قبل عشرينات القرن العشرين لم يكن ثمة فاصل أو مانع من التواصل بين أهالي مناطق شرق ليبيا وغرب مصر، بل كانت المنطقة امتدادا طبيعيا واحدا ليس جغرافيا فحسب بل ديموغرافيا أيضا، حيث يعود أهالي المنطقة الممتدة غربي النيل وحتى أقليم برقة بليبيا- يعودون إلى أصول واحدة وينتشرون في الحواضر المنتشرة على الشريط الساحلي للبحر المتوسط والواحات المتناثرة في الصحراء الكبرى، وبقيت المنطقة إضافة إلى كونها موطن للعديد من القبائل العربية، ممرا وطريقا للقوافل التجارية وقوافل الحجاج والفاتحين.
في أبريل سنة 1920 وقعت كل من بريطانيا وإيطاليا باعتبارهما دولتين مستعمرتين لمصر وليبيا على التوالي، ما عرف باتفاق (ملنر-شالويا) بين وزير المستعمرات البريطانية الڤايكونت ملنر ووزير الخارجية الإيطالي ڤيتوريو شالويا، والتي أفضت إلى وضع حدود وهمية بين ليبيا ومصر حيث وافقت إيطاليا في المذكرة المقدمة من بريطانيا، على أن تكون نقطة بداية الحد الشمالي من حدود مصر-برقة غرب السلوم بمسافة عشرة كيلومترات واعتبار المنطقة التي يحتويها خط الحدود مناسبة تماما طالما دخلت واحة الجغبوب ضمن الأراضي الإيطالية، وهو ما لاقى قبول الجانب البريطاني، ليتم بذلك اعتماد الحدود بين البلدين لأول مرة، والتي تمتد بطول يزيد عن 1000 كيلومتر.
ونظرا للتداخل الديموغرافي والامتداد الطبيعي بين أهالي البلدين استمرت حركة التنقل والهجرة والتجارة بين البلدين، ولعل اعتماد المجاهدين الليبيين على العمق المصري خلال فترة مقاومة الغزو والاستعمار الإيطالي خير دليل على عدم احترام هذه الحدود، وقد أكدت المصادر التاريخية الإيطالية أن ما تلقته المقاومة الليبية من دعم جاءها عبر الحدود المصرية حيث قدرت عدد قطع السلاح التي تدخل إلى ليبيا بأكثر من ثلاثة آلاف قطعة شهريا، كما أن حركة التجارة والهجرة بقيت مستمرة لا سيما توجه الليبيين إلى مصر عقب سيطرة إيطاليا على ليبيا بعد سنة 1931 التي شهدت توقف حركة المقاومة في المنطقة الشرقية بعد إعدام عمر المختار.
بعد موجة الاستقلال التي شهدتها المنطقة خلال فترة الخمسينات والستينات انتظمت العلاقة بين ليبيا ومصر بشكل مباشر بعيدا عن الوصاية والانتداب الأجنبي، وشهدت الحركة بين البلدين تدفقات متباينة في الاتجاهين وفقا للظروف السائدة والأحوال الاقتصادية في البلدين إلا أنها بقيت تحت سيطرة السلطات المختصة، على الرغم مما مرت به العلاقة بين البلدين من تموجات وصلت إلى قطع العلاقات السياسية، حتى جاءت موجة الربيع العربي وما صاحبها من فوضى، وما اعقبها من انفلات أمني عادت المناطق الحدودية كممرات لتهريب الممنوعات بجميع أنواعها بدء من السلاح والمخدرات إلى البشر في موجات الهجرة غير الشرعية.
في ليبيا بعد سنة 2011 عقب إسقاط مؤسسات الدولة بشكل عام والعسكرية والأمنية والضبطية بشكل خاص أصبح متاحا أمام المهربين إخراج كل الأشياء دون استثناء، فنشطت عصابات التهريب المحلية والدولية على مجمل الحدود الليبية مع دول الجوار الست إضافة إلى شاطئ البحر، حتى أن كل دول الجوار الليبي دون استثناء أصبحت حدودها مع ليبيا قضية حية وملف مفتوح، وهاجس يؤرقها، وتبقى الحدود الليبية المصرية هي الأكثر تفاعلا، واستهدافا من قبل عصابات التهريب، ومخططات الجماعات الإرهابية، وشبكة تهريب البشر، وكل الممنوعات دون استثناء، حيث تؤكد تقارير صادرة عن عدة جهات رسمية وأهلية ومؤسسات إعلامية ومنظمات حقوقية وغيرها على ضخامة ما يتم تهريبه عبر الشريط الحدودي الطويل بين البلدين.
نشرت صحيفة الدستور المصرية تقريرا يتناول عمليات التهريب عبر الحدود الليبية المصرية كشفت فيه عن عدة حقائق ومعلومات تؤكد خطورة الوضع وفداحة الخسائر التي تتكبدها البلدين جراء نشاطات المهربين، إذ يؤكد التقرير أن عمليات تهريب السلاح على الرغم من انتشارها في مختلف الحقب، إلا أنها شهدت رواجا غير مسبوق عقب أحداث 2011، وتعد محافظات الغرب المصري مثل مطروح معبرا لتهريب الأسلحة إلى مصر، وعقب استعادة السيطرة من قبل السلطات المصرية على هذه الممرات تحولت مافيا التهريب إلى منافذ جديدة عن طريق الواحات وغرب واحة سيوة والتي يصعب السيطرة عليها بسبب المدقات الوعرة مثل بحر الرمال، وتباعد المسافات بين مواقع المراقبة.
ويستخدم المهربون سيارات الدفع الرباعي وهواتف الثريا، ويسلكون الدروب الصحراوية قادمين من منطقة الكفرة وطبرق في ليبيا إلى الجنوب وواحة الجغبوب الموازية لواحة سيوة المصرية، بعدها يتم الانطلاق عبر الواحات ومنها إلى طرق شركات البترول بالعملمين، متجهين إما ناحية الشمال الشرقى لمحافظات أسيوط والمنيا، أو ناحية الجنوب بمعاونة من قصاصي الأثر تفاديا للضربات الأمنية التي تنفذها أجهزة الأمن والجيش المصريين.
واتفقت وسائل إعلام مصرية على رسم خارطة لتحركات مجموعات التهريب داخل الأراضي المصرية بعد تمكنها من التسلل من ليبيا من عدة نقاط على امتداد الشريط الحدودي بالقرب من بعض المدن والواحات الليبية القريبة من الحدود، تتخذ سيرها في ممرات التهريب المتمثلة في دروب جبلية وصحراوية سلكتها القبائل العربية منذ سنوات قديمة، وتحولت لطرق يسلكها مهربو المخدرات والسلاح والمهاجرون غير الشرعيين، وأغلبهم من جنسيات سودانية وتشادية ودول أفريقية أخرى، حيث تعد المناطق غرب وجنوب الفرافرة خارج السيطرة.
ونقلت صحيفة الشروق المصرية عن أحد سكان منطقة أبو منقار، والتى تضم ممرات صحراوية لتهريب الأسلحة والمخدرات، أن أبرز ممرات التهريب تقع جنوب مدينة الفرافرة، حيث يدخل المهربون من ليبيا وبالتحديد من مناطق شرقي بنغازى والكفرة، مرورا ًبمنطقة جبل الرومانية وصولا ً لمنطقة بئر 6 ثم منطقة عين دالة، ومن بعدها يتم السير لمنطقة أبومنقار الصحراوية، متجهين إما ناحية الشمال الشرقى لمحافظات أسيوط والمنيا وغيرها، أو ناحية الجنوب الشرقى. مضيفا أن: «هناك معاونة من قصاصي الأثر بالفرافرة للمهربين، خاصة وانهم يستخدمون المدقات الجبلية، والتى يمكنهم من خلالها تغيير وجهتهم فى أية لحظة تفاديا لضربات أجهزة الأمن، إضافة إلى وجود ممر آخر يقع بسهل قروين شمال شرق الفرافرة بحوالى 80 كيلومترا، والذى يعبر الصحراء ليصل إلى منطقة ديروط شمال محافظة أسيوط، إضافة إلى ممر أخر فى المنطقة الواقعة ما بين الفرافرة والواحات البحرية، لافتا إلى انتشار قصاصى الأثر و«السلكاوى»، الذى يتولى مهام قص الأسلاك الشائكة على الحدود بين مصر وليبيا تسهيلا لمهمة المهربين، كما يتولى الاتفاق مع عصابات مرسى مطروح لتهريب البشر بطرق غير شرعية.
ونقلت الصحيفة المصرية عن مصدر مسؤول بإدارة المحاجر بالوادى الجديد، وهى الإدارة المسئولة عن خريطة الطرق والمدقات الجبلية والصحراوية على مستوى المحافظة، أن المنطقة الواقعة غرب الفرافرة كان يدخلها المهربين القادمين من ليبيا، حيث يتنقلون فى المنطقة ما بين غرب الفرافرة وصولا للجلف الكبير ومنها للحدود السودانية والتشادية، ما يكشف عن استمرار استخدامهم للممرات القديمة، لافتا إلى أن المهربين اتخذوا ممر شمال مدينة الفرافرة، وآخر فى جنوبها، وممر ثالث للتهريب الدولى يبدأ من الحدود التشادية والسودانية جنوبا مرورا بالحدود الليبية غربا، ليتجه بعدها لغرب الفرافرة حتى الواحات البحرية ومنها لواحة سيوة بمطروح وصولا للسلوم فى أقصى الشمال.
ويعد أخطر ممرات التهريب والتى يعتمد عليها الخارجون عن القانون بشكل أساسى، ذلك الذى يبدأ من الجزء الجنوبى الغربى من الفرافرة وحتى الحدود التشادية والسودانية، حيث يتجه نحو جنوب شرق العوينات ثم منطقة الشب ودرب الاربعين ، ليتفرع شمالا للواحات الخارجة ومنها لأسيوط، وشرقا لمحافظات قنا والاقصر وأسوان ومنها للبحر الأحمر والصحراء الشرقية، وهو درب صحراوى صعب.
وتعد الأسلحة أهم ما يتم تهريبه من ليبيا إلى مصر، حيث انتشرت في ليبيا الأسلحة التي كانت في حوزة القوات المسلحة الليبية والتي تقدر بحوالى 20 مليون قطعة سلاح وكميات هائلة من الذخائر والمعدات العسكرية الأخرى، وتقدر السلطات المصرية المختصة أن اكثر من 80% من الأسلحة المهربة إلى مصر تأتي من ليبيا، كما تأتي نشاطات تهريب البشر في مرتبة متقدمة من بين نشاطات التهريب بين البلدين، وتتمثل في تهريب المهاجرين غير الشرعيين الذين يقصدون ليبيا لركوب البحر منها إلى أوروبا، إضافة إلى عناصر الجماعات الإرهابية والذين يتحركون في الاتجاهين، وإلى جانب تهريب الأسلحة والبشر تأتي بقية أنشطة التهريب التقليدية المتمثلة في الاتجار بالممنوعات كالمخدرات والبضائع المدعومة التي يتم نقلها من ليبيا إلى مختلف دول الجوار.
وعلى الرغم من التشديد الأمني وأهتمام السلطات المصرية بعد ثورة 30 يونيو ونجاحها في الحد من نشاطات شبكات التهريب وإحباطها للعديد من محاولات التهريب، وتقليل المنافذ والممرات التي تسلكها عصابات التهريب إلا أنها تبقى نشاطا مرتبطا بوجود الحدود ذاتها.