في واقع ميزه الانفلات الأمني وغياب سلطة الدولة المركزية، عاشت ليبيا منذ العام 2011، وضعا صعبا على جميع الأصعدة سياسيا وعسكريا واقتصاديا. وأضحت مشاهد العنف سمة بارزة في البلاد، فمن التناحر بين المليشيات المسلحة، إلى جرائم تنظيم داعش، وغيره من التنظيمات الارهابية التي استوطنت البلاد، وصولا الى التدخلات الخارجية وعلى رأسها الغزو التركي، الذي زاد في تأزيم الأوضاع في بلد عمر المختار.
في مارس 2011، تدخلت قوات الناتو مدعومة من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لإسقاط نظام العقيد الراحل معمر القذافي واغتيال الاستقرار والأمن في هذا البلد العربي الغني بموارد الطاقة النفط والغاز. وعقب رحيل القذافي، تخلى الغرب عن ليبيا تاركاً فراغاً أمنياً، سمح بانتشار الجماعات المتطرفة التي تمكنت من السطو على مخازن السلاح التابعة للجيش الليبي، كما سيطرت على مدن بأكملها وفرضت على السكان قوانينها ورؤيتها المتطرفة، ووضع الليبيين أمام تحديات الانقسام وتصاعد النعرات الطائفية والقبلية، حتى أصبحت ليبيا تمثل تهديداً على المنطقة وأوروبا والمجتمع الدولي.
وأمام هذا الوضع الفوضوي وجدت تركيا الفرصة سانحة للتوغل في ليبيا، حيث أوجدت لنفسها مساحة نفوذ على الجانب الغربي من الأراضي الليبية. ومن ثم، دعمت هذه المساحة مبكراً بفتح خط ساخن مع تنظيم الإخوان المسلمين، وعناصر الجماعة الليبية المقاتلة، فآوت أمراء الحرب الفارين من المعارك، وعالجتهم في مشافيها، وجعلت من أراضيها نقطة انطلاق لفضائيات التكفير والتحريض.
وسارعت أنقرة الى دعم الميليشيات والجماعات الإرهابية وهو ما أكدته وقائع وأدلة خلال السنوات التي أعقبت اندلاع الأزمة. ففي سبتمبر 2015، أعلنت السلطات اليونانية، ضبط سفينة تحمل كمية كبيرة من الأسلحة كانت في طريقها من تركيا إلى ليبيا. وقالت الشرطة اليونانية: إن "السفينة حداد واحد -التي ترفع علم بوليفيا وطاقمها سبعة سوريين ومصريين – أبحرت من ميناء تركي في اتجاه ليبيا" ، مشيرة إلى أنها"ضبطت قبالة يرابيترا لأنها لا تملك وثائق قانونية حول حمولتها.
ووفقًا لتقريرٍ أعدته الصحافة اللبنانية، في ديسمبر 2014، اعترضت السلطات الليبية باخرةً كورية كانت في طريقها إلى مدينة مصراتة الساحلية المحاصرة، وذكر التقرير أنها كانت منطلقةً من تركيا. وكانت السفينة محملةً بحاويات الأسلحة والذخائر التي يُقال إنها كانت موجهةً للميليشيات الإسلامية. ويبدو أن تركيا توفر ملجأً لجهاديي ليبيا، ففي يناير2015، أكّدت أنصار الشريعة، التابعة لتنظيم "القاعدة"، مصرع قائدها، محمد الزهاوي، بمستشفى تركية، حيث كان يتلقى علاجًا لإصابة لحقت به في معارك بنغازي، وأرسلت تركيا جسده ليدفن في مصراتة.
وفي فبراير 2015، اتهم عبد الله الثني، رئيس الوزراء الليبي، تركيا بإرسال أسلحة للميلشيات وعناصرها من الإسلاميين الذين استولوا على العاصمة الليبية، طرابلس، في 2014. وقال في تصريحات للتليفزيون المصري:" إن تركيا بلدٌ لا يتعامل بصدقٍ معنا، إنها تصدر أسلحة لنا يقتل بها الليبيون بعضهم البعض، وهي لم تحاول إخفاء دعمها لإسلاميي البلاد بعد سقوط القذافي في 2011، وتتواصل علنًا مع الحكومة الإسلامية التي أعلنت عن نفسها في طرابلس".
وفي مارس 2017، قال العقيد أحمد المسمارى، الناطق باسم الجيش الوطنى الليبى، خلال مؤتمر صحفى له ببنغازى، أن قوات الجيش الوطنى وجدت عملات تركية بكميات كبيرة لدى العناصر الإرهابية بعد القضاء عليهم بحى العمارات الـ12، لافتا إلى أن هذا يؤكد أن تركيا هى الراعى الرسمى للإرهاب فى ليبيا، كما وجدت القوات عملات هولندية وباكستانية وقبرصية ونيجيرية، وهذا يشير إلى مشاركة جماعة بوكو حرام فى المعارك ضد القوات الوطنية الليبية ببنغازى.
ورغم إصدار مجلس الأمن الدولي قراره رقم 1970، في مارس/آذار 2011، بحظر بيع أو توريد الأسلحة إلى ليبيا، إلا أن تدفق الأسلحة المتجهة للجماعات المسلحة، تواصل من دول داعمة لهذه الجماعات وعلى رأسها تركيا، التي ترتبط بعلاقات إيديولوجية مع هذه الجماعات بمباركة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي يمثل ذراع تركيا لنهب ثروات البلاد.
وفى أول تحرك حقيقى لسد الفراغ الأمنى وإنهاء حالة عدم الاستقرار فى ليبيا أطلق المشير خليفة حفتر، في العام 2014 عملية الكرامة لمحاربة الإرهابيين والمتطرفين فى ليبيا عقب الاغتيالات والتصفيات التى طالت عدد كبير من أبناء المؤسسة العسكرية. وهو ما كانت ترفضه تركيا التي تدعم تواجد الميليشيات المسلحة فى البلاد على بناء جيش وطنى قوى. ومثل سقوط معاقل التنظيمات الارهابية والمليشيات الاخوانية في شرق وجنوب البلاد صفعة قوية للنظام التركي.
ومع انطلاق عملية تحرير العاصمة الليبية طرابلس من سطوة المليشيات المسلحة التي تجثم على صدر المدينة منذ سنوات، تحركت تركيا في محاولة لمنع سقوط المليشيات الموالية لها، وأمام الضربات المتتالية للجيش الليبي وتقدمه المستمر، بدأ التدخل التركي يزداد ويصبح أكثر علانية في موقف عكس بوضوح نوايا أنقرة لاطالة أمد الصراع.
وسرعت تركيا من عمليات ارسال الاسلحة ففي 18 مايو/أيار 2019، أعلنت عملية "بركان الغضب" التابعة لقوات الوفاق، وصول إمدادات جديدة لقواتها متمثلة في مدرعات وذخائر وأسلحة نوعية، دون أن تلتفت إلى ما يمثله وصول هذه الأسلحة من خرق للحظر الدولي على توريد السلاح إلى ليبيا الذي يفرضه مجلس الأمن.
ونشر المكتب الاعلامي لعملية "بركان الغضب"، صورا لعشرات المدرعات على أحد أرصفة مرفأ طرابلس. وأظهرت صور وتسجيلات مصورة نشرها المكتب الاعلامي وصول عشرات المركبات المدرعة من طراز (بي. إم. سي كيربي) تركية الصنع إلى ميناء طرابلس. وتم التداول على مواقع التواصل الاجتماعي صور تظهر فيها آليات عسكرية لدى إنزالها من سفينة شحن تحمل اسم "أمازون".
كما تحولت الأراضي الليبية الى مسرح لتجريب تركيا لطائراتها المسيرة على غرار طائرات مقاتلة جديدة من نوع "بيرقدار تي بي 2". وتفاخر رئيس المجلس الأعلى للدولة والقيادي في جماعة "الاخوان" خالد المشري، في تصريح لصحيفة الإندبندنت البريطانية، بأن "حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة حصلت على طائرات بدون طيار وعدلتها لمواجهة التأثير المدمر لطائرات السيد حفتر الحربية والمراقبة الجوية". دون أن يشير الى أن هذه الطائرات تسفك دماء الليبيين.
ودفعت تركيا بعناصرها لقيادة المعارك في طرابلس، ففي أبريل 2019، تمكنت قوات الجيش الوطني الليبي من القاء القبض على مقاتلين تركيَين اثنين يقاتلان في صفوف الميليشيات في معارك طرابلس. ونشرت "بوابة إفريقيا الإخبارية" جوازات سفر كانت بحوزتهم أثناء إلقاء القبض عليهم. ومطلع يونيو 2019، نشرت "شعبة الإعلام الحربي" التابعة للجيش الوطني الليبي، على حسابها في موقع "فيسبوك"، شريطًا مصورًا يظهر ضابطًا تركيًّا يدرب المسلحين على قيادة مدرعات تركية مشيرة إلى أنّ الفيديو عثر عليه في هاتف أحد المقبوض عليهم.
وبالرغم من هذا الدعم الكبير الا أن قوات الجيش الوطني الليبي نجحت في التقدم بشكل كبير في العاصمة مع تراجع قوات الوفاق وهو ما اثار مخاوف أردوغان الذي سارع الى توقيع مذكرتي تفاهم مع حكومة السراج لشرعنة تدخله المباشر في المعارك. وتصاعدت وتيرة التهديدات من المسؤولين الأتراك خاصة بعد طلب حكومة الوفاق التدخل التركي أمام عجزها ميدانيا أمام تقدم الجيش الليبي.
وبالرغم من مصادقة البرلمان التركي، الذي يسيطر عليه حزب أردوغان، في يناير 2020، على ارسال قوات تركية الى ليبيا، فان الرئيس التركي اتجه للتعويل على المرتزقة لاغراق ليبيا في الفوضى ونشر العنف. وتصاعد الحديث عن عمليات نقل لمقاتلين موالين لأنقرة من سوريا الى ليبيا لدعم حكومة السراج في مواجهة الجيش الوطني الليبي.
وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض، أن الفصائل السورية الموالية لتركيا، افتتحت مراكز لتسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا. وتتالت عقب ذلك احصائيات المرصد حول أعداد المرتزقة الذين وصلوا الى ليبيا ليصل العدد الى حوالي 15 ألف مرتزق وسط تأكيدات على وجود عدد كبير من العناصر الارهابية من تنظيمي "داعش" والقاعدة ضمن مرتزقة أردوغان في ليبيا.
وقام مرتزقة "أردوغان" بتنفيذ عددِ من الأعمال الإرهابية في ليبيا، من بينها تنفيذ إعدامات ميدانية بحق الأسرى الذين وقعوا في قبضتهم خلال تلك المعارك، وانتهاكات أخرى بحق المدنيين الليبيين. وأكد المرصد السوري لحقوق الانسان أن مرتزقة أردوغان قاموا بتنفيذ عمليات إعدام ميدانية بحق الأسرى الذين سقطوا في قبضتها خلال المعارك التي جرت قرب العاصمة الليبية. وبدوره أكد معهد دراسات الأوسط -مؤسسة بحثية أمريكية مقرها الرئيسي بنيويورك- في تقرير له أن المدنيين في ليبيا هم الضحايا الوحيدون لقصف الطائرات بدون طيار، التي تسيرها تركيا لدعم حكومة الوفاق.
وأمام هذه الانتهاكات والفضائع الخطيرة التي تهدد حياة المواطن الليبي، دعت "المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا"، الإثنين 13 يناير 2020، إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق، للتحقيق بشأن ما يرتكبه مرتزقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من جرائم دموية وفظائع على الأراضي الليبية. وقالت المنظمة إن مواصلة نظام رجب طيب أردوغان عملياته "القذرة" في المنطقة العربية، عبر تجنيد مرتزقة من الجماعات المسلحة في سوريا، وإرسالهم لليبيا انتهاك واضح لقرار مجلس الأمن الدولي.
وبدا واضحا ان حكومة الوفاق استقوت بالتدخل التركي الذي تجاوز حدودج ارسال السلاح والمرتزقة والارهابيين ليتحول لغزو مباشر حيث أصبحت أنقرة القائد الفعلي للعمليات العسكرية في ليبيا. وتزايد تعنت الوفاق ومليشياتها بعد سقوط قاعدة عقبة بن نافع "الوطية" في أعقاب استهدافها بهجمات مكثفة من البارجات التركية والطيران التركي المسير ما دفع الجيش الليبي للانسحاب منها.
سقوط "الوطية" ومن قبله عدد من مدن الغرب الليبي صبراتة وصرمان والعجيلات كان نتاج الغزو التركي الذي بات واضحا وعلنيا بشكل كبير. عقب ذلك سيطر مرتزقة أردوغان على مدينة ترهونة التي تعتبر أكبر معاقل الجيش الليبي غرب ليبيا، وكانت تمثل المنفذ الرئيسي للدخول إلى العاصمة طرابلس وتمر عبرها إمدادات الجيش وإلى محاور عين زارة والرملة وصلاح الدين.
ومنذ سيطرة الميليشيات على المدينة انتشرت مقاطع فيديو على الإنترنت تظهر أعمال نهب للمحال، وإضرام نار في منازل عائلات على صلة بقوات الجيش الوطني وداعميها المحليين. وبالرغم من محاولة حكومة الوفاق اتهام الجيش الليبي بالمسؤولية عن مقابر جماعية في ترهونة فقد كشف قيام مليشيات تابعة لحكومة السراج، بتصفية أسير من قوات الجيش الوطني، ودفنه في ترهونة كذب هذه الاتهامات.
ولم تكن جرائم المليشيات والمرتزقة الأولي في ترهونة فقد شهدت أغلب مدن الغرب الليبي التي كانت تحت سيطرة الجيش الليبي عمليات انتقامية وقتل وتدمير على غرار الأصابعة وصبراتة وصرمان والعجيلات. ولم يجد مسؤولو حكومة الوفاق من تبريرات لأفعال المليشيات سوى الوعود المتكررة بتحقيق لن يتم أو بمنع هذه الجرائم والانتهاكات في المرة القادمة وهو ايضا شيئ لم ولن يتم في ظل عجز حكومة السراج أمام سطوة المليشيات.
انتهاكات المليشيات المسلحة طالت ايضا الجاليات الموجودة في ليبيا، حيث أظهر مقطع فيديو على مواقع التواصل، اعتقال عشرات المصريين في مدينة ترهونة، بتهمة العمل في صفوف الجيش الليبي. وتعاملت المليشيات مع المعتقلين بطريقة مهينة، إذْ أجبرتهم على الوقوف في الشمس حفاة على قدم واحدة، ورفع أيديهم، والهتاف باسم مصراتة، كما ظهر في الفيديو.
وأمام تفاقم الأوضاع في ليبيا، طرحت مصر، في يونيو الماضي، مبادرة تضمن العودة للحلول السلمية في البلاد، ولاقت تأييدا دوليا وعربيا واسعا. وتضمنت المبادرة المصرية التي أطلق عليها "إعلان القاهرة" التأكيد على وحدة وسلامة الأراضي الليبية واستقلالها، واحترام كافة الجهود والمبادرات الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، والعمل على استعادة الدولة الليبية لمؤسساتها الوطنية مع تحديد آلية وطنية ليبية ليبية ملائمة لإحياء المسار السياسي برعاية الأمم المتحدة.
إلا أن الرئيس التركي أعلن رفضه للمبادرة واصراره على مواصلة القتال وأقر بصورة واضحة أن غايته السيطرة على الحقول النفطية حيث قال أن مساعي السيطرة على سرت مستمرة، مضيفا أن مدينة سرت ومحيطها مهمة لوجود آبار النفط، وهو ما أكد حجم الأطماع التي يحملها الرئيس التركي والتي لا ضير عنده في ازهاق المزيد من الأرواح في سبيل نيلها.
وكان الجيش الوطني الليبي سيطر على مدينة سرت في يناير الماضي، في عملية عسكرية سريعة استمرت لمدة 3 ساعات فقط. وقال حينها المتحدث باسم القوات المسلحة الليبية اللواء أحمد المسماري، أن عملية تحرير سرت اعتمدت على عنصري السرية والمفاجأة موضحا أن المدينة أصبحت بؤرة للإرهابيين للهجوم على الموانئ النفطية لذلك كان لابد من تحريرها.
وتعتبر سرت ذات أهمية كبرى بسبب موقع المدينة الاستراتيجي، حيث تقع بين طبرق شرقا وطرابلس غربا، وتعتبر مفتاح السيطرة على ليبيا بكاملها، لكونها نقطة التقاء كافة ربوع المناطق اللبيبة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وقربها من موانئ وآبار النفط الرئيسية الثلاثة البريقة ورأس لانوف والسدرة، فضلا عن أنها تقع في إحدى المناطق الغنية بالنفط بين حقول سرت ومرادة وزلة.
وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين، في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية أن التوصل لوقف دائم لإطلاق النار في ليبيا يتطلب انسحاب قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر من مدينة سرت الاستراتيجية. وسرعت تركيا من عملياتها العسكرية لاستهداف مدينة سرت الليبية، وشنت القوات الموالية لحكومة الوفاق بدعم من آلاف المرتزقة والارهابيين الموالين لتركيا هجوما على المدينة، عشية اعلان مبادرة القاهرة.
وقالت إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الليبي إن تركيا مازالت تشعر إنها لم تنتصر لا سياسيا ولا اقتصاديا ولا عسكريا، رغم ما تزعم أنها حققته عبر إسنادها لقوات الوفاق في المعارك الأخيرة. وأكدت الوحدة في تدوينة لها أن تركيا جاءت إلى ليبيا من أجل النفط الذي سهله لها فائز السراج من خلال الاتفاقية المبرمة معه، لكن المواقع الاستراتيجية لا تزال تحت حماية "رجال القوات المسلحة ونحن أدركنا أين تكمن أطماع تركيا فكان لابد من تغيير استراتيجيتنا العسكرية لهزيمتها".
وأمام تعنت حكومة الوفاق وحليفها التركي، أعلنت القاهرة عن إمكانية تغيير استراتيجيها في التعامل مع الأزمة الليبية، وهو ما كشف عنه رد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي جاء هذه المرة أكثر صرامة، ليؤكد "جاهزية القوات المصرية للقتال"، في رسالة تحذير صريحة للقوى الخارجية التي تسعى للعبث بأمن ليبيا ودول جوارها.
وخلال تفقده عناصر المنطقة الغربية العسكرية المحاذية للحدود الليبية، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إن "أي تدخل مباشر من مصر باتت تتوفر له الشرعية الدولية، سواء في إطار میثاق الأمم المتحدة (حق الدفاع عن النفس)، أو بناء على السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة من الشعب الليبي وهي مجلس النواب.
وأكد الرئيس المصري، إن تجاوز مدينة سرت وقاعدة الجفرة الجوية الليبية تعتبر بمثابة "خط أحمر" لبلاده "وأمنها القومي". وأضاف أن "أي تدخل مباشر في ليبيا سيهدف لتأمين الحدود ووقف إطلاق النار ووضع حد للتدخلات الأجنبية في ليبيا"، مشددا في الوقت نفسه على حرص مصر على التوصل إلى "تسوية شاملة" في ليبيا.
وقال مدير التوجيه المعنوي الأسبق بالجيش المصري اللواء سمير فرج، أن الرئيس المصري أشار وبوضوح إلى أن القوات التركية لو تقدمت "بالمرتزقة التي يبلغ عددهم 15 ألف إلى سرت أو منطقة الجفرة في محاولة للاستيلاء على حقول النفط فهو لن يسمح به وسوف نتدخل فورا عسكريا بناء على طلب من البرلمان الليبي المنتخب ولن نسمح بتجاوز خط سرت". – الجفرة
وتوقع فرج، بحسب ما نقلت "روسيا اليوم"، أن تتدخل أطراف دولية فاعله مثل روسيا وفرنسا لإيقاف أردوغان عند حده، مشيرا إلى أن أردوغان عليه أن يعي تلك الرسائل جيدا. وأشار فرج إلى أن "مصر سوف تقوم بتدريب وتأهيل كوادر ليبية عسكريا، لكن الأمر واضح تماما وهو أن تجاوز أردوغان لخط سرت معناه تدخل عسكري مصري على الفور بدعم من الشعب والبرلمان الليبي".
ومع استمرار تحركاتها العسكرية المشبوهة لدعم حكومة الوفاق في طرابلس، بدأت تركيا مساعيها لجني ثمار هذا الدعم والعمل على نهب الثروات الليبية تحت غطاء حكومة السراج. وأعلنت شركة تركية تشغل أسطولا من محطات توليد الكهرباء العائمة، أنها ستبدأ إمداد غرب ليبيا بالطاقة. وتتخصص الشركة التركية في إنتاج وبيع الكهرباء من سفن راسية قبالة الساحل.
وقالت زينب حرزي رئيسة القطاع التجاري في شركة كاراداينيز القابضة لوكالة "رويترز" إن الشركة تعتزم إرسال فريقها إلى ليبيا خلال أسابيع وقد تبدأ إمداد غرب ليبيا بالكهرباء في غضون 30 يوما. وأضافت حرزي أن الشركة، التي تشغل 25 محطة عائمة وتنتج في المجمل 4100 ميجاوات، "قد تورد الكهرباء عن طريق ميناءي غرب طرابلس (الخمس ومصراتة)".
ومطلع هذا الشهر، ذكر تقرير لوكالة رويترز للأنباء أن تركيا تستعد لجني الثمار الاقتصادية لتدخلها العسكري في ليبيا. ونقلت عن شخصين "مطلعين" وقتها أن وفد أعمال تركيا يعتزم زيارة ليبيا؛ لتقييم كيف يمكن للشركات والبنوك التركية المساعدة في "إعادة إعمار" البلد الذي مزقته الحرب، وتأمين احتياجاته من الطاقة.
وكانت تركيا وقعت اتفاقا مثيرا للجدل نهاية شهر نوفمبر الماضي مع حكومة الوفاق لترسيم الحدود البحرية، يسمح لأنقرة بالاستحواذ على مناطق بحرية والاستفادة من موارد الطاقة، وتتمحور مذكرتي التفاهم الأمني والبحري بين حكومة غير الشرعية، برئاسة فائز السراج، والنظام التركي بقيادة رجب طيب أردوغان، حول السيطرة على الموارد الليبية، وبالتحديد النفط، خصوصا أن أنقرة تشهد حالة من الضعف الاقتصادي، لاسيما بعد العقوبات الأمريكية، فتحاول تعويض خسائرها من البوابة الليبية.
ويشير مراقبون الى أن هدف النظام التركي الاساسي هو الاستيلاء على الموانئ النفطية التي يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي. ونقلت "العربية نت" عن الخبير الاقتصادي في مجال النفط والغاز رمزي الجدي، قوله أنّ السيطرة على الموانئ البحرية بليبيا هو أحد الأبواب الذي يمكّن أنقرة من أن تكون مركز تجميع الغاز بالمتوسط ونقله إلى أوروبا ويحولها إلى مصدر للطاقة، حيث تتركز أهمّ الموانئ النفطية شرق البلاد، بينما يمثل ميناء مصراتة البحري أهم ميناء تجاري ليبي من وإلى إفريقيا والشريان الحيوي للتبادل التجاري في ليبيا.
وتسيطر قوات الجيش الليبي على أهمّ الموانئ التي يصدّر عبرها النفط إلى الخارج وهي موانئ السدرة وراس لانوف والزويتينة والبريقة والحريقة، ويبلغ إجمالي صادراتها 780 ألف برميل يوميا، وهو ما دفع أنقرة لمواصلة التحشيد ورفض الدعوات لاطلاق النار بهدف السيطرة على هذه الموانئ في اطار مخططات النظام التركي لنهب الثروات الليبية.
وبالرغم من الدعوات الدولية للتهدئة لانهاء التدخلات الخارجية في ليبيا، يصر النظام التركي على الاستمرار في عدوانه وتحديه للمجتمع الدولي. وقال متحدث الرئاسة التركية إبراهيم قالن، إن التدخل التركي في ليبيا غير مجريات الأحداث والاشتباكات، مشيرا إلى أن بلاده ستواصل دعم حكومة الوفاق بموجب اتفاق التعاون العسكري. ولفت إلى أن حكومة فايز السراج لها حق الدفاع الشرعي عن النفس ضد هجمات الجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر، مشيرا إلى أن التعاون التركي مع حكومة السراج يستمر في هذا الإطار. على حد زعمه.
ويشير المتابعون للشأن الليبي، أن النظام التركي وحلفائه من جماعة "الاخوان" سيفعلون كل شيء؛ من أجل السيطرة على ليبيا، معولين في ذلك على مزيد من الفتن واشعال الحروب في البلاد وتأجيج الصراعات. ويسعى هذا التحالف التركي-الاخواني للسيطرة على الحكم وتنفيذ مشروعه لنهب ثروات البلاد وتمرير أجندات تركيا المشبوهة في المنطقة.
ولا شك أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد أسقط عن وجهه كل الأقنعة الزائفة والنوايا الخبيثة التي يستهدف بها عدة دول عربية وأظهر بوضوح مخططاته وأطماعه فى سوريا وليبيا حين قال فى خطاب له في أكتوبر 2019، أمام منتدى "تى أر تى وورلد" والذى عقد فى إسطنبول:"الأتراك يتواجدون فى ليبيا وسوريا، من أجل حقهم، وحق إخوانهم فى المستقبل". . ثم أردف قائلا:"الأتراك اليوم يتواجدون فى جغرافيتهم احتراما لإرث الأجداد، فهم من نسل يونس أمره" فى إشارة إلى القاضى العثمانى الشهير.
وتتكشف يوما بعد يوم مخططات أردوغان في ليبيا والتي لم تعد خافية على الليبيين حيث تظاهر المئات من أبناء الشعب الليبي، في مدينة بنغازي لدعم الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، والتأكيد على رفض المخططات التركية. وشهدت ساحة الكيش بمدينة بنغازي، الأحد، مظاهرات احتجاج ضد التدخل التركي في ليبيا. وحمل المتظاهرون لافتات مؤيدة لقوات القيادة العامة، ومنددة بتدخل تركيا عسكريًّا في الشأن الليبي.
وقال مشاركون في المظاهرة، إن المتظاهرين قدموا إلى بنغازي من عدة مناطق. وأطلق المتظاهرون هتافات رافضة لما وصفوه بـ"الاحتلال العثماني لليبيا"، منددين بحكومة الوفاق، ورئيسها فائز السراج، كما هتفوا ضد الرئيس التركي رجب إردوغان، فيما ترددت في الساحة أغانٍ مؤيدة للجيش وللمشير خليفة حفتر.