يتهم العالم قطر بتمويلها الجماعات الإسلامية المتطرفة التي نشأت على هامش الربيع العربي، وصارت تتحكم بالميدان العسكري، على الرغم من أن لا دليل على تمويل الدوحة لداعش بشكل مباشر. أرسلت قطر طائرات شحن محملة بالسلاح إلى تحالف "فجر الاسلام"، الذي يضم مجموعة من الميليشيات الاسلامية في ليبيا. ورصدت الأجهزة الغربية هذه الطائرات تهبط في مصراتة، معقل الميليشيات الاسلامية على بعد نحو 160 كلم شرقي طرابلس. ونقلت صحيفة ديلي تلغراف عن مسؤول غربي رفيع قوله إن قطر ما زالت تنقل السلاح جوًا في رحلات مباشرة إلى مطار مصراتة.

جملة مفارقات

ولاحظ معلقون بريطانيون ما أسموه المفارقة المتمثلة في أن قطر، التي تبتاع عقارات في لندن وتملك استثمارات بينها مخازن هارودز، نفسها تعمل ضد المصالح البريطانية وتسلح جماعات اسلامية حاولت اغتيال السفير البريطاني في ليبيا. وأضافوا: "الدولة التي تملك أغلى عمارة سكنية في منطقة هايد بارك وسط لندن، وتملك شارد، أعلى بناية في العاصمة البريطانية، تعمل مع جماعات تنظر إلى هذه المعالم على انها رموز لانحطاط المجتمع الغربي يتعين تدميرها".  واشار المراقبون إلى أن دعم قطر للجماعات المتطرفة استفز جيرانها، حتى قرروا سحب سفرائهم من الدوحة في آذار (مارس) الماضي. وفي سوريا، فإن جماعة أحرار الشام التي امتدحها وزير الخارجية القطري خالد العطية بوصفها جماعة سورية خالصة، ومدتها الدوحة بالسلاح والمال، قاتلت إلى جانب جبهة النصرة التي ترتبط بتنظيم القاعدة في معركة حلب، وهي جماعة متهمة بارتكاب مجزرة واحدة على الأقل بدوافع طائفية. وبدلا من القتال ضد تنظيم الدولة الاسلامية، فإن جماعة احرار الشام ساعدت الجهاديين بالمال والسلاح القطريين لاجتياح مدينة الرقة، التي اصبحت لاحقًا عاصمة دولة الخلافة. واستمر هذا الدعم إلى أن اختصمت الجماعتان خلال العام الماضي.

التمويل مستمر

في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، اعلنت وزارة الخزانة الاميركية الأكاديمي ورجل الأعمال القطري عبد الرحمن النعيمي "ارهابيًا عالميًا"، متهمة اياه بتحويل نحو 600 الف دولار إلى أبو خالد السوري، ممثل تنظيم القاعدة في سوريا. وكان السوري قائدًا عسكريًا كبيرًا في أحرار الشام أيضًا. واتهمت الولايات المتحدة في وقت سابق النعيمي بتحويل نحو مليوني دولار شهريًا إلى تنظيم القاعدة في العراق، و250 الف دولار إلى حركة الشباب الصومالية المرتبطة بتنظيم القاعدة. ويتساءل المراقبون لماذا لم تحرك قطر ساكنًا ضد النعيمي. وفي هذا الشأن، قال عضو مجلس العموم البريطاني عن حزب المحافظين ستيفن باركلي: "إن ما يدعو إلى قلق بالغ هو أن هؤلاء الأفراد الذين تتوافر ضدهم أدلة كافية لتبرير شمولهم بالعقوبات الاميركية، ما زالوا يمارسون تعاملاتهم التجارية بحرية".

لا دليل قاطع

وقال دبلوماسي من احدى دول الشرق الأوسط إن جبهة النصرة كانت احدى الجماعات التي استفادت من المساعدات القطرية لفترة من الوقت في العام الماضي. ونقلت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية عن الدبلوماسي قوله إن القطريين يتحملون قسطًا من المسؤولية عما تملكه جبهة النصرة من مال وأسلحة وكل شيء تحتاجه. وأضاف: "ليس هناك دليل على وصول هذا الكرم القطري إلى تنظيم الدولة الاسلامية مباشرة، لكن هذا يمكن أن يحدث بصورة غير مباشرة، وأنا لا اعتقد أن لديهم نية في دعم داعش ولكن الحقيقة انهم يدعمون جبهة النصرة، وبعض الأفراد انتقلوا من النصرة إلى داعش، آخذين معهم اسلحتهم". وبحسب صحيفة ديلي تلغراف، فإن طريقة قطر في إيصال الدعم إلى الجماعات التي تختار مساعدتها هي تحويل مبالغ كبيرة إلى وسطاء في تركيا، يستخدمون هذا المال لشراء اسلحة من بلدان ثالثة وخاصة كرواتيا، وتدبير عملية ايصالها إلى هذه الجماعات في سوريا. ويتساءل خبراء عما تمارسه قطر من سيطرة على هذه العملية أم أن الوسطاء يعملون من أجل مآربهم الخاصة ويستقطعون كثيرا من المال لوضعه في جيوبهم الخاصة. وقال نائب مدير مكتب المعهد الملكي للخدمات الموحدة في قطر مايكل ستيفنز: "إن قطر تتعامل بالسلاح والامدادات إلى سوريا، لكنها في الحقيقة لم تمارس قط سيطرة كاملة على طبيعة النزاع".

المفتاح في قطر

لكن آخرين يرون أن قطر تعرف تمامًا ما تفعله، ومنهم وزير التنمية الدولية الالماني غيرد مولر الذي اتهم الدوحة بالوقوف وراء صعود داعش حين اعلن: "لا بد من السؤال عمن يسلح داعش ويمولها، والكلمة المفتاحية هناك هي قطر". وسرعان ما تحركت قطر بما تملكه من نفط وغاز وصناديق استثمار سيادية تتيح لها أن تمارس نفوذًا واسعًا حتى على برلين، حيث تمكنت من حمل الحكومة الالمانية على سحب هذه التهمة. لكن قطر، والحق يقال، لم تتجاهل مخاوف الغرب تمامًا بشأن دعمها جماعات اسلامية متطرفة. فهي عندما نقلت اسلحة فائضة من ليبيا إلى جماعات مسلحة في سوريا حجب المسؤولون القطريون عنها صواريخ ارض ـ جو استجابة لمطالبة الولايات المتحدة بمنع امداد هذا الصنف من الأسلحة تحديدًا، كما أشارت صحيفة ديلي تلغراف.

 

ايلاف