في نيسان، ادعى كل من مجلس الشورى - وهو ائتلاف ميليشيات إسلامية مرتبطة بتنظيم القاعدة في درنة شرق ليبيا - والجيش الليبي على حد سواء المسؤولية عن طرد تنظيم داعش من آخر معقل لها "حي 400" وجبال الفتايح جنوبي المدينة. ويقول سكان محليون إن حياة السكان الذين شهدوا الإعدامات وعمليات قطع الرؤوس، بدات الآن تعود تدريجيا إلى وضعها الطبيعي.

ناشط في المدينة ، رفض الكشف عن هويته لأسباب أمنية، قال إن السكان الذين علموا بالاطاحة بتنظيم القاعدة سافروا إلى حي 400 للتأكد من أن هذه الأنباء صحيحة. "بدأ الناس يتحركون ليروا أنه لم يعد لتنظيم داعش المزيد من المقاتلين هناك، وأن الحي أصبح فارغا تماما"، ثم نزلوا إلى شوارع الحي للاحتفال فيما زرع مقاتلو مجلس الشورى العلم الليبي على جبال الفتايح التي تطل على المدينة الساحلية. "وبعد بضع دقائق، بدأ الناس بالتجمع والاحتفال في حي 400. الآلاف يحتفلون الآن في الشوارع. الجميع ، بعد أن أقام التنظيم الإرهابي مدة تسعة أشهر في هذه المنطقة".

الميليشيا المنافسة، التي كانت قد شغلت الفراغ بعد الإطاحة بمعمر القذافي في المدينة ، أجبرت مقاتلي داعش على الانسحاب من وسط المدينة في يونيو حزيران عام 2015. ولكن بقيت فلول من القوة المقاتلة للتنظيم على مشارف المدينة. وقد سمحت هذه الفترة للسكان بالعودة إلى شكل من أشكال الحياة الطبيعية قبل القضاء كليا على التنظيم.

يقول هذا الناشط : "إن الحياة خلال الأشهر التسعة الماضية، بدأت تصبح طبيعية جدا، لقد تغيرت جوهريا عن فترة داعش. هناك عدد قليل من الاشتباكات ولكن الحياة أصبحت طبيعية، كل شيء أصبح عاديا، وقد تم فتح المدارس وفتحت البنوك، وفتحت المستشفيات".

وقد سمحت الميليشيات الاسلامية بعودة المساجد إلى الخدمة العادية تحت إشراف هيئة الأوقاف، التابعة إلى مفتي ليبيا الشيخ صادق الغرياني ، والتي تعين أئمة صلاة الجمعة."إن مجلس شورى درنة لم يشرف على أي صلاة، فقد ترك للقطاعات العادية القيام بذلك"، كما يقول محدثنا.

كما بدأت العائلات بالعودة إلى المدينة لأنها أصبحت أكثر أمنا على نحو متزايد ، مع تراجع العلامة التجارية الوحشية للتنظيم. فر والدا الناشط إلى مصر عندما دخل تنظيم داعش المدينة ولكنهما عادا الآن إلى المنزل. واضاف "إنهما كانا يسألان عمّا يجري ويتابعان وضع درنة على الفيسبوك وغيرها من الوسائل. لقد سمعا أن الناس يعودون وأن كل شيء عادي الآن. إنهما يشعران بالسعادة الغامرة الآن وأكثر أمنا".

سيطر التنظيم على أغلب المدينة منذ أعلن شباب مجلس الشورى السلامي الراديكالي عن امتداد لخلافة داعش، أو "إمارة إسلامية"، داخل المدينة في أكتوبر 2014، تحت اسمها ولاية برقة. وقد تم تمكين الكيان الجديد التابع من قِبَل زعيم داعش أبو بكر البغدادي، الذي أوفد مساعدا رئيسيا إلى المدينة هو أبو نبيل الأنباري.

وفي الأشهر التالية، صلب مقاتلو داعش معارضيهم، وأغلقوا المدينة، وقطعوا رؤوس مدنيين وآخرين أعدموهم علنا في الساحة الرئيسية في المدينة. يقول الناشط إن داعش قتل ابن عمه في اشتباكات فيما ضرب قناص داعشي شقيقه في ساقه بينما كان يرافق ابنه إلى المدرسة. في تسعة أشهر منذ أن تم دُفع التنظيم خارج المدينة، يقول الناشط إن المدنيين لم يشهدوا حادثا واحدا في المدينة.

"مجلس الشورى يحاولون إظهارأنفسهم أنهم ليسوا إرهابيين، وأنهم ليسوا تنظيم القاعدة، وأنهم يريدون أن يكونوا ديمقراطية حقيقية داخل المدينة وفي ليبيا بشكل عام"، يتابع هذا الناشط "تحالف الميليشيا على استعداد للعمل مع الجيش الليبي، الذي ينفذ حاليا ضربات جوية ضد الاسلاميين في المدينة، ولكن لديهم مشكلة كبيرة مع قائد الجيش خليفة حفتر، إذ يزعمون أنه ارتكب جرائم ضد المسلمين في حرب ليبيا مع تشاد في 1980".

يدعي مقاتلو داعش أنهم لم يغادروا المدينة بسبب خسارة معارك مع الجيش ومقاتلي مجلس الشورى الليبي، ولكن بناء على أوامر من كبار قياديي داعش في المدينة الساحلية بوسط مدينة سرت، مسقط رأس القذافي. أحد أصدقاء الناشط القدامى الذين التحقوا بداعش كتبوا على تلغرام: "نحن لم نترك درنة لأننا عجزنا عن السيطرة عليها ولكن حصلنا على أوامر مغادرتها من سرت".

ويضيف ان الوالي، أو حاكم سرت أمر المقاتلين بالتراجع إلى سرت لحماية أنفسهم وأنه من أجل الوصول إلى سرت على بعد حوالي 1،500 كيلومترات، يجب أن يسافروا تحت جنح الظلام عبر الصحراء الليبية لتجنب غارات جوية تشنها القوات الجوية الليبية أو الولايات المتحدة. وهناك تقارير داخل المدينة أن مجلس الشورى يقوم بتنفيذ عقوبات وحشية ، ليس ضد المدنيين ولكن ضد مقاتلي داعش الذين يتم القبض عليهم.

ويقول الناشط إن تحالف الميليشيا أعدم عددا من مسلحي داعش بعدما حكمت محكمة إسلامية عليهم بالإعدام. وقبل صدور الحكم، يتم استدعاء أسر المدانين، إذا كانوا ليبيين، لسماع جرائمهم قبل تنفيذ عقوبة الإعدام. وأضاف "أنهم لا يفعلون ذلك في العلن ، كما فعلوا داعش. "وطلب القاضي منهم أن يأتوا ويشهدوا المحاكمة، و سماع ما فعله أبناؤهم.

لقد حكموا على بعضهم بالموت فيما تم الإفراج عن البعض الآخر". على الرغم من كل التغييرات في المدينة، ما زالت هناك مشاكل خطيرة يومية بسبب عدم الاستقرار على نطاق أوسع. هناك 3 أجهزة صراف آلي فقط في درنة ، ولا أحد منها يعمل. " البنوك تفتح ولكن لا توجد سيولة في ليبيا الآن"، وفق هذا الناشط. ولا زال الجيش الليبي يواصل ضرب معسكرات الميليشيات داخل المدينة على الرغم من الإطاحة بداعش.

ولكن رغم جميع المشاكل الجارية في المدينة، يبقى السكان "ممتنين" للميليشيات في رفع ظل داعش عن المدينة، وهو ما قد يعني أن المزيد من الصراع يلوح في أفق في هذه المنطقة التي تعد مرتعا للإسلاميين. الميليشيات، المنضوية تحت راية التحالف المحارب لداعش، تمكنت من "بناء ثقة جيدة مع سكان المدينة"، بحسب قوله. ويعتقد الكثيرون أن الميليشيات لن تسمح بسقوط المدينة "من جديد بيد "الخلافة"، ولكن بدلا من ذلك سوف تعمل على تحويل درنة إلى "مدينة إسلامية" عاملة.

مع ذلك ، ومع استمرار الضربات العسكرية الليبية على المدينة، فإن العديد من السكان سيحولون امتنانهم إلى الأسلحة. "إن مجتمع درنة لا يحتاج إلى تجربة أخرى مع الحرب. إنهم يريدون اتفاقا سلميا بين مجلس الشورى والجيش الليبي. إذا قرر حفتر مواصلة مهاجمة المدينة ورفض أن يستمع إلى شيوخ درنة، أو السكان، أنا واثق أن الكثير من الناس العاديين في درنة سينضمون إلى مجلس الشورى ضدا في الجيش الليبي".