نشرت صحيفة إل بايي الإسبانية مقالاً للروائي الإسباني ماريو بارغاس يوسا، بعنوان "حرب نهاية العالم" (على اسم رواية له تحمل العنوان نفسه)، يتحدث فيها عن ما يسمى الربيع العربي وداعش والديكتاتورية وغيرها. 
 

تعتبر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قصف أعداء الطاغية في إشارة للرئيس الأسد رغم أنه قاتل لشعبه شر أقل مقارنةً بالخلافة

في ما يلي نص مقال فارغاس: 

بعد 25 عاماً من إعلان الكاتب والمفكر الأمريكي، فوكوياما، نهاية التاريخ، لا تزال الحضارة والهمجية تتصارعان في المشهد العالمي، والعدو الآن هو الأصولية الإسلامية.

نشر فرانسيس فوكوياما، ذو الأصول اليابانية، في عام 1989 مقالته الشهيرة حول نهاية التاريخ، وفي عام 1992 نشر الكتاب الذي توسع فيه وبرهن على النظرية ذاتها، شارحاً أنه، مع غياب الاتحاد السوفيتي والشيوعية، لن تتمكن الديمقراطية في المستقبل من تحقيق قفزات هامة، وأنها قليلاً قليلاً ستخلق في العالم حضارة عالمية متفق عليها، شعارها السلام والحرية.

من يتجرأ بعد ربع قرن من ذلك على التمسك برؤية بهذا التفاؤل؟ فحيث تولي نظرك، تجد التاريخ أكثر اشتعالاً من أي وقت مضى، والتناقضات والرفض العنيف للثقافة الديمقراطية علامة من علامات الفترة الحالية، لقد اختفى الاتحاد السوفييتي والشيوعية، واختفى أثرهما العملي، ولم يتبق إلا دولتان -كوبا وكوريا الشمالية- ومصيرهما التبخر أيضاً عاجلاً أم آجلاً، لكن روسيا، تحت قيادة فلاديمير بوتين وأنصاره من الوكلاء القدامى، يبعث الهيمنة المستبدة التي تتحدى الغرب بنجاح، ويمضي في إعادة تأسيس إمبراطوريته أمام الولايات المتحدة وأوروبا، التي تعترض وتهدد بعقوبات، لكنها لم تتحرك اليوم من أجل الحرب لأوكرانيا، التي التهم الوحش الروسي نصفها بالفعل، ولا ستتحرك غداً من أجل دول البلطيق التي ستكون هدفاً قريباً للإمبريالية الروسية الجديدة. 

مات الربيع العربي، الذي أيقظ آمالاً كبيرة في العالم الديمقراطي بأسره، ودُفِن بالفعل. والآن تونس على قيد الحياة بمعجزة، واختفى تماماً في مصر، حيث أدت الانتخابات الحرة لصعود الإخوان المسلمين إلى السلطة، ليبدؤا في تأسيس تيوقراطية حصرية وعدوانية كان مصيرها الطرد من السلطة.

أما ليبيا، فديكتاتورية القذافي المصابة بالبارانويا خلفت وراءها تمزقات كبيرة، لتعيش الدولة الآن في فوضى دموية، حيث تتقاتل الفصائل الدينية والعسكرية بشكل منهجي، مما سيؤدي في النهاية لسيطرة الأصوليين الإسلاميين.

في العراق الوضع تراجيدي جداً، بلا شك، فالتدخل العسكري دمر الطاغية الدموي صدام حسين لكن، وبعد ظهور أفق لنظام شرعي وحر يمكن أن يلقي بذوره، أُعلنت الحرب الطائفية بين الشيعة والسنة، فيما أصبح إرهابيو القاعدة ومنظمات إسلامية متطرفة أخرى أكثر حضوراً ليمارسوا فظاعات منقطعة النظير، مناخ تمكنت فيه حركة أكثر عنفاً وتعصباً من القاعدة وهي تنظيم داعش من السيطرة على جزء من البلد، كما فعلت في سوريا وأقامت هناك خلافة جديدة، حيث تحكم الشريعة وأشكال أخرى من الوحشية المتطرفة، مثل ذبح وصلب ودفن الأحياء ممن يرفضون الدخول تحت طوع الأصولية، وحيث أصبحت النساء إماءً، حتى الأطفال تحولوا خدماً لأعضاء داعش وشهداءً للمستقبل. 

الخلافة
في حين خانت الدول الغربية حركة التحرر الكبيرة التي رفعت السلاح ضد ديكتاتورية بشار الأسد في سوريا، والتي في لحظتها الأولى، كانت تمتلك القوى الديمقراطية والتحديثية، والدول الغربية أنزلت بناطيلها أمام بوتين، مورد سلاح الديكتاتورية، فسمحت بهذه الطريقة بأن يكون متعصبو داعش أبطال النضال الرئيسيين، والآن وصل الوضع في سوريا إلى التمثيل الصامت الفظيع، حيث بما أن الحل الأخير هو الحل الأسوأ، تعتبر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قصف أعداء الطاغية، رغم أنه قاتل لشعبه، شر أقل مقارنةً بالخلافة.

وأفغانستان ليست أقل تراجيدية، حيث يبدو أن طالبان لا يمكن هزيمتهم، وخلال حملته الانتخابية، انتقد باراك أوباما الرئيس بوش، مؤكداً أن الأخير أخطأ حين أعطى الأولوية للعراق، بينما كان الخطر الحقيقي بالنسبة للعالم الحر يمثله المتطرفون الطالبانيون، وبعد صعوده للسلطة، زود عدد الجنود والأسلحة لمحاربتهم، وبعد عدة سنوات، وأمام فشل هذا الجهد، سحب القوات، كما فعلت بقية دول الناتو، بحيث تتبقى فقط قوى عسكرية صغيرة ليست إلا رمزية، وليس مستحيلاً على نظام حرم التعليم على المرأة، ومنعها من العمل، وحبسها في البيت مثل الإماء، واستعاد الشريعة، ودمر الإرث الثقافي للبلد وأقام الديكتاتورية الظلامية للعصور الوسطى، أن يعود إلى السلطة عاجلاً أم آجلاً".

ترجمة : احمد ضيف : موقع 24