حلت يوم 9 يوليو الجاري الذكرى الثالثة لانفصال دولة جنوب السودان، الذي تم في ضوء نتائج استفتاء شعبي نصت عليه اتفاقية وقعت في عام 2005 بين حكومة السودان الموحد آنذاك و”الحركة الشعبية لتحرير السودان”، دون أن تحمل الكثير من الآمال بشأن مستقبل جنوب السودان وكامل البلاد السودانية بمختلف أقاليمها.

تواجه الحركة الشعبية لتحرير السودان أزمة الصراع المسلح وضغوط المجتمع الدولي من أجل التفاوض مع المؤتمر الوطني، لكنها تتمسك بمطالبها، بمشروع السودان الجديد القائم على العدالة والمساواة، وإنهاء مفاوضاتها مع المؤتمر الوطني على أساس معالجة الملف الإنساني.

وترفض الحركة أي حلول ثنائية مؤكّدة أن رؤيتها تندرج في إطار الحل الشامل للأزمة السودانية وتطالب بمشاركة كافة القوى السياسية المدنية والمسلحة دون إقصاء لأية جهة.

وينفي نصر الدين كوشيب، ممثل الحركة الشعبية في منطقة الشرق الأوسط، ما يردّده البعض بأن الصراع أخذ منحى عنصريا مشيرا إلى أن الصراع مع نظام الرئيس السوداني عمر البشير في الأساس قائم على مظالم تاريخية ويتعلق بمشاكل تنموية وخدماتية تتمثل في انهيار القطاع الخدماتي من صحة وتعليم، وهناك مشكلات أخرى تتعلق بعدم وجود أساس لبناء دولة عادلة تشيع فيها روح المساواة والشعور بالانتماء الوطني، وهيمنة فئة معينة من جماعة الإسلام السياسي على مقاليد الحكم التي ظلت تحكم البلاد طيلة 25 عاما.

 

ومن مطالب الحركة أيضا، وفق كوشيب، تطبيق العدالة ضد الفساد ومحاكمة مرتكبي جرائم الحرب ضد المدنيين العزل في أقاليم السودان المختلفة. ويضيف ممثل الحركة الشعبية أن نظام الخرطوم، الذي يحكمه حزب المؤتمر الوطني، حاول أن يصور للعالم أن الصراع قائم على أساس عرقي وديني وهذا غير صحيح.

بعد انفصال جنوب السودان، تبنّت الحركة الشعبية لتحرير السودان خيار حمل السلاح، ويبرر كوشيب هذا الاختيار بأنه ضرورة دعا إليها الوضع بعد أن انكشف زيف ادعاء المؤتمر الوطني الذي طرح مبررا آخر للاستمرار في السلطة ووصف أنصار الحركة بالعنصريين.

ويؤكّد القيادي في حركة تجرير السودان أن ذات الأسباب التي من أجلها انفصل الجنوب موجودة في بقية أقاليم السودان وتتمثل في الظلم والتهميش من قبل نظام الخرطوم الذي لا يحترم تعهداته ويتبع سياسة “وقع ولا تنفذ”. ويشير في هذا السياق، إلى النظام وقع أكثر من 40 اتفاقا لم ينفذ منها إلا اتفاقية السلام الشامل الموقعة في 2005 التي أدت إلى انفصال جنوب السودان.

 

إسقاط النظام

يوضّح نصر الدين كوشيب أن النظام الحاكم في السودان حاول إقناع عدد من الدول العربية والإسلامية والأفريقية بأن الحرب الدائرة الآن في السودان هي حرب “ضد الهامش”، لكن الجميع يشهد الآن على جرائم النظام وطائراته الحربية التي تحصد الملايين من المدنيين العزل. ورسالة الحركة واضحة "نحن ندافع عن حقوق شعبنا ولسنا دعاة حرب ويجب على الدول المهتمة بالقضية السودانية أن تتفهم موقفنا وخطنا واضح يتمثل في إسقاط النظام وبناء البديل الديمقراطي".

في ما يخص تقييمه للوضع الإنساني في منطقتي النيل الأزرق وجبال النوبة، يشير كوشيب إلى أن الصراع العسكري في دولة جنوب السودان أثّر بشكل سلبي على وضع لاجئي المنطقتين، خاصة انقطاع خطوط إمداد المنظمات الدولية التي تقدم الغذاء والدواء. وناشد الأسرة الدولية الضغط على النظام من أجل السماح بمرور الإغاثة للمحتاجين.

ومن أسوأ الأوضاع الإنسانية ما يحدث في معسكرات الشريط الحدودي بين دولتي السودان وخاصة معسكر “أيدا” الذي يقطن فيه الغالبية من النساء والأطفال والعجزة، حيث تجاوز عددهم المليون نسمه في المنطقتين. فالنظام تعمد ضرب المزارعين بالطيران وحرق مزارعهم وتعمل قواته على الأرض في ردم أبار المياه بهدف تدمير شامل للحياة وتفريغ مناطق الإنتاج والاستقرار من مواطنيها كما حدث في دارفور.

 

المجتمع الدولي

بخصوص موقف القوى الإقليمية والدولية من القضية التي تتبناها حركة تحرير السودان، يبيّن نصر الدين كوشيب، مسؤول مكتب العلاقات الخارجية في الحركة، أن المجتمع الدولي موقفه سلبي ولا يقوم بالضغط على حكومة الخرطوم، أما الأمم المتحدة فتعمل بطريقة بطيئة وتستخدم سياسة النفس الطويل لمعالجة قضايا ساخنة وملحة، وموقف الاتحاد الأفريقي في غالبه مع النظام، أما جامعة الدول العربية فتعمل بمعايير مزدوجة ففي حالة توصيف المشهد الليبي تدخلت وبسرعة فائقة ضدّ النظام في المقابل ما يحدث في سوريا والسودان فاق الخيال من مذابح وتشريد للمدنيين والأسرة الدولية في حالة صمت تام.

يرجع كوشيب طول أمد النظام السوادني رغم المعارضة الواسعة، إلى تشتّت هذه المعارضة وتعدد منابرها الأمر الذي أتاح للنظام مساحة يتحرك فيها لضرب وتشتيت جهود المعارضة السودانية، لكن معروف أن قوى الإجماع الوطني ومنظمات المجتمع المدني والحراك الشعبي العفوي من تيارات شبابية وغيرها تمثل الثقل المدني لقوى المعارضة. أضف إلى ذلك هنالك وعي بدا يتنامى وسط الشباب. الجميع غاضب على النظام وكلما زادت الضغوط الاقتصادية زاد الغضب الشعبي.

أما الجبهة الثورية فلها عمل عسكري وسياسي وهي تعمل في ميادين مختلفة وخطها السياسي والإعلامي منسجم في كل القضايا، بعد ميثاق الفجر الجديد توحد العمل وبدء مرحلة جديدة من المزاوجة بين كل الوسائل.

وعمد نظام عمر البشير على خلق انقسامات بين قوى المعارضة المدنية والمسلحة وبناء حائط صد بين أهداف كتلتي القوتين. ويوضّح كوشيب أن الحركة موجودة على الهامش ومشاكلها هي ضعف الخدمات والاقصاء من كافة ملامح الدولة السودانية، ثقافيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. لكن أهداف كل المعارضة واحدة رغم تشتيت جهودها وإذا توحّدت في خطابها الإعلامي والسياسي حتما ستحقق النصر.

في ردّه على سؤال كيف تطالبون بإسقاط النظام وتحملون السلاح وتتفاوضون معه، يجيب كوشيب أن الحركة تتعامل مع النظام في اتجاهين: الاتجاه الأول هو الضغط الدولي عبر القرار 2046 وعزل النظام من محيطه الإقليمي، والاتجاه الآخر يقوم على الضغط السياسي الجماهيري والعسكري في كل الجبهات حتى يسقط النظام. الحركة الشعبية ذهبت للمفاوضات لمعالجة الأزمة الإنسانية في المقام الأول، وليس من أجل مصالحة النظام وتوقيع اتفاقية سلام تقضي بالمحاصصة في الحكم، رؤيتنا هي الحل الشامل لكل أزمات البلاد وبمشاركة القوى السياسية المدنية والمسلحة دون إقصاء لأي جهة.

 

مستقبل الحركة

الحركة الشعبية لتحرير السودان هي حركة مسلحة نشطت في جنوب السودان زعيمها الحالي سلفا كير وأمينها العام باقان أموم. للحركة ذراع مسلح يسمى الجيش الشعبي لتحرير السودان، تقاتلت الحركة مع الحكومات المركزية في السودان لمدة عشرين عاما وانتهت بتوقيع اتفاق نيفاشا للسلام في 2005. أسسها جون قرنق، وأعلن أن الحركة لا تطالب بانفصال الجنوب عن السودان، وإنما بإعادة صياغة منهج الحكم فيه وتفكيك قبضة المركز على الأقاليم.

وانفصل جنوب السودان عن السودان في التاسع من يوليو 2011 بعد أن صوت الجنوبيون لصالح ذلك في استفتاء تقرير المصير الوارد في اتفاق السلام الذي أنهى 22 عاما من الحرب الأهلية. وبسبب استمرار التوتر بين البلدين اندلعت المواجهات المسلحة بينهما في 2012. وبدأت العلاقة تتحسن بين الطرفين في أواخر العام الماضي قبل أن يدخل الجنوب في حالة وصفتها منظمة أوكسفام بأنها “أسوأ أزمة أفريقية”.

تعرّضت الحركة الشعبية لتحرير السودان لانشقاقات عديدة في صفوفها، وتشكلت عدة فصائل جنوبية منافسة لها، وبخصوص مستقبل الحركة كتنظيم في ظل الانقسامات التي تتعرض لها الآن يشير نصر الدين كوشيب، ممثل الحركة الشعبية في منطقة الشرق الأوسط، إلى أن الحركة الشعبية منذ تأسيسها في 1983 تعرضت إلى استهداف ومؤامرات وأزمات مستمرة ولكن ظلت راسخة وحدثت فيها عدة انقسامات وتجاوزتها وخرجت منها قوية، فقدت قائدا بقامة جون قرنق ولم تضعف. ووضوح الخط السياسي والتنظيمي للحركة هو عامل قوة. كما أن البرنامج يحمل حلولا جذرية لكل قضايا الصراع الاجتماعي والسياسي والثقافي. المهم أن الحركة باقية وفاعلة وناجحة تبشر برؤيتها كتنظيم متماسك رغم ضعف بعض المتساقطين ستستمر والمستقبل مع فكر الحركة الشعبية.

 

الحركة الشعبية لتحرير السودان:

◄ تمردت إحدى الكتائب العسكرية المسلحة في جنوب السودان عام 1983 إثر إعلان الرئيس السوداني السابق جعفر النميري إلغاء اتفاقية أديس أبابا التي أنهت 17 عاما من القتال بالجنوب، فأوفد النميري العقيد جون قرنق الضابط بالجيش السوداني آنذاك للتفاوض مع الكتيبة المتمردة، لكن قرنق وبدلا من إخماد التمرد تحالف مع المتمردين وأنشأ الحركة الشعبية لتحرير السودان والجيش الشعبي ذراعها المسلح.

 

*نقلا عن العرب اللندنية