تتواصل المعارك على تخوم العاصمة الليبية مع دخولها شهرها الثامن وسط مؤشرات على اقتراب الجيش الليبي من حسمها في ظل سيطرتها الكاملة على أجواء العاصمة وتقدمه الميداني المستمر في عدة محاور باتجاه وسط العاصمة حيث يسعى لانهاء سيطرة المليشيات المسلحة المتمركزة هناك منذ سنوات والتي تشكل عائقا أمام توحيد مؤسسات الدولة واعادة بنائها.
وفي الوقت الذي تسعى فيه حكومة الوفاق ومن ورائها تيار الاسلام السياسي لاقناع القوى الدولية لممارسة ضغوط بهدف وقف تقدم الجيش الليبي،جاءت زيارة الوفد الأمريكي للقيادة العامة للقوات المسلحة الليبية في شرق البلاد بمثابة ضربة لهذه المحاولات وتأكيدا على دور الجيش في تحقيق الاستقرار في البلاد.
واجتمع مسؤولون أميركيون بقائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر،مساء أمس الاثنين،لبحث سبل إنهاء النزاع في ليبيا والمضي قدما نحو حل سياسي يضمن سيادة ووحدة الأراضي الليبية.وشدد الاجتماع على الدعم الأميركي الكامل لمواجهة الميليشيات والجماعات المتطرفة التي تربطها علاقات بأطراف ودول تدعم التنظيمات الإرهابية وتعمل على ضرب استقرار ليبيا والمنطقة برمتها.
وقالت الخارجية الأميركية في بيان لها الاثنين إن حفتر وأعضاء الوفد الأميركي الذي ضم السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند وفيكتوريا كوتس نائبة مستشار الأمن القومي ناقشوا "الخطوات الرامية لوقف القتال وتحقيق حل سياسي للصراع الليبي".كما تناول اللقاء تحديد "الخطوات الواجب اتّخاذها توصّلاً إلى وقفٍ للأعمال القتاليّة وإلى تسوية سياسيّة للنزاع".
وأضاف بيان الخارجية أن "المسؤولين الأمريكيين أكدوا خلال اللقاء دعم الولايات المتحدة الكامل لسيادة ليبيا ووحدة أراضيها، وعبروا عن قلقهم البالغ مما وصفوه "استغلال روسيا للنزاع على حساب الشعب الليبي".وقال البيان إن "هذا الدعم يشمل جهودا ملموسة لمواجهة الميليشيات والعناصر المتطرفة، وتوزيع الموارد بما يعود بالفائدة على كل الليبيين".
وتطرح زيارة الوفد الأمريكي تساؤلات حول وجود ضغوط امريكية من أجل إيقاف الهجوم على العاصمة طرابلس.وفي هذا السياق،قال عضو مجلس النواب الليبي، جاب الله الشيباني،إن "الزيارة التي قام بها الوفد الأمريكي للقيادة العامة للجيش الليبي تأتي بعد زيارة قام بها عدد من المسؤولين في حكومة الوفاق إلي الولايات المتحدة، لأن حكومة الوفاق تسعي لوقف إطلاق النار بكل الطرق بسبب الانتصارات التي يحققها الجيش الليبي".
ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن الشيباني قوله أن قدوم الوفد الأمريكي للقيادة العامة هو لمناقشة وقف إطلاق النار وإيجاد تسوية للأزمة ومناقشة الوضع الإنساني في طرابلس والتخلص من الميليشيات الموجودة هناك وبعدها يتم وقف إطلاق النار".مشيرا إلى أن هذا اللقاء يأتي عقب قناعة من الجانب الأمريكي بأن وجود الميليشيات يتنافى مع بناء واستقرار الدولة.
وأوضح بأن "هناك مخاوف من الإدارة الأمريكية من الدور الروسي في ليبيا، إلا أنه أكد أن هذه المخاوف ليس لها أساس من الصحة وأن ليبيا تتعاون مع كل من يقدم لها المساعدة للقضاء على الإرهاب".مشيرا الى أن الاهتمام الأمريكي بليبيا يعود لاهتمامها بمصلحة أوروبا التي لديها حدود بحرية مع ليبيا ولديها بالتالي مخاوف من الهجرة غير الشرعية ومن الوجود الروسي في ليبيا الذي ربما يتصاعد في الفترة المقبلة.
من جهة أخرى،أكد مسؤول رفيع بالجيش الليبي أن القيادة العامة للجيش اتفقت مع الخارجية الأمريكية على تشكيل لجنة تنسيق وتواصل بين قيادة الجيش والقوات الأمريكية وذلك "لمحاربة الجماعات الإرهابية في طرابلس وغرب ليبيا ومتابعة نشاطاتها".وبحسب وكالة نوفا قال المسؤول، إن اللقاء جرى بعد أن أسقطت دفاعات الجيش الوطني الليبي طائرة أمريكية بدون طيار تابعة لقوات أفريكوم فوق طرابلس الخميس الماضي عن طريق الخطأ.وأوضح المسؤول، أن الجيش اتفق مع المسؤولين الأمريكيين على تنسيق عملياتهم في طرابلس والمناطق المحيطة بها لتجنب وقوع حوادث مماثلة في المستقبل.
وكانت القيادة العسكرية الأمريكية بأفريقيا" أفريكوم"،قد أعلنت السبت الماضي، فقدان طائرة مسيرة غير مسلحة تابعة للقيادة فوق العاصمة الليبية طرابلس. وفي بيان عبر موقعها، قالت القيادة إن طائرة أمريكية غير مسلحة تابعة لها فقدت فوق العاصمة الليبية طرابلس يوم الخميس 21 نوفمبر/تشرين الثاني.
ويعد هذا ثاني لقاء لوفد أمريكي مع حفتر، لبحث التطورات السياسية والعسكرية في ليبيا، منذ أن علقت الولايات المتحدة أنشطتها الدبلوماسية في ليبيا عام 2014.فقد زار وفد دبلوماسي أمريكي نائب على رأسه رئيس البعثة الأمريكية في ليبيا جوشوا هاريس الشرق الليبي،أواخر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وقالت حينها السفارة الأمريكية في ليبيا، في بيان نشرته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إن هذه هي الزيارة الأولى من نوعها إلى مطار بنينا بمدينة بنغازي منذ أن جمدت واشنطن نشاطاتها الدبلوماسية في ليبيا.وتابعت أن الزيارة تأتي لإجراء مشاورات مع مجموعة من الشخصيات الليبية حول الجهود المبذولة لإنهاء القتال حول طرابلس والسعي لتحقيق العدالة للضحايا الأمريكيين الذي قضوا جراء هجوم سبتمبر/أيلول 2012 ضدّ المنشآت الدبلوماسية الأمريكية في بنغازي.
وتعليقا على الزيارة، قال العميد خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الليبي: "أمريكا تعتبر القوات المسلحة الليبية شريكا في مكافحة الإرهاب".وتابع المحجوب في تصريح لـ"العين الإخبارية": "نحن هدفنا واحد؛ فالإرهاب خطر عالمي مثلما هو خطر محلي نحن شركاء في مكافحة الإرهاب.. اشتراكنا في هذا العمل يتطلب تنسيقا وترتيبا وتعاونا وهذا شيء طبيعي".
ويشير مراقبون الى أن هذه الزيارات تكشف اعترافا أمريكيا بدور الجيش الليبي في محاربة الإرهاب وتحقيق الاستقرار في البلاد.اعتراف بدا أكثر وضوحا حين أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اتصال هاتفي بعد أيام قليلة من بداية معركة تحرير طرابلس،بدور "المشير خليفة حفتر الجوهري في مكافحة الإرهاب وتأمين موارد ليبيا النفطية"،حسب بيان للبيت الأبيض.وأكد البيان حينها أن ترامب وحفتر "تناولا رؤية مشتركة لانتقال ليبيا إلى نظام سياسي ديمقراطي مستقر".
وتأتي هذه التطورات في أعقاب محاولات جادة لحكومة الوفاق للحصول على الدعم الأمريكي لوقف تقدم الجيش الليبي في طرابلس.فمنذ أيام قاد وزير داخليتها المكلف فتحي باشاغا،وفدا في زيارة إلى الولايات المتحدة للمشاركة في مؤتمر التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب،حيث حاول انتزاع دعم أميركي في محاولة لوقف تقدم الجيش الليبي.
وعقب ذلك دعت الولايات المتحدة الأمريكية، قائد الجيش الليبي، المشير خليفة حفتر، إلى وقف هجومه على العاصمة طرابلس.وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان لها، بعد زيارة وزيري الخارجية والداخلية في الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقرا لها لواشنطن "تدعو الولايات المتحدة الجيش الوطني الليبي إلى إنهاء هجومه على طرابلس"، وذلك حسب وكالة "رويترز".
دعوة سرعان ما تلقفتها الدوائر المقربة من حكومة الوفاق لتسوقها على أنها انتصار سياسي لها،فيما طلب مجلس النواب الليبي، في مدينة طبرق، شرقي البلاد، من السلطات في واشنطن توضيحا حولها.ونقلت وكالة "سبوتنيك" عن رئيس لجنة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي بمجلس النواب الليبي، يوسف العقوري: "نحن طلبنا من السلطات الأمريكية توضيحات حول تصريحات أحد المسؤولين بخصوص وقف هجوم الجيش الوطني على طرابلس".
وأوضح العقوري أن "قرار قيادة الجيش الوطني لتحرير مدينة طرابلس هو نتيجة لفشل تنفيذ بند الترتيبات الأمنية الذي نص عليه الاتفاق السياسي وهو ما جعل مؤسسات الدولة في العاصمة طرابلس تحت قبضة مجموعات مسلحة، وهو أمر حذرنا منه كثيرا وللأسف دون أن تتلقى تحذيراتنا اهتماما"، موضحا أنه "وفي النهاية تحركت قواتنا المسلحة لتخليص العاصمة ومؤسساتها من قبضة تلك المجموعات التي هيمنت على مقدرات الليبيين وأصبحت حكومة الوفاق نفسها تحت قبضتها".
واعترفت حكومة الوفاق، أمس، على لسان وزير داخليتها فتحي باش أغا، بتعرضها لابتزاز من الميلشيات المسلحة الموجودة في المدينة،وقال باشاغا،الذي ترأس أمس اجتماعاً أمنياً في طرابلس ضم كبار مساعديه، إن هناك مسلحون ومجموعات مسلحة تبتز المسؤولين ومؤسسات الدولة في طرابلس، مشددًا على أنهم يعرقلون بناء الدولة.وفق ما أوردت صحيفة "الشرق الاوسط".
وتحدث عن "إطلاق منظومة لجمع البيانات عن الأشخاص الذين يتدخلون في أمن الدولة ويبتزونها، ويفسدون حياة الناس والحياة السياسية، وهو تدخل من قبل بعض المسلحين أو الجماعات المسلحة".وأضاف:"الناس ملت من مظاهر الفوضى، ومن عدم قدرة الدولة على القيام بواجباتها، بسبب المعرقلين الذين ينظرون إلى مصالحهم الأمنية الضيقة"، معتبراً أن "من يفسد الحياة على الدولة ليس فقط من يحمل السلاح، فهناك بعض الأشخاص في بعض الإدارات والمؤسسات متورطون تورطاً مباشراً"، على حد قوله.
ويشير مراقبون الى أن اعتراف حكومة الوفاق بسطوة المليشيات سبق أن حذر منه الجيش الوطني في أكثر من مناسبة، وهو ما دفعه لإطلاق عملية تحرير العاصمة في الرابع من أبريل/نيسان الماضي بهدف استعادة مؤسسات الدولة ووضع حد لسطوة المليشيات التي تمثل عائقا كبيرا أمام محاولات اعادة بناء الدولة وارساء الأمن والاستقرار فيها.
وتتجه الأنظار نحو مؤتمر برلين القادم الذي يسعى لانهاء الصراع الدائر في ليبيا والوصول الى تسوية في البلاد.وتعول حكومة الوفاق على المؤتمر لوقف تقدم الجيش الليبي لكن متابعين للشأن الليبي يرون بأن الأخير يصر على اهاء نفوذ المليشيات في طرابلس وبات هذا الأمر قريبا في ظل التطورات الميدانية المتسارعة حيث فرض الجيش الليبي سيطرته على الأجواء فيما تتقدم قواته على الأرض وسط تأكيدات من مسؤولين عسكريين بقرب حسم المعارك.