل مسلم بسيط يكون غير منافق يجب أن ينظر إلى نفسه كإرهابي لأن الله يقول : " تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ". أنا أساند ما فعله محمد مراح إذ عندما نرى ما يفعلون ،هم، نتساءل : من هو الإرهابي؟ أخي الأصغر عسكري في الجيش الفرنسي و قد قلت له : " بما أنني أطبق 'الولاء و البراء'، إذا ذهبت لمحاربة المسلمين و عدت، سأذبحك في الحين و أمام الجميع." أخ في الدين أهم من أخ كافر و لو جاء من نفس البطن. ديني قبل كل شيء."
أبو النعيم : الكفار على حق حينما يشعرون بالخوف
" في الحقيقة أصل إلى الناس عن طريق الفيسبوك في كل مكان، يقول أبو النعيم (23) سنة. و كثيرون أتيت بهم إلى سوريا انطلاقا من الفيسبوك. و إذن فالكفار على حق حينما يشعرون بالخوف، فهم لا يستطيعون أبدا مراقبة شبكات التواصل الاجتماعي و لا السيطرة عليها. سأواصل عملي و سأستمر في جلب المجاهدين إلى سوريا و سيستمرون هم في العجز عن فعل أي شيء لمنعهم من المجئ . تلك هي الحقيقة التي أريد أن أقولها لهؤلاء الكفار." ----------------------------------------------------
David Thomson, Les français Jihadistes, éd. Les Arènes, 2014.