فاطمة الحَمْرُوْش طبيبة عيون ليبية تنحدر من مدينة بنغازي ، عُيّنت كأوّل امرأة ترأس وزارة الصحة الليبية، ضمن الجناح التنفيذي للمجلس الوطني الانتقالي.

تخرّجت من جامعة قاريونس وهاجرت إلى أيرلاندا سنة 1996 حيث أقامت بمقاطعة ميث، وحصلت على الجنسية الأيرلندية، وكانت عند اندلاع ثورة 17 فبراير تعمل كاستشاري طب العيون في مستشفى ايرلندي .

عُرفَ عن الدكتورة فاطمة الحمروش معارضتها الجذرية لنظام القذافي.

بوابة إفريقيا الإخبارية التقت  الحمروش في المنفى وأجرت معها الحوار التالي.

 
س/ما السبب الحقيقي وراء تغير موقفك السياسي اتجاه مايحدث في ليبيا ألان ؟
ج/ ليس هناك أي تغير في موقفي السياسي. لقد كنت دوما ولا زلت معارضة للظلم والفساد، سواء في النظام السابق أو بعده، ومادام الظلم والفساد قائمين، سيظل موقفي ثابتا ضدهما وبتناسب مع كمهما وحجمهما.

س/ هل تؤيدين الحراك الجيش الليبي في المنطقة الشرقية ام تؤيدي الشرعية المتمثلة في المؤتمر ؟ 
ج/ أؤيد كل ما يُرجع لليبيا ولشعبها الكرامة والسيادة، فالجيش في أي دولة هو العمود الفقري الذي يشد قامة الوطن، ولقد أهين الجيش الليبي منذ البداية، ثم بدأت عمليات الإغتيالات المبرمجة للتخلص من كل من يمكنهم تغيير أي مخطط أو برنامج وافد، ولم تتحرك الدولة، وتم تسجيل غالبية هذا الجرائم ضد مجهولين، بينما في الحالات القليلة التي تم فيها التعرف على الجاني، عجزت أو إمتنعت الدولة عن اتخاذ أي إجراء. الجيش الليبي يظل ليبي وليس مرتزق أو دخيل علينا، بل هم أبناء هذا الشعب ومنه، وواجبه أن يضع حدا للنزف الذي لم يتوقف طوال السنوات الثلاث الماضية في الأرواح وفي الأموال وفي كل شئ طيب في ليبيا. أما فيما يخص شرعية المؤتمر، فإن المؤتمر فقدها حين تغاضى عن القيادات الإرهابية التي تسللت في مفاصل الدولة ودعم بعضها، المؤتمر فقد شرعيته حين خذل الشعب الليبي، وفقد شرعيته حين فقد دعم من أعطاه هذه الشرعية: الشعب الذي إنتخبه. 
يجدر بي إضافة نقطة هنا لابد من ذكرها: إن السبب الذي شرّع الثورة على النظام السابق هو شعور عدد لا يستهان به من أبناء الشعب الليبي بالظلم، واليوم هذا الجيش يحمي هذا الشعب ويسعى لأن يقضي على مصادر الظلم والإرهاب التي تهدد أمنه وحريته، بعد أن خذله نوابه في الجسم المتمثل في المؤتمر. هذا واجب وطني على الجيش أن يؤديه، وإذا لم يفعل سيصبح قد خان واجبه.

س/من خلال منشوراتك علي مواقع التواصل الاجتماعي 

هناك هجوم واضح علي من يعرفون برموز فبراير وأولهم المفتي الصادق الغرياني ..هل لذيك توضيح ؟
ج/ البعض يقومون بتصفية حسابات، فهناك من يصطادون في الماء العكر، وهناك من يختلقون الإشاعات، وهناك من يستخدمون الحقائق المثبتة بالدليل والبرهان، البعض بقوم بذلك للتخلص من خصومهم طمعا في السلطة والمال، والقلة فقط لغرض تبيان الحقيقة والدفاع عن الحق. ولكن هذا لا ينفي بتاتا بأن الكثيرين ممن يحسبون على فبراير قد طغوا وتجبروا، وفجروا، بل أخذتهم العزة بالإثم، فعميت بصائرهم عن رؤية الحق البيّن. ، وحادوا عن سيبل الخير.
أما فيما يخص المفتي، فرأيي فيه صريح: لقد تعدى حدود الدين وسيّسه، واستخدمه حسب هواه في الإتجاه السياسي الديني الذي يؤيده، فأسرف في ذلك، وظَلم نفسه وظلم غيره. أرى أنه يجب أن يخضع لفحص طبي للتأكد من سلامته الذهنية وصلاحيته لحمل هذه المسؤولية الكبيرة.

س/ الشارع الليبي محتقن كل شعارات ثورة فبراير أصبحت طرح فلسفي غير قابل للتطبيق، الي ماذا يرجع ذلك؟
ج/ جميع الشعوب هكذا، طموحاتها أكبر مما لديها، وهذا ما يصنع التقدم والسعي نحو الأفضل. الفرق بين ما يحدث في العالم الذي ينجح في تحقيق التقدم والعالم الذي يفشل، هو وجود قانون فاعل تحترمه الغالبية ويخشاه البعض، بمحصلة واحدة في النهاية، وهي الحد من الفساد ومحاسبة من يضرون بالصالح العام. نحن في ليبيا، وخلال هذه المرحلة التي نمر بها، لا يوجد العامل الأخير لضمان التقدّم إلى الأمام لتحقيق الطموحات والتطلعات التي نرجوها، وهذا ما نسعى لتحقيقه من حلال الدعوة للحوار لأجل بناء لدولة المدنية الديمقراطية.

س/ هناك تبوهات داخل كواليس العمل السياسي ولا احد يتكلم عليها، مثلا تعاون مع جهات اجنبية او تسليم وثائق ليبيا السرية للخارج او ابتزاز اخلاقي بين شركاء الامس وغيرها .. هل صادفتك مثل هذه الاشياء فترة وجودك في ليبيا؟
ج/ لقد سمعت كغيري الكثير من الإشاعات، ولكن من خلال تجربتي الخاصة في وزارة الصحة، الشئ الذي لاحظته وتكرر كثيرا، كان التهافت المزعج من الكثير من الدول لإضرام العقود والصفقات، في سباق كان واضحا فيه السرعة والضغط من هذه الدول لتحقيق أكبر قدر من العقود قبل أن تصل لها دولا أخرى، وفي غياب النصف الليبي الذي يعلم بتفاصيل العقود السابقة بعد أن تمت سرقة بعضها من ضمن ما سُرِق من خزائن مغلقة بما فيها من الوزارة خلال الأيام الأخيرة قبل إعلان السيطرة على طرابلس، وقد تم أيضاً خلال المكتب التنفيذي التخلي عن خدمات مدراء الإدارات السابقين، ثم، بعد استلام الحكومة التالية لنا، تم سن قانون العزل السياسي، فحرمت ليبيا من كل من يعلم بخبايا التعاملات السابقة مع العالم الخارجي، وأصبحت الكثير من العقود الحكومية تحت رحمة الشركات الأجنبية التي تعاقدت معها هذه الدوائر وبعض الأفاقين من الليبيين الباحثين عن مصالحهم الخاصة، وإستثني عدد قليل من الشرفاء الذين كانوا يجاهدون بكل ما أوتوا من قوة في وجه هذا التسونامي الغادر.
وقد حدث هذا مع الكثير من المشاريع الجديدة التي تم تقديمها لنا وكذلك مع المشاريع القديمة، وأيضا في النزف الذي شاهدناه في أموال الدولة واستثمارها في العلاج خارج ليبيا رغم وجود كل المقومات اللازمة لتوطين العلاج بالداخل واستثمار هذه الأموال محليا. للأسف هذه الجهات الإجنبية لم تجد صعوبة في توظيف عملاء ليبيين بعد أن أغرتهم بالمال، فباعوا ضمائرهم وشرفهم، وباعوا الوطن.

 

س/ ما الاسباب التي جعلتك تخرجين من ليبيا وتقفين في منطقة المعارضة لو صح التعبير ؟
ج/ خروجي أو بقائي في ليبيا لا علاقة له بمعارضتي، وكما ذكرت في إجابتي للسؤال الأول: لم أتغير، بل أني حتى خلال فترتي الوزارية، حين تبيّن لي تضاعف حجم الفساد، وتضاعف الظلم، لم أقف مكتوفة الأيدي، بل أني اتخذت الإجراءات اللازمة التي أملاها عليّ ضميري وواجبي، وهذا كان السبب الرئيسي في الحملة الإعلامية الشرسة التي شُنّت ضدي، فمموّلي تلك المحطات كانوا معروفين، ودوافعهم اليوم انكشفت والحمد لله، وأخص بالذكر منها محطة ليبيا الرسمية والوطنية والعاصمة، التي تفتقد لأي مقومات للمهنية. 
لقد خرجت من ليبيا ضد رغبتي، وذلك بناء على نصيحة من رئيس المؤتمر الوطني، والمخابرات الليبية والحرس الخاص بي والذي كان يتبع لوزارة الدفاع، حيث أن من ألّبوا الشارع ضدي عرّضوا حياتي للخطر ودفعوا بالعصابات الحاملة للسلاح بالتربص لإيذائي متى تم رفع الحماية عني بعد انتهاء تكليفي بالوزارة. 
وبعد خروجي من ليبيا، واصلت ما كنت قد بدأته منذ كنت بالوزارة، وهو الإصرار على مواجهة المفسدين والعمل على قطع الطريق عليهم وتقديمهم للقضاء العادل حين تقوم دولة العدل في ليبيا بإذن الله.
فإن صح تسمية هذا العمل بالمعارضة، فإنه يصح أيضاً بالتوازي تسمية الوضع الحالي بالظالم والمفسد، وفي هذا أيضاً أوافقك. 

س/هناك خطوات تحسب لك في الدعوه الي الحوار الوطني بين الإطراف المختلفة فكريا وخصوم الوطن في الداخل والخارج، هل هو شعور بان هناك طرف ظلم وهمش؟ ام قضية انتقام من رفاق الأمس؟ 
ج/ الحقيقة أني لست أبدا ذات طبع إنتقامي، بل أجد الصفح أسهل بكثير، إني أوكل أمري لله في كل مظلمة تعرضت لها، ولدي ثقة كاملة بأن الله عادل، ولا يظلم عبده.
إن رفاق الأمس الذين نجحوا في "إختبار السلطة والمال" لا يزالون رفاق اليوم بل أكثر قربا، وفي مسيرتي هذه أحمد الله أن من تبقى منهم ومن قابلت من بعدهم من رفاق جدد، هم أبناء وبنات وطننا الذين بهم وبمن معهم، لا يُخشى على ليبيا. 
إن دعوني للحوار نابعة من قناعتي بأنه لن تقوم لليبيا قائمة ولن يكون لنا كيان كشعب وكدولة، إلا بتعاضدنا واتحادنا صفا واحدا ضد عدونا المشترك، وهو نفسه من زرع الفتنة في قلوبنا، وهو من زين لنا العمل السوء. وهو من فرق بين الأخ وأخيه والإبن وأبيه، والزوج وزوجه.. وهو من سرق خيراتنا، وجعلنا جماعات متفرقة نتقاتل. إذا وضعنا كل ضغائننا وأحقادنا جانبا، في شئ يشبه الهدنة بميثاق شرف يتعهد فيه الجميع باللجوء للقضاء العادل حين تقوم الدولة، ونعمل معا كجسم واحد لإنقاذ الوطن ومنع تفتته، فنحن الوطن، سنتمكن من بناء الجيش والشرطة والهيئات القضائية، وسنتمكن من أن نفرض الأمن وأن نقضي على الجريمة في ليبيا، ومقاضاة كل من ظلم أو خان الأمانة. 
كذلك، لا يمكن لليبي يحب وطنه وأهله ويريد لهم خيرا، أن يرضى بأن يستمر أبناء شعبه مهجّرين أو نازحين عن مساكنهم، وحقوقهم مغتصبة، بينما يتجرّعون الأمرّين في الغربة. خلال بقائهم الإضطراري في الغربة يجب أن تكون مصالحهم برعاية السفارات الليبية في الدول التي يقيمون بها، إلى أن تخلو الشوارع من المجرمين الذين يروعون الجميع، ليعودوا إلى الوطن معززين مكرمين، هذا لا يمكن أن يحدث فجأة، بل يمكن تحقيقه على مراحل يشارك ويتعاون فيها الجميع.

س/ كيف تقيمين الوضع في ليبيا الان ؟
الوضع في ليبيا الآن سئ جداً، وعلى الليبيين أن يتحدوا تحت مظلة الوطن، ويتعاونوا على إنقاذه، فكل من أجرموا في حق الوطن وأهله، سواء كانوا ليبيين أو غير ليبيين، لا يريدون للفوضى أن تنتهي، ولا يريدون للدولة أن تقوم، فقيام الدولة يعني محاسبتهم، وهذا ينطبق حتى على الحكومات التي شاركت في ضياع الأموال والأرواح الليبية، بسياساتها الإنتهازية والمتعمدة لاستثمار ما يمكن استثماره من الأموال الليبية على أراضيها، وبعقود شابها الكثير من الفساد. 

س/ هناك اخبار مسربة تتحدث عن عمليات عسكرية داخل العاصمة طرابلس في شهر رمضان وهناك مخيمات تبنى علي المناطق الحدودية لليبين، حسب وجهة نظرك هل هذه الحياه التي يستحقها الليبي في ظل ثورة فبراير؟؟
ج/ ماذا تتوقعين أن تكون إجابتي على هذا السؤال؟! بالطبع لا، وليس هذا ما كان يطمح له من شاركوا في الثورة من أبناء وبنات الشعب الليبي.

س/ كلمة توجهيها للشعب الليبي ؟؟
أدعو أبناء وبنات الشعب الليبي كافة أن يضعوا مصلحة الوطن فوق مصالحهم الخاصة، وأن يبذلوا الجهد لسماع بعضهم البعض، فكل واحد منا لديه جزء من الحقيقة كمن يملك قطعة فسيفساء، ولن تكتمل الصورة إلا باكتمال الأجزاء بعضها مع بعض، والنظر إلى الصورة كاملة.
إن أعدائنا يزدادون قوة مع استمرار إنفسامنا، وترعبهم فكرة الحوار، فهم يعلمون جيدا أنه بالحوار فقط يمكن معرفة الحقيقة المغيبة كاملة، والتي ستفضحهم وتعرّيهم، وستكون البرهان البيّن ضدهم جميعا ليمثلوا أمام القانون. 
حفظ الله ليبيا وإهلها من كل مكروه.

س/كيف تقيمين تجربتك السياسية في ليبيا الجديدة؟
تعلمت منها الكثير، واتضحت أمور كثيرة، كما تأكدت لنا المصداقية من عدمها لدى الكثيرين من خلال تفاعلهم مع الإختبارات التي ابتلي بها وطننا وأهله. أقيم تجربتي في ليبيا الجديدة بأنها كانت ولا تزال صعبة جداً، ولا يقوى عليها إلا من عزمهم شديد، وقدرتهم على الصبر كبيرة، وإيمانهم بالله راسخ، وولائهم للوطن لا يعلو عليه ولاء.. وأحمد الله أننا من هؤلاء. إن المشوار لم ينتهِ بعد، والوطن سيحيا بأبناء شعبه المخلصين.

س/مالاسباب التي جعلتك تنسحبي من حزب القمة ؟
ج/ بهذا السؤال أنت تجزمين بأني فعلا أنتمي هذا الحزب، وأستغرب كيف انتشرت هذه الإشاعة في حين أنه لم يُسجّل عليّ يوما أن قلت هذا، بل أني نفيت الخبر في عدة مناسبات. لم أكن يوما في هذا الحزب أو غيره، وقد لبيت الدعوة لحضور يوم إعلانه كأي ضيف آخر، كما لبيت دعوة إعلان حزب الجبهة الوطنية كضيفة أيضاً. 

س/ بما أنكم من النخبة السياسية في ليبيا وتحديدا المحسوبين علي فبراير، الم تلوح في الأفق امامكم بوادر تنظيمات دينية إرهابية تحت مسميات شرعية تهدد استقرار الوطن ؟
ج/ هذا السؤال إجابته معروفة، فلا يخفى على أحد أن القاعدة والجهاديين والتكفيريين، وتنظيم الإخوان المسلمين، إضافة إلى بعض التشكيلات الأخرى الأقل قوة ولكنها تنتهج نهج الإستعانة ببعض العصابات لترويع خصومها، جميعهم يهددون إستقرار الوطن، بل يهددون وجوده بالكامل. هذا لا يحتاج محسوبا على فبرأير او محسوبا على سبتمبر لأن يراه، بل يحتاج "محسوبا على وطن" ليعيه وليتصدّى له، وليمنع توغّله وتغوّله في بنيان الوطن ونسيجه، قبل فوات الأوان.

س/ هل يمكن اختزال إنتصارات فبراير في قتل القذافي واعتقال أبناءه ؟
أبداً، ومن كان معارضا لهؤلاء فقط، فقد نال ما أراد وانتهت معارضته، وهذا ما رأيناه في عدد ممن حسبناهم معارضين من رفاق الأمس حسب وصفك سابقا، فقد انتهت معارضتهم وأصبحوا هم أيضاً من منظومة الفساد التي نهضت كالمارد النائم بعد أن تم تغييب كل المسؤولين السابقين، سواء بالقتل أو بالسجن أو بالتهجير.
هذه ليست انتصارات، إن الإنتصار الحقيقي يتجلى في بناء الوطن والحفاظ على وحدة أهله، وحماية حقوقهم، الانتصار الحقيقي يكمن في إحقاق دولة العدل والمساواة، وأن يجد المواطن أمنه وأمانه على أرض وطنه بمؤسساتها العسكرية والمدنية التي تحميه وتصون الشعب وما يملكه الشعب، وفوق هذا كله، تحفظ سيادته وكرامته وشرفه.