تعاني ليبيا منذ سنوات، فراغا كبيرًا في مؤسسات الدولة الباحثة عن لملمة جراحها وارساء الأمن والاستقرار وبسط سلطة القانون فى البلاد وذلك فى ظل إنتشار ميليشيات مسلحة تفرض سيطرتها فى الغرب ولاسيما فى العاصمة طرابلس، علاوة على خطر التهديدات الإرهابية التي تمثل مصدر قلق يتجاوز ليبيا نحو دول المنطقة والعالم.
آخر الفصول في هذا السياق بدأت مع الرابع من شهر أبريل/نيسان الماضي، حين أطلق الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر عملية عسكرية بهدف تحرير العاصمة طرابلس من سطوة المليشيات المسلحة واعادة الاستقرار الى البلاد. لكن تيار الاسلام السياسي سرعان ما حشد مليشياته وتحالف مع العناصر الارهابية والمطلوبين للوقوف ضد الجيش وذلك بدعم من أطراف خارجية تسعى لابقاء نفوذ المليشيات الموالية لها.
ويعتبر الدعم التركي للمليشيات المسلحة والعناصر الارهابية الأكثر حضورا على الساحة الليبية،حيث وصلت في الأسابيع الأولى للحرب، سفينة قادمة من ميناء "سامسون" التركي، محمّلة بأسلحة وذخائر متنوعة وآليات عسكرية إلى ميناء العاصمة طرابلس، حسبما وثقته صور ومقاطع فيديو التقطت على متنها، أظهرت كذلك لحظة تسلّم الشحنة من طرف كتيبة "لواء الصمود" التي يقودها المعاقب دوليّا صلاح بادي، وذلك استعدادا لعملية موسعة تستعدّ قوات حكومة الوفاق لها، للهجوم على الجيش الليبي ومنعه من تحرير العاصمة من الإرهاب.
وتضمّنت هذه الشحنة من العتاد الحربي، مدرعات من نوع “بي.أم.سي كيربي” التركية الصنع، وكمية من الصواريخ المضادة للدبابات، بالإضافة إلى بنادق قنص ورشاشات هجومية، وكميات من الذخائر والمتفجرات وقطع الغيار، وذلك في خرق صارخ لقرار مجلس الأمن الدولي المُتعلق بحظر الأسلحة المفروض على ليبيا بموجب الفصل السابع الصادر في العام 2011
ودفع هذا التدخل العلني السافر لتركيا دعما للمليشيات المسلحة،بالجيش الوطني الليبي،الى اعلان حظرً بحري كامل على الموانئ الواقعة غربي ليبيا، لمنع وتهريب الأسلحة وقطع الإمدادات العسكرية للميليشيات المسلحة في العاصمة طرابلس.
وتزامن الحظر البحري، مع دعوات أممية بضرورة تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الذي يحظر الأسلحة على ليبيا،وأكد مراقبون أن الجيش الليبي سيضرب بيد من حديد كل من يقترب من موانئ المنطقة الغربية وخاصة شحنات السلاح التركية، حيث يبعث بذلك القرار برسالة واضحة لأنقرة، للكف عن دعم التنظيمات الإرهابية في ليبيا، والتي تؤجج الاقتتال الداخلي، وتعرقل أي تسوية سياسية.
وحادثة أمازون لم تكن الأولى من نوعها، فتمويل تركيا للإرهابيين في ليبيا له تاريخ واضح،فخلال السنوات الماضية تم ضبط العديد من سفن تحمل شحنات سلاح موجهة الى الجماعات المسلحة في ليبيا.لكن تحرك الجيش الليبي لانهاء نفوذ المليشيات دفع أنقرة الى تصعيد وجودها في الساحة لحماية الجماعات الموالية لها.
وسارع الرئيس التركي أردوغان الى التأكيد أن تركيا ستقف بقوة إلى جانب الليبيين، كما فعلت في السابق، و"ستستنفر كل إمكاناتها لإفشال مساعي تحويل ليبيا إلى سوريا جديدة".ولم يوضح أردوغان طبيعة هذه الإمكانيات التي يتحدث عنها إلا أن مراقبين إعتبروها إشارة صريحة منه بنيته توفير الدعم اللوجستي والمخابراتي بل وحتى العسكري لحكومة الوفاق ومجموعاتها المسلحة.
وعقب ذلك زاد أردوغان من حدة تصريحاته حيث أكد خلال اتصال هاتفي برئيس الحكومة، فائز السراج إن "بلاده ستسخّر كل الإمكانيات لدعم الحكومة الشرعية (الوفاق)، وأنها ستقف بكل حزم إلى جانب الليبيين لمنع المؤامرة وصد العدوان ضد "طرابلس"، وأنه لا وجود لحل عسكري في ليبيا، وأن المسار السياسي هو المسار الوحيد لبناء الدولة المدنية".بحسب زعمه.
وكشفت الشحنة العسكرية الأخيرة حقيقة الامكانيات التي تحدث عنها أردوغان،حيث يصر الرئيس التركي على دعم المليشيات والعناصر الارهابية عبر اغراق البلد في فوضى السلاح التي تمكن تركيا من نهب ثروات ليبيا عبر أذرعها التخريبية وعلى رأسها جماعة "الاخوان" التي صنفت مؤخرا من طرف مجلس النواب جماعة ارهابية.
ولا يقتصر الأمر على السلاح،بل تسعى تركيا لنقل العناصر الارهابية من سوريا الي ليبيا لتنفيذ مخططاتها القادمة.حيث كشف أحد ضباط العمليات بالبحرية الليبية التابعة للجيش الوطني، العقيد أبو بكر البدري، أن الباخرة التركية "أمازون"، التي رست قبل أيام بميناء العاصمة طرابلس، كانت تحمل أعدادا كبيرة من الإرهابيين، من ضمنهم عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي.
وأوضح البدري أن شحنة المدرعات التي أعلن عن وصولها إلى المجموعات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق، كانت للتغطية فقط على الشحنة الحقيقية، التي قال إنها تتمثل في عدد كبير من عناصر التنظيمات الإرهابية الذين نقلتهم تركيا من سوريا والعراق إلى ليبيا.مضيفا أن الشحنة احتوت أيضا على كميات من الأسلحة والذخائر التي قدمتها تركيا كدعم للمجموعات المسلحة في طرابلس، في معاركهم ضد الجيش الليبي.
وتصاعد مؤخرا الحديث حول مخطط تركي لنقل العناصر الارهابية من سوريا الى ليبيا،وكشفت تقارير ليبية وعربية، خلال الفترة الماضية؛ أنّ "السلطات التركية كثفت من عمليات تجميع العناصر الإرهابية الفارة من المعارك في سوريا، خاصة أفراد تنظيم "جبهة النصرة"؛ حيث شرعت في نقلهم جواً إلى الأراضي الليبية لدعم الميليشيات المسلحة المنتشرة في العاصمة طرابلس".
وتسهم هذه التدخلات الخطيرة في تأجيج الصراع في ليبيا وزيادة التعقيدات أمام تحقيق الاستقرار في هذا البلد الممزق منذ سنوات.وهو ما أكده الاتحاد الأفريقي الذي حذر من أن التدخلات الخارجية أدت لتعقيد الوضع في الميدان الليبي داعيا الأطراف الى ضرورة أن تركز جهودها على دعم السلام.
وقال مفوض الأمن والسلم في الاتحاد الأفريقي، في كلمة له خلال جلسة لمجلس الأمن حول ليبيا أن الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة تقودان جهودا لدعم المصالحة في ليبيا مشيرا إلى أن الوضع في ليبيا يتدهور بشكل مقلق ما يستوجب وقف اطلاق النار وفتح ممرات إنسانية لخروج العالقين في مناطق الاشتباكات لافتا إلى أن المهاجرين يعانون أوضاعا حرجة وبعضهم يستخدم كدروع بشرية ويجبرون على القتال.
من جهته،حذر مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة،من أن "المعركة للوصول إلى طرابلس تشكل مجرد بداية حرب طويلة ودامية".داعيا إلى "اتخاذ إجراءات فورية لوقف تدفق الأسلحة الذي يؤجج القتال".
ويسعى الجيش الليبي إلى بسط سيطرته على المنطقة الغربية والعاصمة طرابلس بغية تحريرها من العناصر الإرهابية والميليشيات،ويؤكد المتابعون للشأن الليبي أن هذه الخطوة ستوفر فرصة حقيقية لتسوية شاملة في ليبيا ونقطة البداية لحل الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ سنوات.حيث يأمل الليبيون فى استعادة وطنهم من المتطرفين والميليشيات المسلحة والبدء فى نهضة حقيقية فى البلاد نحو مستقبل أفضل.