أكد الدكتور مازن الشريف الخبير الاستراتيجي التونسي في الشؤون الأمنية والعسكرية ورئيس قسم الاستشراف ومكافحة الإرهاب بالمركز التونسي لسياسات الأمن الشاملأن نتائج الإنتخابات الرئاسية في بلاده يمكن أن تؤدي الى إحتقان كبير وفوضى « ثورجية » في ظل التحالف بين روابط حماية الثورة والتكفيريين ممن يدعمون المترشح المنصف المرزوقي ،وقال في حوار مع « بوابة افريقيا الاخبارية » أن الوضع في منطقة شمال افريقيا والمغرب العربي حرج جدا مع إرتفاع ضراوة نشاط الجماعات الإرهابية ، مشيرا الى المخاطر على المستوى المنظور تتلخص في ما سمّاه بالإرهاب الانتقامي وهو القيام بعمليات غادرة خاطفة، لكن إذا تأزم الوضع في ليبيا أكثر يمكن المرور للإرهاب الأسود الذي يستهدف المدنيين ويستخدم التفخيخ وغيره من الأساليب ويجب التصدي لكل هذا بحزم ومنع حدوثه، وفق تعبيره
وفي ما يلي نص الحوار
أنت ممن كانوا نبهوا لوجود أخطار حقيقية على الأمن التونسي من قبل الجماعات المتشددة ، فهل ترى أن تلك الأخطار لا تزال قائمة ؟
أجل نبهنا لوجود اخطار كبيرة وتم تكذيبنا في البداية واتهامنا بشتى التهم من بعضهم، ثم ثبت صدقنا وكذبهم. تلك المخاطر لا تزال قائمة بل وتتربص بشكل اكبر وأخطر لأن المرحلة القادمة كما قلت هي مرحلة انتقام وستكون الضربات خاطفة غادرة تسعى خلف كل ثغرة ونقطة سهو أو ضعف. لكني ارى من جانب آخر تطورا كبيرا في عمل المؤسستين الأمنية والعسكرية ونضجا استراتيجيا ربما يتم دعمه بالرئاسة والحكومة القادمة التي قد تصلح ما تم إفساده من قبل من قبل الرئاسة والحكومات بعد الثورة.
هل يمكن لنتائج الإنتخابات الرئاسية في تونس أن تتسبب في ظهور موجة جديدة للإرهاب في تونس ؟
أجل يمكن أن تؤدي إلى احتقان كبير وفوضى ثورجية، ومعلوم أن هناك تحالفا عميقا بين روابط حماية الثورة والتكفيريين، وهو تحالف يمتد إلى رئاسة الدولة ممثلة في المرزوقي ومن خلفه المشروع الإخواني المدعوم من قبل أطراف إقليمية ، وحين يخسر هذا الحلف الانتخابات فإن الأمور قد تمضي إلى ما أشار إليه إرهابي في« كوباني » وبعض رؤوس الثورجية بتونس (الكلام عن الذبح والسحل وأنهار الدماء).
إنه أمر على غاية الخطورة خاصة مع التجييش والتأثير في مجموعات كبيرة من الشاب تنطلي عليها تلك الخدع الثورجية الجوفاء وتخشى فلولها من عودة الدولة ورجوع مهابتها واتزانها ومن المحاسبة القضائية وإحباط المشروع برمته.
وكيف تنظر للوضع الأمني في منطقة شمال افريقيا والمغرب العربي ؟ وما هي المخاطر الإرهابية المحدقة بها في المدى المنظور ؟
الوضع الأمني في المنطقة حرج جدا، ويحتوي على الكثير من المخاطر. فنشاط الجماعات الإرهابية يزداد ضراوة مع كل عملية إرهابية، ولدى هذه المجموعات محفّز معنوي يتمثّل في إعادة خلق قائد رمزي لها متجسّدا في البغدادي الذي بايعوه خليفة. كما أن التمكن من ترسانة عسكرية كبيرة جدا سواء لدى داعش في سوريا والعراق أو أنصار الشريعة في ليبيا وموارد مالية ضخمة جدا تحت غطاء تكفيري وإعلامي ومخابراتي قوي ، كل هذه المعطيات وغيرها تجعل المخاطر أكيدة وقريبة على المنطقة ككل، وحين نخص الأمر بالمغرب العربي فإني أرى أن المستهدفين الرئيسيين هما تونس والجزائر لنجاح الأولى في تجاوز مصاعب الانتقال الديمقراطي وعدم السقوط في الاحتراب الأهلي وعجز الإرهاب النوعي عن تحقيق أهدافه، ولما تمثله الثانية من قيمة في مجال الثروات النفطية وفي مجال وقوفها سدا منيعا امام المشروع التخريبي في المنطقة
أما المخاطر على المستوى المنظور فتتلخص في ما أسميته بالإرهاب الانتقامي وهو القيام بعمليات غادرة خاطفة، لكن إذا تأزم الوضع في ليبيا أكثر يمكن المرور للإرهاب الأسود الذي يستهدف المدنيين ويستخدم التفخيخ وغيره من الأساليب ويجب التصدي لكل هذا بحزم ومنع حدوثه.
الوضع الليبي
كيف تقيم الوضع الليبي ؟ وهل ترى إمكانية تحول ليبيا الى بؤرة للإرهاب على ضفاف المتوسط خصوصا مع بداية إنتقال عناصر من داعش الى أراضيها ؟
كتبت دراسة عن ليبيا عنوانها "ليبيا بين مطرقة الإرهاب وسندان الأطماع الدولية"، وبينت فيها الارتباط بين كون ليبيا خامس دولة في العالم فيما يخص الثروات النفطية، وبين المشروع التخريبي الذي حولها إلى أكبر بؤرة للإرهابيين في العالم كله إذ تتصدر مدينة درنة وبعض مناطق ليبيا المرتبة الأولى في تمركز وتسليح الإرهابيين وهي المصدّر الرئيسي للإرهاب نحو الشام والعراق ومالي، والمقصد الأهم لإرهابيي العالم للتدريب والتسفير. كما أنها المكون الأساسي لتنظيم داعش والتنظيمات التابعة له.
وليبيا مساحتها مليون وثماني مئة ألف كيلومتر مربع. ولها أطول شاطئ في دول المتسوط (1955 كلمتر)، مع عدد سكان قليل (6 مليون)، فتكون بذلك المكان الأنسب للتمركز الإرهابي إذا أضفنا موقعها الجيوستراتيجي بين إفريقيا وبلاد المغرب وعلى مقربة من أوروبا، وإذا زدنا العوامل الأساسية وهي انهيار الدولة بشكل شبه كلي وكثرة المجموعات المسلحة ووجود قرابة ستين مليون قطعة سلاح فيها وكونها خامس دولة في العالم من حيث الثروات النفطية. ووفق هذه المعطيات، ومع وجود قوي للدواعش فيها، وتخاذل دولي عن دعم الدولة الليبية، نرى أن ليبيا تتجه بسرعة لتكون البؤرة الأخطر في المنطقة والعالم إن لم تكن كذلك حاليا وهو ما أراه. وهذه أمور وجب الانتباه إليه والدفع بكل الأشكال لحلّها.
الى أي مدى بات الوضع الليبي يمثّل تهديدا للدول المجاورة وخاصة تونس والجزائر ومصر ؟
التهديدات جدية وخاصة من من هجومات بالطائرات نظرا إلى أن الإرهابيين في ليبيا قاموا بالسطو على عدد من الطائرات المدنية والحربية في ليبيا وهنالك معلومات عن تدريبات يقومون بها على تلك الطائرات وتحذيرات رسمية من المخابرات الجزائرية من احتمال استخدامها في علميات إرهابية في كل من الجزائر ومصر وتونس. إضافة إلى هذا فمسار الحرب في سوريا والعراق واحتمال التضييق على داعش يجعل ليبيا الوجهة الموالية مع ما فيها أصلا من دواعش ومن شاكلهم. وفي حال كان هنالك تدخل إقليمي (مصري جزائري) أو دولي فإن الحرب ستكون ضارية وسيحاول الإرهابيون تفعيل خلاياهم النائمة والانتقام. وإن ما يؤكد جدية المخاطر أن الرئيس الجزائري جعل المناطق الحدودية مع تونس وليبيا مناطق عسكرية، وعزز الجيش الجزائري تمركزه ودفاعاته، وكذلك الجيشان التونسي والمصري.

خطوة مهمّة
إعتبر الدكتور مازن الشريف الخبير الإستراتيجي التونسي في الشؤون الأمنية مبادرة دولة الإمارات العربية المتحدة بإصدار قائمة في الجماعات والمنظمات الإرهابية خطوة شجاعة ومهمة ، وقال أن ضرب من يدعم الإرهاب وينظّر له ويبرر ويموّل ويمهّد أمر ضروري. كما أن خلق تحالف يدعم هذا التوجه الذي يقتلع الإرهاب من جميع جذوره أمر مهم لتوفير نجاعة وفاعلية خاصة أن هنالك تحالفا مضادا يسعى لعكس ذلك.
وردّ الشريف أنتشار الجماعات الإرهابية في المنطقة العربية الى أسباب عدة منها الضعف الاستشرافي لدى عدد من الأنظمة الحاكمة قبل وبعد ما سمي الربيع العربي ،و التصحر الديني لدى الشباب العربي، وقوة الدمغجة باستخدام الدين والقوة الإعلامية الضاربة والضارية التي قصفت العقول منذ سنوات ومهّدت لكل هذا ، إضافة الى قوة الدعم والتمويل من جهات دولية بعينها ووجود مشروع مدعوم بشكل قوي وارتباط بمخابرات وجريمة منظمة ومافيا كاملة ،إضافة الى إيجاد المجال المناسب متمثلا في قلة خبرة القوات الأمنية والعسكرية في الدول المستهدفة في مجال التعامل مع الإرهاب (رغم أنه تم تطويرها تدريجيا في تونس ورغم وجود خبرة كبيرة في الجزائر). أو غياب ودمار الدولة (كما هو الشأن في ليبيا). ووجود من يتواطؤ معهم ويمكنهم من اختراق الدول
وعن العلاقة بين الإخوان الميلمين والجماعات الإرهابية قال الخبير الإستراتيجي التونسي أن التحالف قديم منذ أن ألّف سيد قطب في هذا الأمر مؤسسا للجهادية داخل التنظيم الإخواني. وهو تحالف منهجي ومستمر وتمظهر بعد ما سمي بالربيع العربي. رغم أنه تحالف عقائدي عميق لوجود قوي للمتشددين والجهاديين داخل تنظيم الإخوان وفي الصف المتشدد، فإنه أيضا تحالف مصلحي زئبقي فمرة يكفّر الجهاديون الإخوان إن مالوا للديمقراطية ومرة يتخلى الإخوان عن الجهاديين إن اقتضت المصلحة ذلك.

رحلة في عقل إرهابي
كتاب جديد يصدر خلال الأيام القليلة القادمة للدكتور مازن الشريف الخبير الاستراتيجي في الشؤون الأمنية والعسكرية ورئيس قسم الاستشراف ومكافحة الإرهاب بالمركز التونسي لسياسات الأمن الشامل، بعنوان« رحلة في عقل إرهابي» يبحث في موضوع الإرهاب الذي يشغل فكر العالم اليوم ،و العدو الأشرس والأخطر والأكثر دموية، عدو للإنسان وللحضارة ولكل كائن حي ومعنى جميل.
يقول الشريف « المشاهد الدموية التي تأتينا من هنا وهناك مع ما فيها من أشلاء ودماء وهلع ودمار، هي مشاهد تثبت قوة الظلام القابع في قلوب ونفوس مريضة، ومدى حرص تنظيمات معينة على تدمير الكوكب كله لو وجدت إلى ذلك سبيلا، فالخطر الإرهابي ليس على شعب أو أهل ديانة أو دولة ما، بل هو خطر عام على جميع المؤمنين بإنسانية الإنسان
وضمن دراسة وتفكيك وخبرة في مجالات مختلفة لها أن تتفاعل لتبني نموذجا دقيقا ولتعطي رؤية أوضح، تمت صياغة كتاب «رحلة في عقل إرهابي» لأن فهم الظاهرة من الداخل أغنى وأهم من وصفها من الخارج، ولأن من أهم قواعد فنون الحرب فهم عقل العدو، وقراءته والغوص فيه صمّ التصور بتصوره وبناء النظم المضادة وفهم نقاط الضعف والقوة.
ويقول الشريف أن الكتاب سيكون اختزالا لمسائل كثيرة تتعلق بالعقل الإرهابي ومكنونات الذات الحاوية له من جانبها النفسي والذهني والعقائدي والاجتماعي ونظم برمجتها وتفعيلها وأطرها الداخلية وصلة ذلك بنظم خارجية وتفاعلات مختلفة ،مضيفا أن العقل الإرهابي هو عقل بُرمج على الإرهاب، لكن هذا المعنى لا يكفي وحده، لأن جانبا مهما من العقل الإرهابي هو العقل الذي بَرمج على الإرهاب، بنسبة الفعل إليه. وهناك شبكة معقدة من العقول التي تدعمه وتبرر له، والتي تموله، والتي تبرمجه وتفعلّه وتأمره وتفجره في الوقت المناسب.
ويشير الشريف الى إن دراسة المنظومات الإرهابية من تاريخ الأرض كله، توصلنا إلى توافقات كثيرة وتشابهات عديدة، رغم اختلافات في جوانب من التفصيل، ولكن الذي يبرمج على القتل والتدمير يخضع لنفس المراحل تقريبا.