تعيش الجزائر في وضع إقليمي متوتر وحدود  "ملّغمة " مع كل من تونس، مالي وليبيا بفعل التهديد الإرهابي في هذه البلدان واحتمال انتقاله للجزائر عبر الحدود  البرية ويتحدث نسيم بلهول الدكتور بالعلوم السياسية بجامعة تيزي وزو بالجزائر والمستشار بقيادة القوات البرية العسكرية في هذا الحوار  الحصري لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية " عن تداعيات هذا التوتر  خاصة في الجارة ليبيا على الأوضاع الأمنية في الجزائر كما يفصّل في العمل الدفاعي الجزائري وإستراتيجية الجيش للمرحلة المقبلة مقدما تقيما دقيقا لتعامل الجزائر مع الأزمة الليبية.

بوابة أفريقيا الإخبارية:  الوضع في الحدود الجزائرية مع ليبيا وتونس ومالي متوتر ما هي تداعيات هذا الوضع على الاستقرار والأمن في الجزائر؟؟

 د. نسيم بلهول:   قبل التطرق إلى اعتبارات اللاإستقرار و اللاأمن التي قد تنجر وخط التهديد المستدام الذي يكون مصدره الجوار السيئ، فمن الزاوية الدفاعية وجغرافية العمليات لمنطقة التخوف ومصدر القلق والإستنفار النظامي الجزائري، لابد الأخذ بعين الاعتبار أهمية هذه الدول في إطار لمقاربة الأمنية الجزائرية ذات البعد العملي العملياتي، حيث لا بد من مراعاة عند التطرق إلى هذا الفضاء المقلق ( الذي يتفاعل فيه السياسي بالديني والجغرافي ) ما يلي:

• فجيوبوليتيكا المنطقة أخطر من أن يتولى أمرها السياسيون و الأكاديميون فقط

• قد نجني من جغرافيا المنطقة سياسة أمنية لها من الحكمة بقدر ما لها من الخلود إذا ما اعتبرنا بمآسي السالفين و قسناها بأخطائنا المشابهة.

وعند الانطلاق لتحديد طبيعة وحركة التهديدات العاملة في بيئة من العوامل الثابتة (الجغرافيا) و المطلقة (الدين والمصلحة)، لا بد من مراعاة شكل الحروب والمواجهات التي سيعرفها المستقبل في مسرح من عمليات غامضة في المنطقة، والتي تتحدد من وجهة نظر عملياتية وفق استجابتها لهذين الشرطين الأساسيين: 

•  أنت تذهب إلى الحرب ضد تهديدات قائمة على جغرافيا مجازفاتية بالجيش الذي لديك ... و ليس بالجيش الذي تريد أو قد ترغب فيه في وقت لاحق.

• في مواجهات على أراض من قبيل بيئة موضوع السؤال، فإنك عندما تختار حربا ما. فلن تحصل دائما على الحرب التي اعتقدت أنك اخترتها أو كنت ترغب فيها.

 بالتالي أضحى هذا الفضاء هذا الفضاء من أحد أخطر التشكيلات الجيوبوليتيكية المصطنعة حاليا العاملة على إشاعة اللاستقرار على حدود دولة كبرى إقليمية أو قوة محورية (الجزائر) قادرة على تكوين حلف جاد أو دور أساسي ، قد يشكل أساسا خطرا بالنسبة لاتجاهات خطوط النزعة الأمبريالية الجديدة ، المتمثلة في:

•  فرنسا ، كقوة استعمارية سابقة ( اتجاهات الأمبريالية التقليدية).

•  الولايات المتحدة الأمريكية ( إسرائيل الكبرى و اتجاهات تفتيت المنطقة).

•  الصين ، فك الطوق الأطلسي عن طريق توجيه جولات المواجهة خارج مسرح فوقيتها الإقليمية.            

بوابة إفريقيا الإخبارية : كيف تقيمون تعاطي الجزائر مع الأزمة في ليبيا؟

د. نسيم بلهول:  يأتي العمل الدفاعي الجزائري من واقع العقيدة العسكرية الجزائرية القائمة على الثالوث الإجرائي (تفادي الإنكشافية، السرية ومبدأ الأمان). حيث تراعي المنظومة العسكرية الجزائرية في تعاطيها مع الأزمة الليبية ضرورات المحافظة على التوازن بين المطالب الإنسانية ومنطلقات الجوار في مساعدة دولة متاخمة فاشلة يشكل أمنها الرخو مصدر تهديد حدودي، وبين الإلتزامات الدستورية للجيش و للآليات الدفاعية في تعاطيها مع واقع جديد يقضي والتعامل بحسمية مع معطيات من قبيل اللعب في منطقة ذات تفاعل لا أمني شديد. ولقد أضحت بيئة الأمن القومي الجزائري تحكمها مركزية التهديدات المرتبطة بالمنطقة باتجاهيها الشرقي والغربي وبعمقيها الصحراوي والمتوسطي. بالتالي تدخل ليبيا في نطاق بيئة أمنية تحكمها معادلتي العمق الماحي ونقطة تقاطع إستراتيجية تضعها منكشفة جغرافيا أمام كل التهديدات من على كل الجبهات (حدود برية و بحرية طويلة). لتبقى ليبيا المتحولة من نمط الدولة الفاشلة إلى نمط الدولة الإرهابية بعدا تقليديا للتهديدات المعوقة لعمليات الإنماء الأمني كما وأصبحت تشكل جوهر مسائل الأمن القومي الجزائري. بالتالي تعتبر المؤسسة العسكرية الجزائرية أن معدلات الحسم ومشاكل التبيئة الأمنية في ليبيا تكمن في مستقبل بناءات القوة والأمن العسكري والقومي الجزائر التي تحافظ على أدواتها التقليدية لاعتبارات الهيبة واللاإنكشافية.

بوابة إفريقيا الإخبارية: إلى أي مدى تكمن خطورة تسلل الجماعات الإرهابية عبر الحدود مع الجزائر وهل الخطة الأمنية الموضوع على الحدود ستكون كفيلة بمنع ذلك؟؟

د.نسيم بلهول:  يمتاز مسرح العمليات في المنطقة وميدان المعركة الصحراوي من على الشريط الحدودي الشرقي بأنه مفتوح نظرا لطبيعة السطح الجغرافي الخالي من التموجات والأودية والغطاء النباتي، فميدان المعركة المفتوح يمنح كل من المدافع والمهاجم بعض الميزات التي يمكن أن نوجزها فيما يلي:

* يمنح السطح الصحراوي الحدودي كل من المدافع والمهاجم ميزة الرماية البعيدة والواسعة النيران مساحات شاسعة من أرض المعركة، كما تمنح القوات المدافعة فرصة بحيث تغطي فرصة الاعتماد على إسناد مدفعي فعال. غير أن الميدان المفتوح للقوات المتحاربة لا يوفر رؤيا ومراقبة جيدة لحركة وتجمعات القوات المعادية على غرار الجماعات الإرهابية وتنظيمات الجريمة المنظمة العابرة للحدود، حيث تحرم الطبيعة الجغرافية للصحراء الأطراف المتحاربة من إمكانيات التخفي والتستر نظرا لاستواء وانكشاف السطح. ففي ميدان المعركة الصحراوي تقف القوات المتحاربة مكشوفة لا يحجبها عن عيون، الكاميرات، وأجهزة مراقبة عدوها شيئا. لذلك فإن ميدان المعركة الحدودي الجزائري الليبي الصحراوي يكون باستمرار مكشوفا أما أجهزة التصوير الجوي وأجهزة الاستشعار عن بعد المتطورة، والتي أصبحت تسجل أدق تفاصيل السطح الجغرافي عن بعد، يتعذر عملها في مساحة جيولوجية تنتمي إلى التكوين الأرضي الرابع.

    وطبيعة السطح المكشوف هي من تجعل جماعات التهريب و التنظيمات المسلحة لا تخشى إمكانات    مباغتتها من طرف جيوش المنطقة، ذلك أن فرص المباغتة العسكرية والهجوم المفاجئ تكون شبه معدومة في البيئات الحدودية الصحراوية المكشوفة. وتفرض ظروف البيئة الصحراوية على الجماعات المسلحة انتهاج إستراتيجية الدفاع المتحرك، ذلك أن الاعتماد على أسلوب الدفاع الثابت في البيئات الصحراوية المكشوفة سسيعرض جماعات كالتي تنتمي إلى تنظيم القاعدة لخسائر نظرا لانكشافها أماموحدات الجيوش النظامية الجزائرية، وخاصة أمام طائراتها المقاتلة.   

     " بالتالي ينبغي أن يركز جوهر أي إستراتيجية لمكافحة الإرهاب على حقيقة أن التضاريس الحاسمة هي التضاريس البشرية وليست الأرض المرتفعة أو عبور النهر": فلقد لعبت علاقات المصاهرة العابرة للحدود في المنطقة دورا كبيرا في حماية الخلايا النائمة للتنظيمات الإرهابية المشتتة، حيث جعلت الحدود بلا معنى بين الدول. فلا يجد سكان الجانبين فرقاً بين مهرب وإرهابي فالأمور باتت في المنطقة معقدة، من جانب أن هناك من يقيم في النيجر وله نفس وثائق الإقامة في تنمراست، حيث أن هناك 90 بالمائة من سكان بعض المناطق مزدوجي الجنسية. والحدود بالنسبة للمهربين هي حدود وهمية ،أي أن هناك روابط عائلية تاريخية ومصلحيه جعلت الكثير من المهربين بل ومن المواطنين لا يعترفون بالحدود. والبعض يقرأ التهريب على أنه نتيجة منطقية لوضع الحرمان السائد في المنطقة الناجم عن غياب الدولة على نحو جعل الإحساس بالانتماء للدولة ضعيف، وأصبح التهريب نمط حياة طبيعي للسكان. وبنفس تمدد شبكات التهريبب، تنتشر حاليا شبكات الإرهاب من على الحدود الجزائرية الليبية. فتنظيم مثل الجماعة الإسلامية الليبية وشبكة ميليشيات الثوار الليبيين تنشط حاليا في تهريب الأسلحة وأدوات سوق الرعب في المنطقة. ولهذه التنظيمات علاقات بالقاعدة والحركات الإرهابية والتمرد في الصحراء الكبرى. والإرهاب هو الذي يوفر الحماية للجماعات المسلحة العابرة للحدود طالما أن هناك تزاوج للمصالح بينهما.

بوابة إفريقيا الإخبارية: ما تعليقكم على من يقول أن الوضع في ليبيا ومالي هو خطة غريبة لإقحام الجزائر في توتر أمني ؟؟

   د.نسيم بلهول:  لم تكن معرفة المنطقة هدفا للحملات الناعمة، ولكن نجاح الكشوفات حول المنطقة إلى جزء من المعرفة الجيوسياسية و الإستراتيجية العالمية. ما معناه أن الجزائر على غرار دول المنطقة بدأت تدخل في حلقة اهتمامات وصراع القوى الكبرى على نطاق عالمي. إذ تأتي أهمية الجزائر والمنطقة من النزعة الصليبية التقليدية والتي تنحصر أهدافها في: شن الحرب ضد المسلمين و هزيمتهم في أفريقيا على غرار ما يحصل في آسيا. بالتالي العمليات ومجموع المناورات التي ترسم اليوم والجارية في المنطقة هي تجسيد صوري للروح الصليبية العميقة التي آمنت بها القوى الأمبريالية الكلاسيكية، وحروب الاستعادة التي آمنت بها قديما كل من إسبانيا و البرتغال، التي تدخل وسياق المذهب الإستعماري الفرنسي المتجدد.

   فمن يلاحظ السلوك العسكري الغربي على غرار السلوك الفرنسي و الأمريكي في المنطقة سيظهر له أنه يتبع نفس منطق و مسارات عمليات التبشير، أي : فكرة الحرب ضد المسلمين ( إما لأسباب تتعلق بمكافحة الإرهاب أو اعتبارات نشر الديمقراطية و تعزيز حماية حقوق الإنسان)، التي قد تطورت لا إلى ملاقاتهم وجها لوجه، وإنما إلى تطويقهم، و يتم هذا بالوصول إلى الأراضي الواقعة خلف بلاد المسلمين و تعزيز شوكتهم فيها. و ضمها تحت نفوذ القوة الفرنسية أو الأمريكية، و من ثم ينحصر المغرب العربي (ذي الغالبية المسلمة) في المنطقة والجزائر على وجه الخصوص وسط المسيحيين من الأمام (أوروبا) و أفريقيا و آسيا من الخلف .

    ولاعتبارات جيوستراتيجية وتموضع القوى العالمية في المنطقة، ولاعتبارات كون سواحل القارة - موضع المنطقة موضوع التنافس العالمي- مطروقة من الناحية البحرية ما يستعصي دون الإتصال بداخل المنطقة، فإن الإتجاه للمغامرة داخل الصحراء يضع القوى الدخيلة وحتى المحلية عرضة للمخاطر والمجازفة أمام حزام قبلي شبيه بالحزام البشتوني في أفغانستان على غرار الحدود الجزائرية الليبية.

    بالتالي تجد الجزائر نفسها ضحية مؤامرة والتنافس على العالمية بين القوى الكبرى من على الحلبة الدولية،

خاصة أن المنطقة تحظى بفضاء عالمي ( موارد النفط و الألماس... )، فإن أي قوة قادرة على التحكم في أزمات و قوس الثروة في المنطقة، من شأنها أن تتحول إلى مصاف القوى العالمية ( كونها قادرة على التحكم وإدارة الأماكن العالمية). فالولايات المتحدة الأمريكية كانت تعتبر الوجود الفرنسي داخل المنطقة عقب الحرب العالمية الثانية كضمانة حقيقية تقف في وجه المد السوفياتي. أما اليوم فلقد أصبحت واشنطن حاضرة بقوة، و هذا بالانتقال من:

 - مرحلة تنمية القوات الأفريقية وإعادة بناءات والدفاعات القومية المحلية: أي من مبادرة تجهيز و تدريب قوات سلام أفريقية، تتولى بنفسها التدخل في مناطق النزاع ، بدلا من القوى الأجنبية ( و المقصودة هنا فرنسا ).

 - إلى مرحلة إقامة قيادة أمريكية بالقارة ( أفريكوم ).

" إن المستعمرات مثل الشركات ، لا تدار من بعيد"

السبيل الأمريكي إلى ذلك :

- عن طريق تفعيل نظرية الهدف المتحرك: أي تحويل خطر تنظيم القاعدة إلى عمق القارة الأفريقية، في مقاربة من " البقع العائمة" تظهر افتعالية بعض الجماعات الإرهابية في الصحراء، مثل حركة التوحيد و الجهاد، أو حركة أنصار الدين  ... مع اختفاء كلي لأي تواجد فعلي لتنظيم ما يسمى بقاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي.

بوابة إفريقيا الإخبارية:   كيف ذلك ؟

د.نسيم بلهول: بعد نبأ اغتيال زعيم الواجهة لتنظيم القاعدة "أسامة بن لادن"، هذا الأمر يسقط بيعة الجماعة (السلفية) للدعوة و القتال لزعيمها السابق، ما يسقط عنها استدامة الانتماء لتنظيم القاعدة المركزي كفرع من فروعه الإقليمية. ومع انفجار ما يعرف بالثورة الليبية، و سقوط كمية كبيرة من الذخيرة والأسلحة تحت قبضة الجماعة المسلحة الليبية، مع ما عرفته شخصية أبو يحي الليبي من رمزية في أوساط أفغانستان، حول أمر قيادة القاعدة بالمنطقة إلى ليبيا، مع تمزق و تشرذم أعضاء جماعة درودكال إلى سرايا مستقلة متصارعة فيما بينها على أن أغلب الجماعات الناشطة في المنطقة تطالب بالبيعة لعمر عبد الرحمن ( المتواجد في السجون الأمريكية) مع إطلاق سراحه، بالتالي بات الظواهري نكرة، إن لم نقل أن إستراتيجية القاعدة انتقلت من مركزية القرار إلى لامركزية العمليات.

بوابة إفريقيا الإخبارية: بعد زيارة وزير الدفاع الفرنسي للجزائر برأيكم هل ثمة دور جديد تأمل فرنسا أن تقوم به الجزائر في المنطقة ؟

 د. نسيم بلهول: لقد كانت هنالك حملات ناعمة فرنسية سابقة في الجزائر مثلت نقاط استطلاع تمهيدية عسكرية خاصة بالمنطقة، على غرار الشركات النفطية الناشطة في المنطقة والمرتبطة بالفروع الإستخبارية الفرنسية والغربية منها عموما، بالتالي تصبح هنا جغرافيا العلاقات الجزائرية الفرنسية ذات البعد الاقتصادي في الأخير تحت خدمة الجغرافيا العسكرية الفرنسية المستفيدة وعلاقاتها مع النواة المتنفذة في النظام والجيش الجزائري.

بالتالي تراهن اليوم فرنسا على دور جزائري في المنطقة لا يخرج عن العباءة الفرنسية، وهذا حفاظا على خطها الجيوبوليتيكي الأخاذ في التحول من مفهوم الاستعمار المباشر إلى الاستعمار عن بعد، هذا عن طريق إحياء ما يسمى بالأزمات الجغرافية المنسية ( أزمات المكان- الأرض و أزمات الإنسان – العرق ). لتجد الجزائر نفسها وفي ظل حداثة معادلة تيقنتورين أمام واقع تحول منطقة الصحراء  إلى ما يسمى بالمناطق العالقة : ( أي موضوع الحسد و التنافس الغربي الأمبريالي الجديد ).          

 

بوابة إفريقيا الإخبارية: يعني أن هناك مساعي غربية فرنسية لإشراك الجزائر في جبهة مشتركة ضد الجهاديين في منطقة الساحل وفي نيجيريا فما خطورة ذلك على أمن ومستقبل الجزائر ؟

 د.نسيم بلهول:   "لقد كانت المنطقة وأفريقيا جزائرية، عندما كان ضباط المنطقة والقارة يتخرجون من مدارسنا العسكرية.. وعندما أصبحت الأمور خارج عن نطاقنا.. ما تبقى إلا تعزيز جغرافيتنا و الترقب و النظر عن قرب". لكن للجزائر أوراق تؤهلها وضمان تفادي أي تهديد جاد يقوض قوتها على المستوى الإجرائي العملياتي، ويعزز من وضعها كوحدة لها الدور الأساس وعظمتها الإقليمية .. كيف ذلك  ؟؟..

لقد تعلمت الجزائر كثيرا من تجاربها في مكافحة الإرهاب ( ولهذا باتت اليوم غير مستعدة لتحمل أي تكاليف نشاط حربي خارجي، أمام إصرارها للتوجه نحو تعزيز الجهود الإقليمية بين دول الإقليم).

القوات الفرنسية استنجدت بالجزائر في الوقت الضائع، فلقد اتخذت القرار الخطأ في التوقيت الخطر (إذ هنالك ما يعزز من فرضية تحول المنطقة إلى أفغانستان فرنسا)، و هذا ما تدركه الجزائر جيدا، بالتالي إستراتيجية "دعهم يتحركون وأنت في مكانك تحصد" هي أحسن إستراتيجية تتخذها الجزائر تجاه الوضع، كون فرنسا ترتكب حاليا أكبر حماقة في تاريخها الحديث بعد العدوان الثلاثي على مصر لسنة 1956م.

المواجهة في المنطقة ذات طابع حضاري، هذا ما تدركه الجزائر، فلكل قرار أمني وقت ملائم. والعامل الأكثر أهمية في كل قرار أن تحاول أن تجد الوقت الملائم. خطأ أن تتخذ قرارا مبكرا، وخطأ أن تتخذ قرارك بعد فوات الأوان. و الخطأ الأكبر هو ألا تتخذ قرارا أبدا.

بوابة إفريقيا الإخبارية:  المرحلة المقبلة ستكون حساسة في ظل التوتر الأمني.. ما المطلوب من الجزائر برأيكم لتبقي في منأى عن هذا التوتر ؟؟

    د.نسيم بلهول:   يقضي التحدي الأمني الإقليمي أن تضع القوة الجزائرية في حساباتها والتعاطي مع رقع شطرنج تتباين معطياتها على تباين مستويات الرعب فيها، بناء إدراكات عميقة وأهمية البحث عن سبل جديدة للتحكم في المساحات، و هذا نظرا لطبيعة الحروب الجديدة التي أصبحت تهدد فضاءات يفترض أنها مدارة من طرف سلطة الدولة المركزية (حروب الإرهاب و حركات الفوضى) ، التي تؤدي إلى: تآكل السيادة الإقليمية (أي تآكل مستقبل الدولة الحديثة). تآكل الاستقلال الذاتي للدولة (انهيار الدولة). وتآكل القدرة على احتكار وسائل العنف الشرعي المنظم.  

كذا الإهتمام بدراسة منطق وعقلية التهديد عن شروط وسبل الأمن، كون المنطق القبلي (الجزئي) أصبح اليوم مدخلا رئيسيا لرسم المعالم المستقبلية للخارطة الإقليمية والمحلية، أمام عولمة لا تعترف بالحدود الطبيعية ولا القيمية منها.

وتبقى المكيافيلية الغربية هي المتحكمة في ظروف مشاريعها الأمبريالية في المنطقة، هذا عن طريق:

تغيير الخريطة،  تغيير الحدود، تثبيت الرسومات الجغراسية في المنطقة، كنماذج قانونية محددة وموجهة لعلاقات القوى الكبرى، إعادة الاعتبار للخرائط في دراسة أموناتنا القومية، كوسيلة للسيطرة و التحكم و فهم المساحات، تحويل الخطاب السياسي الصريح إلى مجرد حوار غير معنف، مع ضرورة بناء هوية إستراتيجية عسكرية سياسية خاصة بالمنطقة، و هذا لاعتبارات عدة أهمها:

وقصد وقاية كيان الدولة من الاعتداءات وتقليص حجم التهديدات يجب تأمين الحدود السياسية والجغرافية لشخصية الدولة، وقاية شعوب المنطقة من المصائر المستقبلية ومن الحروب التي تفرض عليها، وتخفيف حدتها إذا وقعت، رسم خطط مستقبلية جديدة في إطار إحياء الخطاب الجيوسياسي الأمني منه المستقبلي، فهم حركة القوة من خلال الجغرافيا كفيل بأن يفسر لنا أن: توسيع القوة إلى ما وراء الشعب أو الأمة المقيمة في مساحة جغرافية أرضوية معينة، تحت أي مبرر، يقود إلى بناء الإمبراطوريات ، وهو ما ينطبق على كل من الولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا.

وبالتالي بات من الضروري على القوات المسلحة الجزائرية أن تعتمد على أربعة مبادئ تقليدية لتحقيق الهيمنة السريعة على التهديدات وعلى أرضوية التوتر مصدر الإستنفار والقلق الإستراتيجي:

1-    “السرعة”: وهذا من حيث توفير سلسلة من الردود شبه الفورية لصانع القرار العسكري الجزائري، و التي تجعل من الممكن استخدام وحدات سريعة أو غير سريعة، إضافة إلى أفعال ذات مغزى بهدف التأثير في التهديد و إدراكه.

   2- “المصداقية”: ينبغي أن تكون هذه الردود فورية وقابلة للإستخدام، بغض النظر عما إذا كانت للقوات المسلحة الجزائرية وحدات متمركزة في المنطقة المعنية (التي وقعت فيها الأزمة أو كانت موضوعا لتهديد ما).

     3- “عدم سرية التهديدبات لدى القوات المسلحة الجزائرية من الضروري أولا أن تعترف بإمكانية شن تهديدات ضد الأمن القومي الجزائري، و بالتالي بات لا حاجة للمنظومة العسكرية إلى أن تبقي هذا الأمر سرا. بالتالي أصبح من الممكن لدى المؤسسة العسكرية تطوير آليات الإنذار المبكر التقليدية (كسب دعم التضاريس البشرية). كون الإعتماد على المعلومات الإتصالية قد يعرض نظم الأمن القومية لحرب معلوماتية. بالتالي الإعتماد على تكنلوجيا المعلومات قد يدخل تهديدا جديدا إلى دائرة التهديدات التي تمس بالأمن القومي الجزائري.

    4- “زيادة الأمنكما وبات لدى القوات المسلحة الجزائرية لمن الضروري الإهتمام بحماية المعلومات (مع إبقاء الطابع التقليدي لعملية الحفظ تفاديا لعمليات الإختراق و التشويش) عن طريق حفظ الرموزEncryption و استخدام التشفير، لأن ذلك سيكون حديا بالنسبة لنقل المعلومات.

بوابة إفريقيا الإخبارية:  الجزائر أخذت على عاتقها الكثير من مبادرات الوساطة في منطقة الساحل كيف تقيمون هذه المبادرات ؟؟

د.نسيم بلهول:   لا رد على هذا السؤال كون المعطيات الميدانية توحي بتلاشي هذا الدور في ظل الحضور الميداني الفرنسي

في موضوع أخر....

بوابة إفريقيا الإخبارية: لا تزال أزمة الدبلوماسيين الجزائريين المختطفين في غاو قائمة كيف تقيمون تعامل الخارجية الجزائرية مع هذا الملف ؟؟

د.نسيم بلهول: هذا الملف هو الآن على مستوى المفاوضين العسكريين، في إدراك إدراكات صانع القرار الأمني الجزائري أن العملية تأتي كإجراء انتقامي  "فرانكوإرهابي " جراء وقوف الجزائر ضد موضوع تسليم الفدية