في هذا الحوار الخاص ببوابة افريقيا الاخبارية يتحدث الدكتور والباحث المغربي عبد النبي عيدودي عن المشهد السياسي في الممكلة المغربية وعلاقة الاقطاب الحزبية بعضها ببعض وتظرتها لمستقبل تلك العلاقة .

- المغرب مند فترة عرف نوعا جديدا من الصراع الذي هم كلا من التيار العلماني والتيار الاسلامي فماذا يمكنك أن تقول في هدا الشأن ؟

إن الصراع الذي يدور بين التيار الاسلامي والعلماني بالمغرب له صيرورة تاريخية بدأت بدخول المستعمر سنة 1912 حيث إن هذا الدخول حمل معه مجموعة من الأفكار الغربية التي يمكن اعتبرها دخيلة على المجتمع المغربي .. فهذا الزحف الايديولوجي الذي خلفه المعمر كان بمثابة راسب بنيوي ساهم في تشكل التيار العلماني بالمغرب. والتيار الاسلامي ليس وليد هذه اللحظة ، بل إن الاسلام حاضر ومتجذر في عمق التاريخ المغربي مند المولى ادريس الأول إلى اليوم. لكن التيار الاسلامي أو الاسلام السياسي هو وليد حركة الإخوان المسلمين بمصر وانتشارها في العالم العربي والإسلامي والمغرب أيضا لم ينجو من هذا.. قد لا نجزم أن المغرب هو نسخة طبق الاصل للإخوان في مصر لكن هناك مجموعة من الأهداف التي تجمع بينهما، مع بعض الاختلافات التي تتحكم فيها طبيعة النظام والخصوصية الجغرافية والتاريخية لكل بلد . أما الحديث عن الصراع بين التيارين الإسلامي والعلماني بالمغرب لحدود الساعة، لا يمكن أن نقول بوجود صراع علماني إسلامي بالمغرب لأنه لا توجد مؤشرات على ذلك، في المقابل يمكن أن نقر بصراع خفي موجود يتفاعل في صمت ، وفي خفاء وأحيانا يبرز في تظاهرات ، مثل المسيرة الوطنية التي نظمها التيار الاسلامي في 2002 ضدا على التيار العلماني في واقعة (خطة إدماج المرأة في التنمية ) ، المسيرة المناوئة لها التي نظمها اليسار في الرباط ، ومسيرة التيار الاسلامي في الدار البيضاء.هذه كانت نقطة من نقط الصراع التي تمثلت في الظاهر وأصبحت جلية للعيان من خلال المسيرتين المضادتين لبعض بنود الخطة .ثم أيضا هناك نقطة أخرى برزت تبين لنا حضور التيار الاسلامي من خلال الوقفات و المسيرات التي ينظمها الإسلاميين بالمغرب تضامنا مع بعض المواقف الإسلامية كتضامنهم مع القضية الفلسطينية ...

- ما هي أسباب هذا الصراع هل هو وليد اليوم أم وليد فترة مضت؟

فيما يخص اسباب الصراع، يبقى السبب الاول اختلاف الايديولوجية، فالتيار العلماني بالمغرب ينطلق من المواثيق الدولية كمرجع، والتيار الاسلامي ينطلق من القران والسنة كمرجع، وهذا الاختلاف المذهبي العقدي يشكل تباينا في المواقف والآراء في مجموعة من القضايا التي تشغل المواطن المغربي، والاختلاف في تناول والتعاطي مع هذه القضايا والمواضع، هو ما يسبب الصراع الحقيقي بين الاسلاميين والعلمانيين بالمغرب، هذا الصراع استفحل و اصبح ينموا بشكل كبير خلال السنوات الاخيرة طبعا، مع بروز الحرية الفر دانية في المنتظم الدولي ، او اصبحت المواثيق الدولية معيار يعتمد في تقدم الدول ونموها، هذه المواثيق تبدوا في عمقها بالنسبة لتيار الاسلامي تهديدا لإيديولوجيته التي تعترض القران، كمرجع للتيار الاسلامي، وتعرفون ان المواثيق الدولية تقدم اجتهادات لا يقبلها النص القراني، مثل الحق في الحرية في التعبير، والقران ايا يقر بهذا الحق، لا يسمح به في امور تتجاوز المقدس، كنقاش في الذات الالهية وأسمائه وصفاته فهو مجال لا يمكن النقاش فيه، ثم مسالة التحكم او حرية الجسد ، قول كحق الاجهاد وحق الزواج بدون ورقة زواج، والعلاقات الجنسية كحرية الفرض، وهي امور في التيار الاسلامي مقننة بقواعد لا يمك كسرها، بين العلماني هذه القواعد لا يتدخل فيها، ويترك لإنسان حرية ممارسة عاداته النفسية والروحية والبيولوجية كيفما شاء بكل حرية، وفي مسالة الحرية مسالة الافطار العلني برز حولها من صراع بين التيارين بين مؤيدين ورافضين لها في الصحف وفي الوقفات الاحتجاجية. ان زحف الحداثة على المجتمع المغربي يكرس هذا الصراع، يمكن القول ان عنق الحداثة يرغم المجتمع على التطور وعلى مواجهة مجموعة من القواعد والأعراف التي لا تعترف بها الحداثة.

هل خلف هذا الصراع ردود فعل في الساحة السياسية والإعلامية والدينية بالمغرب.؟

طبعا خلف ردود فعل، كمسالة الافطار العلني شغلت الساحة الاعلامية بشكل كبير من الذين اعلنوا حريتهم في الافطار وكتبوا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعية بحقهم في الافطار العلني، بل وحاولوا التجمهر امام البرلمان محتجين عن هذه الحرية، لكنهم يصطدمون بنص قانوني، الشئ الذي جعل التيار العلماني يتبنى فكرتهم بشكل علني يحث على حق التحكم في الجسد أي حرية الافطار العلني. ثم نفس الشئ على مستوى الصراع السياسي خلقت صراع كبير بين الاحزاب التي تدخل بين خانة التيار العلماني والتي تدخل من خانة التيار الاسلامي، صراع كبير ومرير إلا ان حكمة امارة المؤمنين، وتشكيل لجنة ملكية برئاسة الضحاك / اسمه وصفته /ثم بعد ذلك برئاسة بوستة / صفته واسمه بالكامل / ، التي استطاعت ان توفق بين الرأيين المتضادين المختلفين حول مجموعة من القضايا التي تهم مدونة الاسرة، وكان خطاب الملك واضحا، هو لا يحلل حراما ولا يحرم حلال، صدرت المدونة بتوجيهه وبتوفيق من امارة المؤمنين، قبلها التيار العلماني والتيار الاسلامي بالمغرب.

كيف تناول الاعلام الرسمي هذه القضية؟

تعاطي الاعلام الرسمي مع هذا الصراع ، غير موجود، او ان الاعلام الرسمي لا يريد ا يوصل الى الرأي العام الوطني ان هناك صراع بين العلمانيين والإسلاميين بالمغرب، ربما لان اغلب المواطنين غير قادرين على استيعاب هذا الصراع، فاغلب المواطنين هم مشبعين بثقافتهم الدينية، في نفس الوقت المواطن منغمس في القضايا الحداثية، الى النخاع فالمواطن يعيش هذا الصراع على مستوى النفس وعلى مستوى الذات بشكل يومي، بين تراثه المثقل به وبين الحاضر المملوء بالقضايا الحداثية التي تزحف عليه تجرفه ولا تنتظره.

- ما هي الانتاجات الفكرية لكل تيار؟

فيما يخص الإنتاجات الفكرية لكل تيار، فإذا عرجنا للتيار العلماني قد نجد في كتابات الاستاد محمد سبيلة ، الاستاد عبد االله العروي، ومحمد عبد الجابري، سنجد ارهاصات لانتاجات فكرية خاصة بتيار علماني مغربي، وإذا عرجنا على التيار الاسلامي فلا نكاد نجد كتابا يشكل مرجعا فكريا مثل المعاليم في الطريق للسيد قطب / من هو اسمه الكامل وصفته/، باستثناء كتابات الاستاد عبد السلام ياسين لكنها كتابات لم تحدد الطريقة الممكنة لبناء النسق المجتمعي المعاصر الذي يجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل بمختلف تجلياته.

- ما هي المشاريع السياسية لتيارين العلماني والإسلامي؟

في ظل وجود امارة المؤمنين في المغرب، التي تقوم على نظرية البيعة من طرف اهل الحل والعقد، كما حددا الفعل النبوي، لا يمكن ان نجزم بان التيار العلماني والتيار الاسلامي بالمغرب يمكن ان يعلنان مشروعيها السياسيين ، اذا اعتبرنا العدل والإحسان كجزء من التيار الاسلامي يسعى الى اقامة دولة الخلافة على منهج النبوة، كما جاءت في كتابات المرحوم عبد السلام ياسين فلا نكدوا نجدوا عند باقي الفرقاء التيار الاسلامي كحزب العدالة والتنمية الاصلاح والتوحيد حركة منهج الامة مشروعا متكاملا ولو على المستوى النظر، وهي نفس المحنة التي يعيشها التيار العلماني اذ يسعى ال دولة الحق والقانون وترسيخ الديمقراطية والكرامة والحرية لكنها تبقى مفاهيم و قيم وشعارات غير مركبة في تصور مشروع سياسي مجتمعي متكامل.

- ما موقف القصر من هذا الصراع، الى أي اتجاه يميل القصر ؟

القصر طبعا، الفاعل الرسمي او امارة المؤمنين او الملك محمد السادس/ غير محكوم بالميول الى تيار معين، او تغليب تيار عن اخر، بقدر ما هو محكوم بتطور المجتمع، الاستماع ال حاجيات المجتمع، فبقدر ما يتطور المجتمع تطور القصر، فالقصر قد جزم بأنه يمسك بالعصى من وسط من اجل خلق ذلك التوازن الذي يتطلبه التطور المجتمعي، كان يرون في القصر قوة لهم، من اجل استكمال مشروعهم الحداثي الديمقراطي، فالإسلاميين ايضا يرون في القصر امكانية الاعتماد عليه من اجل اتمام مشروعهم الاسلامي المعتدل، والقصر طبعا بين الرغبتين معا، لا ينتبه إلا الى المجتمع ويعمل على تقديم الخدمات الامنية والصحية والاجتماعية والروحية للمجتمع دونما الانتباه الى الفاعلين في الحقل الاسلامي والعلماني.

- انت كمحلل سياسي ما تقيمك لهذا الصراع وما تبعاته في المستقبل؟

كما قلت الصراع الاسلامي العلماني هو محكوم بأمرين هامين، اولهما عنف الحداثة وزحفها القوي على المجتمع المغربي وثانيها قدرة المجتمع على التطور والاستعداد على الانفتاح على هذه الحداثة لتهب علينا من كل حدب وصوب نراها في قنواتنا الفضائية التي اصبحت ملك مشترك نراها في وسائل الاتصال الحديثة تويتر فيسبوك هواتف الاتصال المواقع الالكترونية ، نرها ايضا في الافكار الجديدة التي تحملها لنا هذه الوسائل وتغير من قناعتنا التي تربينا عليها مند الطفولة فنجد نفسنا امام قضايا اخرى تشغلنا، هذا الصراع الاسلامي العلماني سيتأثر بقوة الحداثة ويتأثر بقدرة المجتمع على مقاومة هده الحداثة، فمقاومة المجتمع لهده الحداثة انتصار للتيار الاسلامي وفي زحف العولمة العولمة على هدا المجتمع انتصار للتيار العلماني.