لم يمنع جمهورية مصر العربية، برغم الضغوطات الدولية، والمسائل المتعثرة والموجهة بإشكالات المياه وسد النهضة، ودفع الإرهاب بــ سيناء، خلق وصناعة موقف واضح وشفاف وداعم لمجلس النواب الليبي علي المستويين الإقليمي والدولي، والحصول عي شرعية وطنية وشعبية، ومصادقة المؤسسة المنتخبة دون تدخل مباشر، وتحقيق مزيد  من التطمينات، والتي أتي اخرها بـــ اجتماع القاهرة 16 يوليو 2020، وما سبقه من إعلان القاهرة 6 و 8  يونيو 2020 ،كونه متمم أو مكمل أو تنفيذي لمخرجات مؤتمر برلين. 

يأتي هذا (الموقف المصري) ولقاء الرئيس السيسي مع قبائل ليبيا، تأسيساً علي القيمة التاريخية و النبض العربي، وحفاظاً علي أمنها القومي، ودعما لشعب جار واستراتيجي، وطرداً لشبح قادم تركي، قد واصل مسيرته تحت صمت دولي، وبني تدخله العسكري والأمني بشكل مغلوط، تحت مظلة الوفاق غير الشرعية، وواصل مشواره لمنتصف الطريق والتي تعتبره مصر خطا أحمرا لا يمكن المجازفة بالسماح للتقدم بالمزيد. 

كما، ينظر الشعب الليبي في مجمله، شرقاً وغرباً وجنوباً ووسطاً، بأن هناك اطماعاً مصرية حقيقية في ثروات ليبيا، وتحديداُ، ما يتعلق بالنفط والغاز، فتاريخ مصر لم يكن إطلاقاً  استعمارياً ولا نفعياً، كما أن عمق علاقتها وارتباطها الوثيق مع الشريك الليبي علي مدار السنوات الماضية يؤكد الاطمئنان والثقة والمصير القومي والأمني المشترك، أيضاً، تميزت علاقات مصر بليبيا كونها العون والدعم في تأسيس جيش التحرير اربعينيات القرن المنصرم، دون أطماع، الأمر الذي انعكس باستقلال برقة 1949، وليبيا كلها عام 1951. 

في المقابل، فذكريات الاستعمار لليبيا بصفة عامة، وفترة الاحتلال التركي لليبيا بصفة خاصة، كان  اليماً ومرفوضاً ومقاوماً، كما شكل أيضاً تنازل تركيا  عن مستعمراتها بما فيها ليبيا  عام 1912، و 1923 الواقع الأسواء والأمر، فالأطماع والطموح التركية كبيرة للعودة وتوظيف الواقع الدولي لمصالحها اقتصاديا وتوسعياً، وتفعيلاً لأدوار في دول أخري ومنها، سوريا علي سبيل المثال لا الحصر، وهو ما يعتبر اولوية للسياسة الخارجية التركية.

 لقد منح الوفاق الليبي تركيا اليوم فرصة حيوية غير مسبوقة، كما منحها المجتمع الدولي المنقسم والصامت، شرعية عرفية، لتصبح تركيا وجيشها، المقاول والوسيط، لتنفيذ مهمات دولية لن تصب في نهاية المطاف في مصلحتها الاستراتيجية، وبهذا لن تستمر طويلاً في بقائها بليبيا، كونها الشريك الأطلسي غير المرغوب فيه، والمنافس الاقتصادي لأوروبا، وسينتهي  وجودها بانتهاء المهمة وتحقيق الهدف النهائي للكبار دون غيرهم.    

وبدخول تركيا المسرح الدولي، ولعب دور المحارب اقليمياً، وبإصرار  وتخويل الولايات المتحدة وروسيا ومنحها لقب المقاول والوسيط، ستدفع تلك التوجهات جميعاً لمزيد من التحديات التي ستواجه الاتحاد الأوروبي، وتحديداً فرنسا وإيطاليا والمانيا، وستكون (إن لم تكن الحرب بالوكالة او المواجهة المباشرة) ملفات الهجرة والإرهاب، علي طاولة المفاوضات والهموم القادمة، بالإضافة الي ما تسببه كورونا من انتكاسة اقتصادية وبطالة طويلة المدي. فسكوت أوروبا وعدم تدخلها بشكل فعال من خلال منع التدفقات الإرهابية من والي الغرب الليبي لصالح تركيا، لن يصب في مصالحها مهما كانت الوعود المقدمة  سواء الأمريكية او الروسية او الليبية. 

وبين تلك المحطات وما سبق  والقادم،  لن تخسر أمريكا شيئا بوجودها غير المباشر أو الثانوي بالشأن الليبي، وربما حققت من خلاله أعلي المكاسب، وهو ما فعلته فعلياً إبان رئيسها "روزفلت "، وتحت شعار  AMERICA ONLY""

دولياً، قد نري تحالفات قادمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين علي مستوي تجاذبات ليبرالية – اشتراكية بشكل اقتصادي، وهو مفهوم يتطابق بشكل ما مع ما يعرف بالردع، غير أن الردع لن يكون نووياً بل اقتصاديا هذه المرة، كما يأتي هذا التحالف المرن، في مواجهة كاملة لما تبقي لــ روسيا من ناحية، والقطار البطيء الأوروبي من ناحية أخري، فيما عدا المملكة المتحدة (الشريك الدائم). 

الأمر يذكرنا بتحالف الاتحاد السوفيتي الأسبق مع الولايات المتحدة الأمريكية نهاية الحرب الثانية، والذي أتي في شكل تالفات رأسمالية- شيوعية، وكان لذلك التحالف المؤقت الدور الرائد في الإجهاز والقضاء علي النازية حينها، وهو ما يوجهنا أيضاً للفت النظر، وصولاً الي وستيفاليا أخري ، بشكل مغاير، ومراوحة في إرهاصات حروب مشتتة وبالأخص في القارة السمراء وشمال أفريقيا والمتوسط بصفة عامة.   

يدفعنا الحديث عن الحالة الأمريكية بوجهين أولهما: المستوي الإقليمي، استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية نصب شرك لـــ تركيا، بمنح سكوت  وصمت عن دخول الأخير عسكريا بــ ليبيا، ما يذكرنا بسابقة العراق والكويت، وسيؤدي  لنفس النهاية، والدخول في مستنقع ووحل ودون حصاد، الأمر ينعكس بشكل دراماتيكي، استنزافا للموارد التركية وإضعافها عسكرياً، وتعريض كيانها ومستقبل علاقاتها بالأمة العربية ودول شمال أفريقيا وبعض دول المتوسط  لمستقبل غامض ، إضافة، لإضاعة فرصة حصولها علي مكتسبات الغاز بشرق المتوسط، وإنهاء  طموحها كشريك قادم بالاتحاد الأوروبي إن استمر وجوده.

وبهذا، سنري تساقط القوة الإقليمية المهددة لأمريكا و للحليف – إن ثم -، فبالأمس انهكت حرب العراق الأولي والثانية مقدرات البلد ودوامات الفراغ التشريعي ومزق الإرهاب ما تبقي تحت رسم وتوصيف أجنبي، ليدفع دول الخليج  العربي كلها في سياق  مربك، ويفتح أطماع الطامعين، ويضع الخليج بين فكي كماشة، ويأتي التدخل التركي اليوم في ليبيا بمغامرة بائسة تقع بين إطارين (الطموح والأطماع) وبشكل عسكري وأمني، وصمت دولي معزز ومخيف، لينتهي بها المطاف لما انتهت تجارب الغير اليه، والتاريخ المعاصر خير شاهد ومؤيد. 

وثانيهما: علي المستوي المحلي الأمريكي ، فالتدخل البعيد غير المباشر، إن لم يكن إيجابياً فلن يكون سلبياً للناخب الأمريكي، وقد يحقق ما دفعت به سياسات الخارجية الأمريكية -  حماية لأمن  الحليف – وهو الداعم من خلال جماعات الضغط والتمكين واللوبي المهيمن والرائد في تحقيق الاستراتيجيات والإعلام والمراصد والأبحاث وغيرها، وقد يتحقق لشعبية الرئيس ترامب بالداخل الأمريكي أعلي نسب التصويت والترشيح لولاية أخري في مقابل ما حققته سياساته الأمنية والاستراتيجية والاقتصادية والدعم اللامحدود  للحليف الاستراتيجي.