اقتربت ساعة الحسم ، لم يعد هناك الكثير أمام موعد التحرير ، هكذا يتحدث قادة الجيش الوطني الليبي بكل ثقة : الذكرى الثامنة والستون للإستقلال سنحتفل بها في طرابلس ، وستكون مناسبة لتجميع الليبيين والتأكيد سيادة الدولة ووحدة المجتمع والمصالحة الوطنية التي تشمل الجميع بإستثناء سافكي دماء الأبرياء من الإرهابيين وأمراء الحرب ، ودواعش المال العام ، والمتآمرين على الأمن القومي للبلاد

بوادر الحسم ظهرت بجلاء ، قوات الجيش على مشارف بوسليم الحي الشعبي الأكبر بالعاصمة  والمتاخم لباب العزيزية حيث كان مقر القيادة السياسية السابقة ، السيطرة على محور الخلاطات ومنطقة الروابش فتحت الطريق نحو قلب طرابلس ، جميع المؤشرين تؤكد أن السكان المحليين ينتظرون لحظة دخول قواتهم المسلحة الى العاصمة لتنهي سنوات من حكم الميلشيات الفاشي الذي مارس كل أنواع التنكيل بالمواطنين وكل أشكال التلاعب بمؤسسات الدولة

حي بوسليم يمتاز بأهمية إستراتيجية كبوابة لوسط طرابلس ، وبأهمية إجتماعية كونه يضم سكانا من مختلف قبائل ليبيا الداعمة للقوات المسلحة ، وكان له تاريخ بارز في التصادم مع الميلشيات منذ العام 2011 ، وهو اليوم ينتظر لحظة دخول الجيش للإطباق على مسلحي الميلشيات ، تلك اللحظة بدأت تقترب في ظل وصول تعزيزات ضخمة تعتمد بالأساس على القوات الخاصة التي ستنفذ عملياتها بكل دقة من خلال عمليات الإنزال على مواقع يعتقد أمراء الحرب أنها محصنة

 العمليات العسكرية تعمل  حاليا على ربط المحاور المختلفة للقتال وإحكام السيطرة على مداخل العاصمة وخلق طوق متكامل يكبر ويزداد بكل تقدم للقوات المسلحة لمنع المليشيات من القيام بأي عمليات عسكرية والقضاء على مقاومتها، وفق تصريحات للعميد خالد المحجوب المتحدث الرسمي بإسم غرفة عمليات الكرامة ،

المروحيات دخلت ساحة القتال لأول مرة ، هدفها ملاحقة التجمعات الإرهابية لفتح الطريق أمام القوات البرية الزاحفة ، وقال اللواء أحمد المسماري الناطق باسم القيادة العامة للجيش الوطني إن سلاح الجو بدأ  في إشراك الطيران العمودي في العمليات العسكرية في معارك طرابلس، وأضاف  أن طائرات سرب “الشّهيد مؤمن الدّرسي” نفذّت ا بشكل مكثف عدة ضربات قوية ضمن العمليات العسكرية للجيش الوطني ،على أن يكثف الطيران العمودي  من عملياته خلال الأيام القادمة في محاور طرابلس. واعتبر المسماري، أن دخول السرب العمودي في المعركة إشارة إلى قرب الحسم.

تشير الدراسات الإستراتيجية الى أن من وظائف الطيران العمودي تحريك القوات والمعدات جوا إلى المناطق الحرجة بسرعة فائقة، متجاوزة العوائق الطبيعية والصناعية الصعبة، التي عادة ما تشكّل صعوبة لتحريك القوات برا  إلى أهدافها، ولإيضاح ذلك على سبيل المثال، تحتاج حضيرة المشاة الراجلة إلى ستة ساعات تقريبًا لقطع مسافة 30 كم، فإذا كانت محمولة على ناقلة جنود مدرعة، فإنها تقطع المسافة نفسها في ساعتين، بينما لو تم نقلها بطائرة عمودية لما استغرقت لقطع هذه المسافة سوى من (10 إلى 15) دقيقة. وبالتالي يمكن القول إن القائد يستطيع الاستجابة الفورية للمواقف الطارئة بسرعة أكبر إذا توفّرت له طائرات عمودية لتحريك قواته. وقد أثبتت الشواهد التاريخية أن باستطاعة وحدة مشاة قليلة العدد، ولكنها مدربة على التحرّك والقتال بالطائرات العمودية، التأثير على سير المعركة، وذلك بالمناورة من أحد الأجناب أو عبر الحافة الأمامية، للقيام بحركة حجز  لعناصر العدو الأمامية المتقدمة، أو لضرب أحد أجنابه، أو احتلال منطقة حيوية لتكون رأس جسر، تمهيدا للالتقاء بقوة صديقة أكبر، أو إرباك تحرّك العدو بضرب مؤخرته أو قواته الاحتياطية ،وبعد إنزال الطائرات العمودية لهذه القوة، تستمر في تعزيزها بالنيران وإدامة عملياتها بالإمدادات حتى انتهاء مهمتها.

ويرى المراقبون أن دخول المروحيات ساحات القتال في طرابلس يعني أن الخطة العسكرية للإقتحام قد دخلت حيز التنفيذ ، وأن الأيام القادمة ستعرف المنعطف الأهم في عملية طوفان الكرامة التي أطلقها الجيش الوطني في الرابع من أبريل الماضي ، بعد أن تم إستنزاف الجانب الأكبر من قوة الميلشيات  وتكبيدها خسائر فادحة في الأرواح والمعدات ، وقطع أغلب طرق الإمداد عنها ، ودخول عدد من أمراء الحرب في مفاوضات سرية مع قيادة الجيش بهدف التوصل الى الحصول على منافذ للفرار الى الخارج صحبة عوائلهم ،

الجانب المعنوي للميشيات عرف حالة من الإنهيار ، هناك شعور لدى التمردين بأنهم دخلوا طوق الهزيمة ، البعض أدرك أن خيانات تعصف بقواتهم من الداخل ، لم تعد لديهم ثقة في المجلس الرئاسي الذي يبحث عن حل من تحت الطاولة مع قيادة الجيش ، ولا في جماعة الإخوان التي طالما أكدت لبعض الوسطاء الغربيين أنها لم تعد  ترى مانعا من بسط القوات المسلحة نفوذها على العاصمة مقابل حمايتهم من الغضب الشعبي وضمان دور مستقبلي لها في إدارة شؤون البلاد ، لكنها لا تزال تصطدم بالرفض الحاسم لذلك الدور من قبل مجلس النواب والقيادة العامة

سلاح الجو ساهم بدور كبير في ضرب معنويات عناصر الميلشيات ، الضربات التي إستهدفت منذ أيام عددا كبير من المدرعات التركية في مخازن سرية بين الأحياء الآهلة بالسكان داخل مصراتة ، أكدت أن الجيش نجح في إختراق جميع حصون المتمردين ، وأنه لم يكتف بالسيطرة وبشكل كامل على الأجواء ، وإنما لديه عيون على الأرض كذلك ترقب كل الدقائق المتعلقة بتهريب السلاح والذخيرة وتخزينهماونقلهما الى المحاور  وبتحرك الأرتال وتجمعات المتمردين ، ومازاد من مخاوف الميلشيات ومن يقف وراءها أن يكون الجيش محتكما على قنوات تمده بصور ملتقة من قبل الأقمار الإصطناعية التابعة لدول بعينها

ما يزعج حكومة الوفاق وميلشياتها كذلك أن الجيش يبدو أنه حصل على ضوء أخضر دولي  لإتمام المهمة بإقتحام طرابلس ، مصادر من خارجية الوفاق تقول أن كل ما يقال علنا من بعض القوى الإقليمية والدولية عن ضرورة وقف العمليات العسكرية ليس سوى ذر للرماد على العيون ، ما يدور في الخفاء مختلف تماما ، فأغلب الدول ترى أن لا حل في ليبيا إلا بسيطرة الجيش ، وإستعادة الدولة لمؤسساتها الرسمية الأمنية والعسكرية ، والقضاء على الميلشيات ، وتأمين كافة أرجاء البلاد لفتح المجال أمام العملية السياسية في ظل الإستقرار ، فلا مجال لإنتخابات أو كتابة دستور والإستفناء عليه تحت بنادق متمردة على سلطة الدولة ، حتى الأمريكان لا يريدون تكرار السيناريو العراقي أو الأفغاني أو الصومالي ، والرئيس ترامب ذاته يطمح الى أن يقوم الجيش الليبي بدور حاسم في تهيئة ليبيا أمنيا لعملية سياسية ناجحة ،

والأربعاء الماضي ، أكدت  القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية أنه لا مجال لنجاح أي عملية سياسية ما لم يتم القضاء على المجموعات الإرهابية وتفكيك المليشيات الإجرامية ونزع سلاحها ، وأضافت  أن المجموعات الإرهابية والمليشيات الإجرامية يشكلان عائق إمام قيام الدولة والحل السياسي وإيجاد سلطة في طرابلس تمتلك إرادة سياسية لها أرضية دستورية

وأشارت القيادة العامة إلى أن وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا أقر في تصريحات تلفزيونية مؤخرا أن المليشيات تحولت لمافيا وإنها منعتهم من إقامة الدولة وهي السبب في قدوم قوات الجيش الوطني لطرابلس ،مبرزة   أن في ذلك  إقرارا من سلطات طرابلس  بمشروعية العملية العسكرية التي تقودها القيادة العامة لتفكيك هذه المليشيات والقضاء على الإرهاب انطلاقا من واجبها الوطني والدستوري في استعادة الأمن وفرض هيبة الدولة وهو ما عجز عنه رئيس المجلس الرئاسي وحكومته بإقرار وزير داخليته.

في مكتب المشير خليفة حفتر بضاحية الرجمة في بنغازي ، هناك لقاءات يومية لوضع اللسمات الأخيرة على خطة إدارة العاصمة بعد تحريرها ، لا شيء متروك للإرتجال ، وكبرى الكفاءات من مختلف الجهات والمدارس والأجيال تنتظر لحظة تحرير العاصمة لتخدم وطنها بما يحقق طموحات الشعب ، كل مصالح مجلس النواب والحكومة المؤقتة تعمل في ذات الإتجاه ، والمفاوضات لإختيار سلطة التكنوقراط التي ستتولى السلطة المدنية تجري على قدم وساق ،

أما حكومة الوفاق  فلم تعد قادرة على إقناع أي طرف إقليمي أو دولي بالفصل بين الميلشيات والإرهاب ، ولا بأنها ستفلح في تحقيق ما فشلت في تحقيقه منذ أربع سنوات مرت على إتفاق الصخيرات وخاصة في ما يتعلق بالترتيبات الأمنية ، الإثنين الماضي ثمّن مسؤول كبير في البيت الأبيض  دور القوات المسلحة بقيادة المشير خليفة حفتر في مكافحة الإرهاب في ليبيا، مشددًا على ضرورة أن تعمل حكومة الوفاق في ليبيا على العمل مع القائد العام المشير خليفة حفتر، لافتا إلى أنه يمكن أن يلعب دورا مستقبليا في تأمين ليبيا.

وأضاف المسؤول في مقابلة مع موقع “العربية.نت” أن  “هناك أخبار جيدة في ليبيا أيضا بخصوص جهود مكافحة الإرهاب ومع كل الأطراف في شرق وغرب ليبيا ومشكلة الإرهاب كانت تمثل تهديدا وجوديا قبل خمس سنوات والآن هي تحت السيطرة”، وتابع قائلا :“لا نستطيع إغلاق أعيننا عن المنظمات الإرهابية وإلا سيكون لدينا داعش جديد، لكن نحن نتعاون بشكل مختلف الآن مع الليبيين ونأمل أن تتجه جهود الليبيين نحو تأسيس الأمن وتحقيق الازدهار” ، وفق تعبيره

كل المعطيات باتت تشير الى أن حكومة الوفاق فشلت في تسويق موقفها إقليميا ودوليا ، كما فشلت الميلشيات في فرض قرارها على الميدان ، التبرؤ من التحالف مع الإرهاب والحديث عن مرتزقة روس أو عن دعم سوداني لم يثمرا شيئا ، التلاعب بالمفردات والمصطلحات وزعم الدفاع عن مدنية الدولية في وجه مشروع لعسكرتها لم يفضيا الى نتيجة ، الوعود الباذخة بالإستثمارات والصفقات النفطية والأخرى المتعلقة بإعادة الأعمار ، لم تجلب تعاطفا مع الرئاسي وحكومته ، اليوم هناك حقيقة على الأرض هي التي يعترف بها العالم ، وهي وجود جيش وطني على مشارف العاصمة يستعد لإقتحامها ، بدعم شعبي جارف ، ولن يطول الإنتظار ، كل المؤشرات تؤكد أن الإحتفال بعيد الإستقلال في 24 ديسمبر القادم سيكون في تلك الساحة الكبرى التي كانت حملت أسماء عدة منذ 1951 منها ميدان الاسقلال والساحة الخضراء وميدان الشهداء ، والتي ستشهد تجمع الليبيين على وطن واحد في ظل مصالحة وطنية تأذن بمرحلة جديدة من البناء والأزدهار