عندما اختارت ليبيا أن تكون الدولة العربية الوحيدة التي تختار الاصطفاف المعلن وراء الولايات المتحدة وأوروبا الغربية في مواجهة روسيا، كان واضحا أن حكومة عبد الحميد الدبيبة تبحث عن دعم واشنطن في صراعها على السلطة مع مجلس النواب والحكومة المنبثقة عليه برئاسة فتحي باشاغا، ولكنها كانت كذلك تعلن عن انتقال ليبيا بصورة رسمية الى الفلك الأمريكي ودخول مرحلة التبعية الكاملة لواشنطن، وهو ما كانت الولايات المتحدة تطمح له بعد الإطاحة بنظام عدوها اللدود معمر القذافي في العام 2011 

حاليا، تواجه الأزمة الليبية منعرجات حاسمة خلال المرحلة، نتيجة تناقضات الداخل وصراعات المنطقة والعالم، وبالأخص انعكاسات التدخل الروسي في أوكرانيا والذي كشف عن بوادر حرب باردة جديدة سيكون لها تأثيرها البالغ على ليبيا التي تواجه تجاذبات حادة حول مستويات النفوذ الخارجي داخلها ولا سيما من قبل موسكو وواشنطن والإتحاد الأوروبي

ومن مجلس الأمن، ظهرت بوادر الصراع، عندما جددت روسيا مسعاها إلى إنهاء مهام البعثة الأممية في طرابلس، قبيل أسابيع قليلة من بدء النقاش حول تمديد فترة ولايتها وتعيين رئيس جديد لها، وشددت على رفضها تمكين الديبلوماسية الأمريكية المخضرمة ستيفاني وليامز من شرعية دولية تتجاوز مهمتها كمستشارة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا.

ويرى المراقبون ، أن الموقف الروسي ليس جديدا ، حيث ترفض موسكو هيمنة الجانبين الأمريكي والبريطاني على البعثة الأممية، وفي ديسمبر الماضي نقلت مجلة  « فورين بوليسي » عن مصادرها الخاصة ، أن روسيا منعت تعيين البريطاني نيكولاس كاي مبعوثا أممياً خاصاً لليبيا خلفاً للمبعوث الأممي المستقيل يان كوبيتش، وأضافت أن الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش فكّر في احتمال تعيين ويليامز كممثلة خاصة، إلّا أنّ دبلوماسيين توقّعوا أنها ستُثير استفزاز روسيا التي اعترضت على تمديد تفويضها كرئيسة للبعثة بالإنابة في وقت سابق.

كما منعت روسيا تعيين المواطن الأمريكي الألماني، ريتشارد ويلكوكس، الذي كان يعمل في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، وهو ما زاد من تعقيد الوضع أمام واشنطن وحلفائها الساعين الى تكريس نفوذهم في الساعة الليبية.

وعندما اتجهت وليامز الى موسكو في يناير الماضي لعرض مشروعها الجديد لبلورة ما تصفها بالحل السياسي، أبلغها نائب وزير خارجية الروسي سيرغي فيرشينين «عدم قبول فرض حلول خارجية جاهزة على الليبيين»، بالإضافة إلى احترام العملية السياسية الشاملة التي يقودها ويمتلكها الليبيون. وأكدت روسيا، وفق بيان صادر عن خارجيتها «أهمية الدور التنسيقي لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في تعزيز التسوية السياسية للأزمة الليبية دون تدخل خارجي، كجزء من عملية شاملة تنطوي على مشاركة جميع القوى السياسية الفاعلة في البلاد».

الحفاظ على «الزخم الانتخابي» ومواصلة العملية السياسية في ليبيا

وكانت التجاذبات قد بلغت مداها في نوفمبر وديسمبر الماضيين، عندما سعت موسكو الى فرض السماح لأنصار النظام السابق بخوض سباق الانتخابات بما فيها الاستحقاق الرئاسي، وقامت قوات موالية لها بتأمين خروج سيف الإسلام القذافي من مخبئه للتقدم بملف ترشحه أملن كاميراهات التلفزيون في مدينة سبها، عاصمة الإقليم الجنوبي، وهو ما أثار حفيظة واشنطن التي ضغطت من أجل تأجيل الانتخابات حتى لا ترى معمر القذافي يعود في صورة ابنه الى منصة الحكم.

ومع بداية التدخل الروسي في أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير الماضي، كان واضحا أن هناك مواجهة طاحنة بين موسكو والدول الغربية وعلى رأسها واشنطن ستنعكس على الأوضاع في ليبيا، ولاسيما مع سعي حكومة عبد الحميد الدبيبة المنتهية ولايتها، الى نيل رضى الولايات المتحدة في صراعه على السلطة مع مراكز التأثير السياسي والعسكري والتشريعي في المنطقة الشرقية التي ترتبط بعلاقات جيدة مع الروس

‏ومنذ الساعات الأولى، أدانت وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، بشدة الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، واعتبرته "انتهاكا للقانون الدولي "، وقالت في تغريدة لها على تويتر: "ندين وبشدة ما حدث في جمهورية أوكرانيا، من هجوم عسكري شنته روسيا، الذي يعد انتهاك للقانون الدولي"، وقد تبين لاحقا أن الأمر لم يكن عفويا ولا اعتباطيا، وإنما ينطلق من خلفيات عدة ترتبط بمصالح متعددة الأوجه والأبعاد والمرتكزات

عندما منح مجلس النواب الليبي في الأول من مارس الماضي الثقة لحكومة الاستقرار برئاسة فتحي باشاغا ، كانت الدولة الوحيدة التي رحبت بها ، وأكدت أنها على استعداد للتعاون معها، للمضي في تسوية سياسية شاملة في ليبيا ،وقالت وزارة الخارجية الروسية، إن موسكو ترحب بقرار مجلس النواب، «ونراه خطوة مهمة في تجاوز الأزمة التي طال أمدها في ليبيا» على أساس التوصل إلى «اتفاق وطني ضمن حوار بيني شامل» وفق بيان صادر ، وأوضحت أنها تتوقع من الحكومة الجديدة «حل التحديات الصعبة للفترة الانتقالية بنجاح» وأهمها توحيد الهياكل الإدارية والأمنية للبلاد، وتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي والتحضير للانتخابات العامة ، وأعلنت أنها على استعداد للتعاون مع حكومة باشاغا، «حرصا على المضي في تسوية سياسية شاملة في ليبيا»، وتطوير العلاقات الروسية الليبية «الصديقة والتقليدية».

ومباشرة ، حاولت الحكومة المنتهية ولايتها وحلفاؤها في الداخل والخارج استغلال البيان ، في الترويج لتبعيتها لواشنطن مقابل التشكيك في توجهات باشاغا بصفته يحظى بثقة مجلس النواب وبدعم قيادة الجيش ، وتم عقد الكثير من الجلسات في ديوان مجلس الوزراء للتخطيط من أجل الاستفادة من الموقف الروسي في تشويه صورة الحكومة الشرعية الجديدة التي تحرك رئيسها فتحي باشاغا لإبراء ذمته من خلال لقائه بسفير أوكرانيا وتغريدة عبر حسابه الرسمي على "تويتر" مؤكدا دعم الشعب الليبي للشعب الأوكراني فيما وصفه بـكفاحه من أجل الحرية ووقوف حكومته إلى جانب أوكرانيا بقدر ما يستطيع ومردفا: « نحن نؤمن إيماناً قوياً بضرورة احترام سيادة جميع الدول من قبل الجميع، وإن تجاهل وعدم احترام حق الشعب في تقرير مصيره أمر غير مقبول، لا في أوكرانيا ولا في ليبيا»

توسعت الحملة التي تقودها الحكومة المنتهية ولايتها والتي تجد غطاء إعلاميا إقليميا ودوليا برعاية من الإخوان ، ضد القوى المعارضة لسياساتها ولبقائها في السلطة ، وعلى رأسها قيادة الجيش ، ونجحت في تحقيق اختراق مهم عبر الترويج لإشاعة ساذجة على موقع للمخابرات الرئيسية بوزارة الدفاع الأوكرانية ، حيث ادعت وجود معلومات مؤكدة تفيد بتدريب روسيا لمرتزقة من ليبيا، للانخراط في الأعمال العدائية في أوكرانيا ، ولتكتمل الصورة قالت إن موسكو ستدفع للمرتزقة شهرياً ما بين 300 دولار و600 دولار أمريكيا ، مع التركيز على أن تلك العناصر موالية للمشير خليفة حفتر ، الذي يعتبر صديقا لموسكو

ولمحاولة إضفاء صدقية وهمية، قالت السفارة الليبية في كييف، عبر بيان، إنها وباسم حكومة الوحدة الوطنية (برئاسة عبد الحميد الدبيبة) "تخلي مسؤوليتها من أي عمل مشين يصدر عن أشخاص لا يمثلون ليبيا ضد الصديقة أوكرانيا".

وبحسب محللين محليين، فإن تلك الإشاعات التي كانت جزءا من حرب الدعاية التي يساهم في خوضها الإسلاميون عبر شبكاتهم الإعلامية ومنصاتهم الافتراضية وعلاقاتهم في عواصم إقليمية وغربية، كانت تستهدف خلط الأوراق في ليبيا، وتقسيمها من جديد وفق التحالفات الخارجية من خلال تقديم الغرب على أنه حليف واشنطن وحلفائها والشرق على أنه حليف روسيا

ويضيف المحللون أنه وللتأكيد على ذلك، تم الترويج لشائعة أخرى مفادها أن حفتر اتجه الى موسكو لإبداء مساندته للقيادة الروسية في حربها ضد أوكرانيا، إذ نقلت وسائل إعلام دولية بينها قناة "الحرة" الأمريكية عن وزارة الدفاع الأوكرانية قولها إن "حفتر تعهد خلال زيارته لموسكو بإرسال متطوعين ليبيين إلى أوكرانيا للقتال لصالح روسيا"،

وكان اللواء أحمد المسماري المتحدث القيادة العامة نفى صحة تقارير إعلامية عن زيارة الأخير إلى روسيا مؤخرا أو إعطائه وعدا لموسكو بإرسال متطوعين للقتال معها في أوكرانيا ، وأكد أن هذا "كلام غير منطقي ومجرد أكاذيب وادعاءات" ، واتهم مؤسسات إعلامية بـ"تشويه القوات المسلحة العربية الليبية والزج بها في غاية لنفوسهم"، في إشارة واضحة للقنوات المرتبطة بحكومة الدبيبة أو الواقعة تحت تأثير تنظيم الإخوان ، وتابع المسماري: "نحن لا نقف مع روسيا ولا مع أوكرانيا، نحن مع الحرب ضد الإرهاب" و "نحن مع توجه المجتمع الدولي في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود وكذلك مع الدول الإقليمية" ، وفق تقديره

ويرى متابعون للشؤون الليبية أن الإسلام السياسي المسيطر على المنطقة الغربية عرف كيف يستغل الصراع الروسي الأوكراني ضمن سياقات ثأر تاريخي وعقائدي مع موسكو يعود الى حرب أفغانستان الأولى وحروب الشيشان وصولا الى الحرب في سوريا والى علاقات الروس مع مجلس النواب وقوات حفتر، مرورا بمواقف موسكو من الإسلام السياسي، وجميعها تؤكد أن الإسلاميين يعتبرون أنفسهم جزءا من التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة، وهم يعتقدون أن موسكو كانت ضد مشروعهم عكس ما تبديه واشنطن ولندن مثلا من مساندة واسعة لهم.

وقد سارعت الولايات المتحدة بمحاولة بسط هيمنتها على ليبيا ضمن منافستها مع روسيا، وذلك بالإعلان عن إستراتيجية مثيرة للجدل، حيث أكد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، الجمعة الماضي، إن بلاده تعمل على تعزيز الاستقرار ومنع الصراع في ليبيا، وقال إنها ستنفذ مع ليبيا ودول أخرى «الاستراتيجية العشرية لمنع الصراعات وتعزيز الاستقرار» وذلك من أجل «بناء القدرة على الصمود» وفق تغريدة نشرها على موقع «تويتر» وأعادت السفارة الأمريكية بطرابلس نشرها

وبينما كانت ردود الفعل الرسمية جدّ محتشمة، يشهد الشارع الليبي حالة انقسام حاد بين وجهات النظر المتناقضة والمختلفة حول الموقف الأمريكي، ولاسيما في ظل عدم وجود إرادة حقيقية لتجاوز مخلفات سنوات الحرب والفوضى في البلاد.

ويرى مراقبون محليون وإقليميون أن ضم ليبيا الى الدول المستهدفة من الإستراتيجية العشرية الأمريكية يطرح الكثير من الأسئلة حول رؤية واشنطن للمستقبل ،وما إذا كانت هناك تحديات حقيقية تتعلق بالأمن والاستقرار في البلد الغني في شمال إفريقيا الذي لا يزال يمر بأوضاع متردية منذ العام2011 ، مشيرين الى أن الولايات المتحدة تطمح الى بسط نفوذها الكامل على ليبيا ليس فقط من خلال السعي الى تحييد الدور الروسي ، ولكن كذلك من خلال إضعاف الدور الأوروبي ، بل وترغب في تكريس نموذج يتجاوب مع تطلعاتها للتأثير الفعلي على البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بالحوض الجنوبي للمتوسط في مواجهة الوجود الروسي

وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية، أن الإستراتيجية التي تم الإعلان عنها قبل يومين، تستهدف ليبيا بالإضافة إلى هايتي وموزمبيق وبابوا غينيا الجديدة ومجموعة من بلدان غرب أفريقيا الساحلية تتألف من بنين وكوت ديفوار وغانا وغينيا وتوغو خلال السنوات العشر القادمة،

وأوضحت وزارات الخارجية والخزانة والدفاع الأميركية إلى جانب الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في بيان مشترك إن «حكومة الولايات المتحدة تمضي قدما بروح الشراكة مع أربع دول ومجموعة إقليمية من البلدان لتنفيذ استراتيجية الولايات المتحدة لمدة عشر سنوات لمنع الصراع وتعزيز الاستقرار» ، وتابعت أن «هذا يمثل معلما هاما وخطوة تالية في تحقيق أهداف قانون الهشاشة العالمية التاريخي، والذي لا يزال يتمتع بدعم قوي من الحزبين في الكونغرس للجهود المبتكرة لتعزيز عالم أكثر سلامًا واستقرارًا»، مجددا التأكيد على التزام الولايات المتحدة «بتعزيز المرونة العالمية والتجديد الديمقراطي، وتعزيز الدول المسالمة التي تعتمد على نفسها والتي تصبح شركاء اقتصاديين وأمنيين للولايات المتحدة»

وبعد أن ربط بين الموقف الحالي من تلك الدول والحرب في أوكرانيا أكد البيان المشترك أن «كل تعاون يقدم فرصة فريدة للاستفادة من الدروس المستفادة من عقود من التدخل الأميركي في الخارج، لتعزيز الطريقة التي تشارك بها حكومة الولايات المتحدة في البيئات الصعبة، وبناء المرونة بشكل مشترك ضد الصدمات السياسية والاقتصادية والطبيعية».

وبحسب أوساط ليبية مطلعة، فإن واشنطن أكدت من خلال إستراتيجيتها المعلنة عن طبيعة رؤيتها لليبيا خلال المرحلة القادمة ، ومدى ما سيكون لها من تأثير عملي على رسم ملامح المرحلة القادمة في البلد الغني بالنفط والغاز   والحائز على مساحة تتجاوز2000 كلم على شاطئ المتوسط والذي يعتبر بوابة لإفريقيا وللصحراء الكبرى الى جانب أنه يمثل جسر بين المشرق والمغرب العربيين ، وهي بذلك تعمل على تكريس دورها في المنطقة في مواجهة أية محاولات للتمدد سواء من قبل روسيا أو الصين وبعض الدول الأوروبية الفاعلة ، لكن الأمر قد يصطدم بمصالح تلك الدول

وبحسب البيان الأمريكي، فإن واشنطن «تحدد جهدا حكوميا كاملا مدته عشر سنوات لتعزيز السلام والاستقرار طويل الأجل من خلال الدبلوماسية المتكاملة والتنمية ومشاركة قطاع الأمن»، وتعتمد في ذلك «على العمل المنجز وتعززه لتنفيذ استراتيجية الولايات المتحدة بشأن المرأة والسلام والأمن، وقانون إيلي ويزل لمنع الإبادة الجماعية والفظائع، والجهود المستمرة لمنع التطرف العنيف ومكافحته. وستعمل على تعزيز الأولويات الأخرى وتعزيزها، مثل تعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد واحترام حقوق الإنسان، تعزيز المساواة بين الجنسين، مكافحة الفساد، تقليل مخاطر أزمة المناخ، ووضع حد لوباء كوفيد 19».

ومما يشير الى طبيعة الإستراتيجية الأمريكية، هو ما ورد في البيان، من أن واشنطن ستتبنى وجهة نظر طويلة الأمد، وستعمل عن كثب مع شركاء محليين متشابهين في التفكير وملتزمين، فيما أشار المبعوث الخاص سفير الولايات المتحدة لدى ليبيا ريتشارد نورلاند ، الى أن إستراتيجية بلاده لتعزيز الاستقرار في ليبيا تظهر التزاما أمريكيا مستداما يتجاوز المرحلة الحالية « ونحن نعمل من أجل المصالحة الليبية وإعادة التوحيد، في ظل حكومة منتخبة مسؤولة أمام الليبيين» ،وفق تعبيره

ويحتل ملف الطاقة موقعا مهما في علاقة ليبيا بانعكاسات الحرب الروسية في أوكرانيا، ومن ذلك ما أعلنه وزير التحول البيئي الإيطالي روبرتو سينغولاني، أول أمس الإثنين، من أن بلاده ستبرم أولى صفقاتها للحصول على مزيد الغاز من ليبيا وموردين آخرين، ليحل محل التدفقات الروسية في الأسابيع المقبلة، وقال «هناك سلسلة محادثات جارية. خلال الأسابيع القليلة المقبلة سنبرم أولى الاتفاقات»، متوقعًا حصول إيطاليا على 10 مليارات متر مكعب إضافية من الغاز عبر خطوط الأنابيب مع الجزائر وليبيا وأذربيجان هذا العام، فيما أشارت تقارير إعلامية غربية أن هذا الرقم سيتخطى 20 مليار متر مكعب بحلول العام 2024. وتسعى إيطاليا، التي تستورد نحو 40% من واردات الغاز من روسيا، لإيجاد بدائل وتنويع مزيج إمداداتها بعد غزو موسكو لأوكرانيا.

وتعمل واشنطن من أسابيع على تهدئة الأجواء بين حكومة الدبيبة والمؤسسة الوطنية للنفط حيث تمر العلاقات بين الطرفين بأزمة غير مسبوقة، وهو ما جعل وزير النفط والغاز محمد عون، يدعو رئيس مجلس الوزراء عبد الحميد الدبيبة الى إعادة تشكيل مجلس الإدارة الحالي للمؤسسة الوطنية للنفط ، نظرا لأن المجلس الحالي "تم تشكيله بصورة مخالفة للقوانين والتشريعات المنشأة للمؤسسة والمنظمة لأعمالها" وفق تقديره ، واقترح تشكيل مجلس إدارة جديد للمؤسسة يتكون من 6 أعضاء برئاسة طاهر رمضان حمد القطعاني.

واتهم الوزير الرئيس الحالي للمؤسسة مصطفى صنع الله بأنه "لا يستجيب لنا ولا يعتد كثيرا بما نطلبه منه"، وفق قوله، مشددا على أن له الحق في "طلب تغييره ومجلس إدارته لأن هذا شأن داخلي وعمل سيادي ولا يجب الخضوع لأي ضغوط"، وأضاف أن رئيس مجلس الإدارة الحالي للمؤسسة مدعوم من واشنطن ولندن، وهو ما يجمع عليه أغلب المراقبين ممن يرون أن مواقف صنع الله تحظى بغطاء أممي ودولي.

ومن جانبه ، حذّر السفير والمبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند،  من أن هذه الفترة تعد أسوأ وقت لمنع إنتاج النفط في ليبيا، وهي الفترة التي تحتاج فيها الأسواق العالمية إلى النفط، حيث يمكن لليبيين الاستفادة من ارتفاع الأسعار ، وأوضح في تصريحات صحفية «إن الوضع السياسي المستقطب في ليبيا يثير خطر أن تحاول القوى السياسية المتنافسة السيطرة على عائدات النفط، ونسعى لإنشاء آلية لإدارة عائدات النفط حتى يتم التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا السياسية الأوسع، بالعمل مع شركائنا في مجموعة العمل الاقتصادية لعملية برلين، مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومصر ».،وفق تعبيره . لافتا الى أنه «من المتوقع إنفاق الأموال على الرواتب والإعانات وإنتاج النفط والمنتجات المستوردة المهمة مثل الغذاء والدواء بشفافية ومساءلة، بحسب الآلية المقترحة».

وشهدت الأيام الأخيرة حركة نشطة سواء في ليبيا أو في واشنطن والعواصم الأوروبية بهدف نزع فتيل المواجهة، وتشجيع الليبيين على الرفع من مستويات الإنتاج للمساعدة على تعويض النفط الروسي، لكن مسؤولين محليين يقولون أنه لا يمكن أن يتجاوز 200 ألف ف برميل في كل الحالات بسبب الآليات والإمكانيات المتاحة.

وفي المحصلة، فإن الأوضاع في أوكرانيا، تلقي بظلالها على الأزمة الليبية، وهي تهدد بمزيد تعميق الفجوة بين أطراف النزاع القائم، ولاسيما في ظل احتدام الحرب الباردة من جديدة والتي ستكون ليبيا واحدة من أهم ساحاتها التنافسية.